يؤمن الفنانون السودانيون بأن الغناء والرقص والموسيقى قادرة على “ترميم” حياة الذين أنهكتهم الحرب؛ لذلك أطلق بعضهم مبادرة فنية بعنوان “طبول السلام” لطرد شبح الموت ونشر ثقافة السلام وإسكات أصوات البنادق.
مع استمرار هدير المدافع والبنادق، وارتفاع ألسنة لهب الحرب في السودان، يرى الموسيقار السوداني عوض هارون أن الحرب قد تُسكت كل الأصوات، باستثناء صوت الموسيقى وآلاتها الصاخبة والرقصات المصاحبة لها، وهي أدوات قادرة على جلب السلام من قلب الركام.
ويحاول عوض الشهير باسم “زيتون” وفرقته الموسيقية “مجموعة أهالينا” استخدام الموسيقى والرقص والغناء كفعل حياة وتحدٍ لشبح الموت، ووسيلة للتسلية لمن شردتهم الحرب.
وأطلق عوض ورفاقه مبادرة فنية بعنوان “طبول السلام”، تقوم فكرتها على استخدام أصوات وأصداء فن الموسيقى للترويج لثقافة السلام في بلد يعاني من نزاع مسلح يقترب من إكمال عامين.
وقال عوض لوكالة شينخوا “هذه مبادرة فنية من أجل إشاعة ثقافة السلام، إنها عبارة عن طبول موسيقية تحث على التعايش بين المكونات السودانية المختلفة، وتدعو إلى إسكات أصوات البنادق.”
الغناء والرقص والموسيقى تشكل قاسمًا مشتركًا بين المجموعات السكانية المتباينة في السودان
وأضاف “نحن كمجموعة فنية نعمل على جعل الموسيقى السودانية والرقصات الشعبية والغناء وكل أنواع الفنون الأخرى وسيلة لخدمة مجتمعنا في ظل هذا الظرف العصيب، إذ يعاني المجتمع من ويلات الحرب على كافة الأصعدة.”
وتابع “نحن نؤمن بأن فن الموسيقى يمكن أن يكون ترياقًا في مواجهة النزوح والموت والتشرد والغربة، وأنه فن يتجاوز التسلية والترفيه ليصبح مرآة حقيقية تعكس الألم الجماعي والتعقيدات التي أوجدتها الحرب.” وقد بادرت الفرقة الموسيقية إلى إقامة العديد من العروض الفنية في عدة مدن سودانية، في إطار الترويج لمضمون مبادرة “طبول السلام”.
وفي مدينة بورتسودان تقدم الفرقة الموسيقية عروضًا مختلفة في المراكز الثقافية بالمدينة، وعلى كورنيش البحر الأحمر، وحتى في بعض مراكز الإيواء.
وقالت الفنانة الاستعراضية ندى مبروك “نسعى لإنجاح هذه المبادرة من خلال هذه العروض الموسيقية التي نقدمها في مناطق مختلفة من السودان، ولاسيما في المدن التي لا تزال آمنة وبعيدة عن الحرب.” وأضافت “نجد تجاوبًا كبيرًا وتشجيعًا مستمرًا، وهناك تفاعل مع مضمون المبادرة، ونأمل في نهاية المطاف أن نخلق رأيًا عامًا داعمًا للسلام وداعيًا إلى إنهاء الحرب.” وتابعت “رغم الحرب والدمار والموت، فإننا نسعى لنجعل من الموسيقى والرقص والغناء أصواتًا داعمة للسلام، نريد أن تبقى هذه الجذوة الفنية متقدة.”
وتقدم الفرقة الموسيقية عروضًا فنية بالاعتماد على أغان تراثية ورقصات شعبية مستمدة من ثقافة السودان وتراثه. وقالت “يتميز السودان بتنوع ثقافي كبير، وتعكس الموسيقى والرقصات الشعبية جانبًا من هذا التنوع الذي يمكن استخدامه كمحفز على الوحدة والسلام والتعايش في السودان.” وأضافت “هناك ارتباط وثيق بين الغناء والرقص والبيئة، ففي جبال النوبة بجنوب كردفان نجد الرقصة الشهيرة ‘الكمبلا’، وتقوم الراقصات بمحاكاة ‘الأبقار’ في رقصهن.” وتابعت “في شمال السودان نجد الرقصة الشهيرة ‘الرترتو’، وفيها تقوم الراقصة بمحاكاة طائر الحمام، أما في شرق السودان فإن أشهر رقصة تسمى ‘السيسعيد’، وتعني موج البحر.”
وكغيره من قطاعات المجتمع السوداني، تأثر الوسط الفني والعاملون فيه بالحرب المستمرة، حيث توقفت المهرجانات والحفلات العامة والخاصة، وأغلقت أبواب المسارح، وتشرد الفنانون بين نازح ولاجئ. وترى الفنانة الشعبية السودانية سهي عوض أن مبادرة “طبول السلام” يمكن أن تشكل فرصة لإعادة الحياة إلى هذا القطاع الحيوي.
وقالت “نحاول استغلال أي مناسبة لاستعادة نشاطنا، ونقدم هذه العروض الفنية في المهرجانات والاحتفالات والمناسبات العامة.” وأضافت “من بين ركام الحرب نحاول النهوض والتعافي، ونحن مقتنعون بأن صوت الفن أعلى.”
استخدام الموسيقى والرقص والغناء كفعل حياة وتحدٍ لشبح الموت، ووسيلة للتسلية لمن شردتهم الحرب
وأشارت إلى فنانين في عدة مجالات، من ممثلين في مجال الدراما ومسرحيين ومغنين وراقصين يعيشون الآن في مراكز للنزوح في مختلف مدن السودان، بينما اختار بعضهم اللجوء إلى دول الجوار.
وقالت “يعاني الوسط الفني من تداعيات الحرب، وقد غابت الأنشطة الفنية، وتراجع الإنتاج الفني بكل أنواعه، ولذلك فإن مبادرة ‘طبول السلام’ يمكن أن تشكل فرصة لإعادة النشاط إلى هذا القطاع الحيوي.”
ويرى الباحث في التراث والموسيقى بالسودان عبدالجليل الحاج أن الغناء والرقص والموسيقى تشكل قاسمًا مشتركًا بين المجموعات السكانية المتباينة في البلاد.
وقال “مبادرة ‘طبول السلام’ تمثل إحدى المبادرات الرائدة للترويج لثقافة السلام، التي تشكل الآن ضرورة ملحة، عطفًا على ما تشهده بلادنا حاليًا.” وأضاف “لا بد أن تلعب الفنون الدور المنوط بها في ظل ما يعيشه السودان الآن، ويمكن للفن أن يكون صوتًا لإبراز الألم والمعاناة، وبإمكانه أن يكون صوتًا يدعو إلى الوحدة والسلام، كما يمكن أن يكون أداة للتحفيز وتعزيز الصمود بين السودانيين.”
ويرى الحاج أن الغناء والرقص والموسيقى ليست مجرد وسائل للترفيه، ويصفها بأنها بمثابة صوت الشعب، ورمز للهوية ووسيلة لنقل التراث الثقافي من جيل إلى آخر.
العرب