بعد نحو عامين من اندلاع الحرب، أكدت الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ بالعالم: هجمات عسكرية ومجاعة وأمراض تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بينما نزح ملايين وأصبحوا يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.
مع حلول شهر رمضان الحالي، تمر قرابة عامين على اندلاع القتال بينالقوات المسلحة السودانية (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) وحلفائهما. ففي رمضان 2023، نشب خلاف بين قائدي القوتين حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، مما أدى إلى صراع عنيف على السلطة. أسفر هذا النزاع عن أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم.
ومع تدهور الوضع الإنساني، وانتشار الجوع والمجاعة، واستمرار القتال وتفشي الكوليرا، أصبح السودان، الذي مزقته الحرب، مهددًا بالانقسام إلى حكومتين متنافستين، مما يزيد من تعقيدالوضع السياسي والإنساني في البلاد.
قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي تسيطر على معظم منطقة دارفور الغربية وأجزاء من الجنوب، وقعّت مؤخرًا اتفاقًا لتشكيل “حكومة للسلام والوحدة” في المناطق التي تحت سيطرتها.
فيما حذّر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أن هذه الخطوة قد تُفاقم الصراع في السودان، وتقسّم البلاد، وتزيد من تفاقم الوضع الإنساني. كما أدان الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة، إعلان قوات الدعم السريع والقوى السياسية التابعة لها عن تشكيل حكومة موازية في السودان، محذرًا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
وفي نفس السياق، كشفت القوات المسلحة السودانية، التي تسيطرعلى معظم شمال وشرق البلاد واستعادت مؤخرًا مناطق واسعة من الخرطوم ووسط السودان، عن خطة سياسية للسلام في فبراير/شباط.
وقالت لينا بدري، من برنامج الأمن الدولي في مركز تشاتام هاوس بلندن، لـ DW إن “كل طرف يسعى ليكون القوة الشرعية في البلاد”.
وأضافت بدري أن القوات المسلحة السودانية تؤكد أن القتال لن ينتهي إلا بانسحابالميليشيات شبه العسكرية وتسليم أسلحتها، بينما تأمل قوات الدعم السريع في الحصول على أسلحة رسميا من خلال تشكيل حكومة جديدة. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك رغبة حقيقية من أي طرف في إنهاء القتال أو الحد من الدمار الذي يعاني منه السودان.
تزايد القلق بشكل ملحوظ بين المحللين ونشطاء حقوق الإنسان بشأن تداعيات التقسيم المحتمل للسودان، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة إنسانية طاحنة.
وفي تصريحات خاصة لـ DW، قالت شاينا لويس، الخبيرة في شؤون السودان والمستشارة في منظمة “منع وإنهاء الفظائع الجماعية” (PAEMA) الأمريكية، إن “إقامة إدارات موازية في البلاد سيزيد من تباعد المدنيين السودانيين عن أهداف السلام والعدالة، مما يساهم في تعزيز سيطرة العسكريين على مستقبل البلاد السياسي، ويعرقل أي تقدم نحو تحقيق الاستقرار”.
وقال محمد عثمان، الباحث في شؤون السودان في منظمة هيومن رايتس ووتش، لـ DW: “البيئة الحالية تعيق وصول المساعدات الإنسانية بسبب الإجراءات التي تفرضها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، مما يزيد من معاناة المدنيين”. وأضاف: “الحكومة التي اقترحتها قوات الدعم السريع لن تكون قادرة على تحسين الوضع الإنساني أو تعزيز حقوق الإنسان، بالنظر إلى سجلها السيئ طوال فترة الحرب”.
ويوما بعد يوم، تزداد معاناة 12.9 مليون سوداني أُجبروا على الفرار من ديارهم، منهم نحو 9 ملايين نازح داخل البلاد. وهذا الأسبوع حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع في معسكرات اللاجئين في دارفور، حيث يموت المدنيون جوعًا، وتتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير.
وذكر صلاح آدم، المقيم في معسكر أبو شوك للاجئين في دارفور، لـ DW يوم الجمعة (14 مارس/ آذار) أن “الظروف هنا صعبة للغاية. لا يوجد طعام كافٍ، والمياه نادرة جدًا”. وأضاف أن الرعاية الطبية توقفت في المعسكر، وأنالقصف المستمر من قبل قوات الدعم السريع يزيد من تعقيد الوضع. وأشار آدم إلى أنهم يعيشون في قلق شديد على حياتهم وعلى الوضع في السودان، دون أن يملكوا القدرة على تغيير شيء.
أشار المراقبون إلى أن نتائج الصراع في السودان ترتبط بشكل كبير بالدعم الدولي الذي تتلقاه الأطراف المتحاربة، حيث تستند القوات المسلحة السودانية، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى دعم سياسي وعسكري من مصر وقطر.
من ناحية أخرى، تتهم الحكومة السودانية قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق أول محمد دقلو، بتلقي شحنات أسلحة من الإمارات عبر تشاد.
في المقابل، تنفي الإمارات هذه الاتهامات، رغم أن منظمات حقوق الإنسان قد وثقت استخدام أسلحة إماراتية الصنع في الصراع. وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفع الفريق أول البرهان دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب هذه المزاعم.
جاء في المذكرة الرسمية المقدمة إلى المحكمة أن الإمارات تسهم في إشعال التمرد وتدعم الميليشيا التي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية في غرب دارفور.
من جانبه، أكد مسؤول إماراتي لوكالة الأنباء الفرنسية (AFP) أن “القضية مجرد خدعة دعائية تهدف إلى تشتيت الانتباه”، بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد القتلى في السودان تجاوز 40 ألف شخص خلال العامين الماضيين.
DW