آخر الأخبار

حرب السودان... تقدم الجيش يبدل خريطة الانتشار والسيطرة في الخرطوم

شارك

عبد الحميد عوض

يقترب الجيش السوداني من إحداث تغيير شامل في خريطة السيطرة في الخرطوم العاصمة، بعد عمليات عسكرية في الأيام الماضية بقلب العاصمة. وكان المتحدث الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، قد ذكر في بيان، أول من أمس الأحد، أن “قواتنا تحرز تقدماً مهماً بوسط الخرطوم”، مضيفاً أن عمليات عسكرية للجيش غطت مجموعة من المناطق، منها مجمع خدمات الجمهور التابع للشرطة حتى حديقة القرشي، ونادي الأسرة حتى شارع كاترينا شرقاً، وموقف شروني وأبراج النيلين.

تؤيد هذه الرواية حول السيطرة في الخرطوم والتقدم فيها، مقاطع مصورة لجنود موالين للجيش تُظهر انتشاراً في محاور مختلفة وسط الخرطوم، حيث ينفذ الجيش عملياته العسكرية والتي تهدف لتحقيق هدفين. الهدف الأول، الوصول إلى القصر الرئاسي الواقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب قبل نحو عامين. أما الهدف الثاني فيتمثل في الربط بين قواته الموجودة بسلاح المدرعات وتلك الموجودة في مقر قيادة الجيش بوسط الخرطوم. وبالفعل أعلن الناطق باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، في بيان أمس الاثنين، عن التحام قوة من سلاح المدرعات بمقر القيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم، مشيراً إلى الالتحام جرى “بعد تطهير مستشفى الشعب التعليمي من مليشيا آل دقلو”. ويعد الالتحام الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب، قبل نحو عامين. كما تهدف العمليات إلى قطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع المنتشرة في عدد من المناطق، أبرزها جزيرة توتي، وسط العاصمة، ومنطقة المقرن ومطار الخرطوم والقصر نفسه. وإذا تمكن الجيش في الساعات المقبلة من تحقيق تلك الأهداف يكون قطع شوطاً كاملاً في إكمال سيطرته على العاصمة أو على الأقل المناطق الاستراتيجية والسيادية منها.

ولم تعلق قوات الدعم السريع على التطورات العسكرية الأخيرة سوى نفي تقدم الجيش وحديث لمستشاريها عن استعادة بعض المباني التي سيطر عليها الجيش في الساعات الماضية. وفي خطاب يوم السبت الماضي، توعد قائد “الدعم” محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعدم الخروج من الخرطوم عامة والقصر الرئاسي والمقرن خاصة. وهدد بتصعيد العمليات العسكرية في كل السودان. وذكر حميدتي أن القتال خلال المرحلة المقبلة سيكون مختلفاً، نافياً أن تكون قواته قد ارتكبت انتهاكات، مضيفاً بالمقابل أن الانتهاكات تتم بواسطة عناصر موالية للنظام السابق لكنها ترتدي زي “الدعم السريع”.

تقدم الجيش السوداني

تتكون ولاية الخرطوم من ثلاث مدن رئيسة هي الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، وتتوزع فيها سبع محليات بحسب التقسيم الإداري المعتمد. في الأيام الأولى للحرب سيطرت “الدعم السريع” على أجزاء واسعة من محليات الولاية وعلى مواقع استراتيجية مهمة مثل القصر الرئاسي ومطار الخرطوم ومقر الإذاعة والتلفزيون، وعدد من المقار العسكرية. كما حاصرت كلا من مقر قيادة الجيش وسلاح المدرعات وسلاح الإشارة وسلاح المهندسين، بينما ظل الجيش طوال فترة الحرب محتفظاً بمحلية كرري شمال أم درمان، ومعها منطقة وادي سيدنا العسكرية التي ظل يدير منها معاركه العسكرية. ونجح الجيش في مطلع العام 2024 باستعادة السيطرة على أجزاء واسعة من محلية أم درمان، ومقر الإذاعة والتلفزيون، وأجزاء من محلية أمبدة. وفي الأسابيع القريبة الماضية، استعاد السيطرة بالكامل على محليتي بحري وشرق النيل، وسيطر معهما على مدخلي جسر المنشية وسوبا اللذين يؤديان نحو العاصمة.

تعد العاصمة الأهم في تكوين الولاية، حيث تضم القصر الرئاسي والوزارات الحكومية ومقر قيادة الجيش ومطار الخرطوم، والمؤسسات الكبرى الحكومية والخاصة. كل هذه المقرات تقع تحت نطاق محلية الخرطوم، بينما تكمل محلية جبل أولياء، جنوب الخرطوم عقد الترتيب الإداري، وهي لا تزال في يد “الدعم السريع”، وتضم أكبر معسكراتها بطيبة الحسناب. يحاول الجيش عبر أكثر من محور إكمال السيطرة على محلية الخرطوم، أولاً من محور القوات الموجودة في مقر قيادة الجيش، أو المحور الشرقي عبر جسر المنشية، وكذلك عبر محور سلاح المدرعات، وهو الأكثر نشاطاً خلال عمليات السيطرة على مناطق وسط الخرطوم. أما بالنسبة لمحلية جبل أولياء أقصى جنوب العاصمة، فيبدو أن الجيش والمجموعات المتحالفة معه تخطط لدخولها عبر بوابة ولاية النيل الأبيض المتاخمة، وكذلك عبر جسر سوبا الرابط بين شرق النيل والخرطوم.

لكن المناطق التي استعادها الجيش أو تلك التي كان يُسيطر عليها لا تزال تواجه خطر القصف المدفعي المستمر من قبل قوات الدعم السريع، لا سيما في شمال أم درمان، حيث قتل المئات جراء القصف المستمر. آخر عمليات القصف تلك، كانت أول من أمس الأحد، إذ أعلنت حكومة ولاية الخرطوم في بيان، فجر أمس الاثنين أن “مليشيا الدعم السريع قصفت بالمدافع الحارات الغربية بحي الثورة بأم درمان أثناء صلاة التراويح مساء الأحد، ما أدى إلى استشهاد 4 مدنيين، بينهم طفلان، وإصابة 30 مدنياً بينهم 18 طفلاً”. وأضافت أن القصف المدفعي شمل “الحارتين 29 و43 بحي الثورة، والحارة 50 بمنطقة المرخيات، أثناء وجود الأطفال بميدان لكرة القدم”، كما “طاول القصف المواطنين داخل منازلهم”.

وفي موازاة تبدل خريطة السيطرة في الخرطوم تدريجياً، تواجه المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش حالات نهب وسرقة للمنازل أثارت ضجة كبيرة، الأسبوع الماضي، في مناطق شرق النيل، عدا عن عدم استقرار الخدمات الأساسية. لكن سلطات ولاية الخرطوم تقول إنها ستفعل كل ما هو ممكن لإنهاء تلك المشكلات. أما في المناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيات الدعم السريع والتي اقترب منها الجيش، فيشتكي الأهالي هناك من انتهاكات واسعة من قبل تلك المليشيات، خصوصاً في أحياء الديوم وبري والجريف. ويشيرون إلى أن “الدعم السريع” ارتكبت جرائم قتل ونهب وسرقات وإلى أن وتيرة تلك الانتهاكات تزيد كلما اقترب الجيش واشتدت المعارك.

محمد خليل الصائم: الجيش يحاصر الآن القصر الرئاسي ويمكن أن يستلمه في أي لحظة

تغيير خريطة السيطرة في الخرطوم

يقول أستاذ الدراسات الاستراتيجية، اللواء المتقاعد محمد خليل الصائم، إن “عمليات الجيش في الأشهر الأخيرة بيّنت انتقاله السريع من التكتيك الدفاعي إلى الهجوم، بعد أن استنزف التكتيك الأول، قوات الدعم السريع بشرياً وبالعتاد العسكري”. ويوضح في حديث لـ”العربي الجديد”، بشأن تبدل خريطة السيطرة في الخرطوم أن “مليشيات الدعم السريع ظلت تمارس الحصار على مواقع سلاح المدرعات والمهندسين اعتقاداً منها أن استلامها للمقرين سيكسبها الحرب”، مضيفاً أنه “رغم ذلك ثبتت مقرات الجيش في كل من الخرطوم وأم درمان أمام الحصار طوال الفترة الأولى، حتى تمكن الجيش من الانطلاق في المرحلة الثانية وسيطرته على 90% من منطقة أم درمان، وكذلك 90% من منطقة الخرطوم بحري”. وبحسب الصائم، فإنّ “الجيش يُحاصر الآن القصر الرئاسي ويمكن أن يستلمه في أي لحظة، بعد أن استلم مناطق حاكمة (مؤثرة) ومباني مرتفعة كانت تعوق تقدمه لوجود قناصين تابعين لـ”الدعم السريع”. ويتوقع الصائم “هزائم أخرى للدعم السريع بمحلية جبل أولياء التي يجري فيها عمل عسكري متقدم، لو اكتمل” حسب تقديره “سيغير المعادلة تماماً”، وسيكون له تأثير حتى على العمليات في ولاية شمال كردفان، وسط البلاد.

وبحسب الصائم فإنّ سر نجاح العمليات الأخيرة يعود إلى “تمكن القوات الخاصة التابعة للجيش من تحييد القناصة”، متوقعاً أن تمضي العمليات العسكرية بوتيرة أسرع وتنتهي بسيطرة الجيش على كامل ولاية الخرطوم، وذلك بعد قطع الإمداد عن مليشيا الدعم السريع”. ويوضح أن “التحرير الكامل لن يتم إلا بعد تنظيف كل الجيوب ووقف القصف المدفعي الذي تشنه المليشيا على مناطق شمال أم درمان”، نافياً تورط جنود من الجيش في ظاهرة السرقات المنتشرة في الخرطوم بحري وأم درمان، متهماً عصابات بارتداء زي الجيش لتنفيذ تلك الجرائم.

يوسف عمارة أبو سن: سينتقل القتال إلى مناطق جنوب الخرطوم وجسر جبل أولياء لتكون تلك آخر المعارك

من جهته يقول يوسف عمارة أبو سن، مستشار بقوات درع السودان التي تقاتل إلى جانب الجيش، إن العمليات العسكرية في الخرطوم تسير كما هو مخطط لها لا سيما في المحور الشرقي التي تنتشر فيه قواتهم ومعها قوات النخبة التابعة للجيش. ويبيّن في حديث لـ”العربي الجديد”، على صعيد خريطة السيطرة في الخرطوم أن قواتهم “وصلت حتى حي بري شرق الخرطوم وهو الحي الأقرب لمقر القيادة ومطار الخرطوم، وإلى مستشفى رويال كير، فيما اتجه بعضها إلى منطقة سوبا”. ووفقاً لأبو سن تعمل قوات خطاب التابعة للجيش على تمشيط مناطق الحاج يوسف، إذ يقود سلاح المدرعات وقوات القيادة معركة وسط الخرطوم، مع إكمال الحصار على قوات الدعم السريع الموجودة داخل القصر الرئاسي. ويتوقع أبو سن أن تكون “معركة وسط الخرطوم المعركة الأكثر سخونة، على أن ينتقل القتال بعد ذلك إلى مناطق جنوب الخرطوم وجسر جبل أولياء بحيث تكون تلك آخر المعارك”.

العربي الجديد

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا