آخر الأخبار

دور ألمانيا وأوروبا من الصراع المسلح في السودان

شارك

شهدت السودان منذ العام 2019 تحولاً محفوفاً بالتحديات والتهديدات، حيث تصاعد الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العام 2023. أدى هذا الصراع إلى نزوح ملايين الأشخاص وتحول السودان إلى أكبر أزمة إنسانية. مع جهود أوروبية للوساطة، تواصل ألمانيا الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم من خلال المساعدات الإنسانية وفرض العقوبات، وإيجاد حلول سلمية لحل الصراع. وتنامت المخاوف الأوروبية من تأثير هذه الأزمة على استقرار المنطقة وأوروبا، لا سيما في ظل تدخلات إقليمية ودولية.

الصراع في السودان بين التحديات والتحولات

تم إحراز تقدم أولي في عملية التحول الديمقراطي في السودان، وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق البشير في أبريل 2019 وتشكيل الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية في أغسطس 2019، انتهى مسار الإصلاح بالانقلاب في أكتوبر 2021. وبعد مفاوضات صعبة قادتها الأمم المتحدة، تم الاتفاق على هدف تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية في ديسمبر 2022.

أدى عدم التوصل إلى اتفاق بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني إلى اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023. ومنذ ذلك الحين، تصاعد الوضع في السودان ليتحول إلى أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم، حيث نزح أكثر من (12) مليون شخص، منهم (3.4)مليون لجأوا إلى الدول المجاورة.

أفادت دراسة أجراها معهد برلين للشؤون الدولية والأمنية في مايو 2023 إلى أنه “من المرجح أن يخرج كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من هذه الحرب ضعيفين، حتى لو حقق أحد الجانبين النجاح”. وذكرت الدراسة “لكن في الوقت الحاضر، من غير المرجح أن يتمكن أي من الجانبين من الفوز في الصراع عسكريًا أو سياسيُا في المستقبل القريب، فكلما أدركوا أنهم في مأزق استراتيجي، كلما أصبحوا مستعدين لإجراء محادثات سلام جادة في وقت أقرب.”

تؤكد “مارينا بيتر” الخبيرة ورئيسة جمعية “المنتدى السوداني” الألمانية: “لا يزال كلا الجانبين مقتنعين بأنهما قادران على الفوز في الحرب، وبالتالي لن يقبلا أي تسوية. ومن ثم فمن المتوقع أن تتزايد وتيرة القتال. علاوة على ذلك، تفتقر البلاد إلى حكومة شرعية”.

ما هي العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي؟

أوضح “جوزيب بوريل” مسؤول السياسة الخارجية السابق بالاتحاد الأوروبي في 25 يوليو 2024، إن الاتحاد مستعد لدعم كافة الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في السودان. وأكد “يتعين على أطراف الصراع في السودان وقف هذه المأساة والجلوس إلى طاولة المفاوضات”. وأضاف بوريل أن “الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم جميع الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، بما في ذلك محادثات وقف إطلاق النار المقررة من قبل الولايات المتحدة”.

أدان الاتحاد الأوروبي تصعيد الصراع في مدينة “الفاشر” غرب السودان، مبدياً استعداده للنظر في فرض عقوبات إضافية على قادة في مناصب عليا. طالب الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل سلمي للصراع بالانصياع لقرار مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة (2736)، بوقف الحصار وإنهاء القتال في “الفاشر” على الفور.

فرض الاتحاد الأوروبي في يونيو 2024 عقوبات على عدة شخصيات عسكرية سودانية، بسبب تأجيج الصراع ويخضع الأفراد المستهدَفون لتجميد الأصول وحظر تقديم الأموال أو الموارد الاقتصادية لهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى خضوعهم لحظر السفر في الاتحاد الأوروبي.

فضلت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على ما يبدو الحل في أن تتمكن من إقناع أطراف الصراع في السودان بإنهاء الصراع، بدلاً من التحرك لبناء ضغوط دولية ذات عواقب وخيمة على الجانبين.

ما حجم المساعدات التنموية التي قدمها الاتحاد الأوروبي للسودان؟

استضاف الاتحاد الأوروبي في العام 2024، بمشاركة ألمانيا، المؤتمر الإنساني الدولي للسودان والدول المجاورة بهدف تعزيز الدعم للسودانيين. تعهدت المفوضية الأوروبية بتقديم (355) مليون يورو لتمويل المساعدات الإنسانية والتنموية للسودان وجيرانه. وبإضافة تعهدات دول الاتحاد الأوروبي البالغة (541) مليون يورو، يصل إجمالي دعم الاتحاد الأوروبي للسودان الذي تعهد به المؤتمر إلى (896) مليون يورو.

تقول “ليتيسيا بادر” نائبة مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش” ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعلنوا دعمهم النشط لهذه الدعوات وأن يعملوا مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وآخرين ــ وخاصة المملكة المتحدة والولايات المتحدة ــ لتحديد الخيارات الأكثر ملاءمة لإنشاء قوة ونشرها على وجه السرعة لحماية المدنيين.”

إلى أي مدى يؤثر الموقف الألماني على مسار الصراع في السودان؟

تتمتع ألمانيا بثقة كبيرة في السودان، فبعد الإطاحة بالنظام السوداني السابق وتشكيل الحكومة الانتقالية المدنية، انخرطت ألمانيا في دعم التغيير الديمقراطي، حيث نجح مؤتمر الشراكة السودانية لدعم الانتقال، الذي استضافته ألمانيا في يونيو 2020، في حشد (1.8) مليار دولار أمريكي. شاركت ألمانيا في عملية تخفيف الديون واستأنفت التعاون الثنائي في مجال التنمية.

أوقفت ألمانيا الدعم في إطار التعاون الحكومي الثنائي وعلى المستوى المتعدد الأطراف ردًا على الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021. تلتزم ألمانيا بالامتثال للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين وتحسين وصول المساعدات الإنسانية. كما تلتزم ألمانيا بتنسيق مختلف أشكال الوساطة والاتفاق على مبادئ مشتركة بين الجهات الفاعلة الرئيسية.

بحثت “أنالينا بيربوك” وزيرة الخارجية الألمانية إمكانيات جلب أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات لحل الصراع وعدم زعزعة استقرار المنطقة. ترى أنالينا بيربوك “أنه يتعين زيادة الضغط على الجانبين من خلال العقوبات والتأثير على مؤيديهما في الخارج” .

اقترحت وزارة الخارجية الألمانية مبادرة من (5) نقاط لإعطاء أهمية أكبر لجهود السلام الدولية. وتتمثل إحدى النقاط المحورية في المبادرة في تحسين تنسيق جهود الوساطة الدولية وبالتالي زيادة الضغوط على أطراف الصراع. دعت ألمانيا في مجلس حقوق الإنسان إلى توسيع ولاية خبير حقوق الإنسان المستقل ونشر بعثة لتقصي الحقائق في السودان.

قدمت ألمانيا مساعدات إنسانية بقيمة (325) مليون يورو لأزمة السودان في عام 2024 رداً على الوضع المتدهور بشكل كبير. أعلنت وزارة التنمية الألمانية عن تقديم مساعدة لتشاد على استقبال اللاجئين من السودان في 18 نوفمبر 2024. كما أعلنت وزارة الخارجية الألمانية في أبريل 2024عن تقديم مبلغا إضافيا قدره (244) مليون يورو للسودان.

تداعيات على أمن الاتحاد الأوروبي وألمانيا

تخشى ألمانيا والدول الأوروبية من أن يؤدي تصاعد الصراع إلى حرب أهلية شاملة إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بما قد يترتب على ذلك من عواقب لا يمكن التنبؤ بها ومحاولة تحقيق أهداف روسيا وتوسيع نفوذها في المنطقة.

يقول عالم السياسة “أندرياس هاينمان-جرودر”: “إن هذه الأهداف سيكون لها بالتأكيد تأثير على أوروبا. يستغل الروس نفوذهم لإحداث فوضى في دول أفريقية مختلفة، ليس فقط في السودان، بل أيضًا دعمًا لمدبري انقلابات أخرى، وتحديدًا في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر. وفي هذه الدول، لا يُسهم التعاون مع مدبري الانقلاب في تحقيق الاستقرار، بل في تأجيج الصراعات الداخلية”.

لا يمكن استبعاد احتمال تحرك اللاجئين نحو أوروبا. لذلك، يُمكن التساؤل من الجانب الأوروبي عمّا إذا كان ينبغي ربط المساعدات التنموية في الدول بشروط معينة. على سبيل المثال، قد يكون للتعاون العسكري مع الروس عواقب على التعاون التنموي، أو ربما حتى على التعاون الإنساني. أمن دولي ـ هل من ضغوطات أوروبية على إيران بعد تغيير النظام في سوريا؟

تقييم قراءة مستقبلية

– يظل دور الاتحاد الأوروبي، حاسمًا في التأثير على مسار الصراع في السودان، لكن هناك ضرورة لتعزيز الضغط السياسي والاقتصادي على الأطراف السودانية لوقف التصعيد والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

– تبدو ألمانيا فاعلًا رئيسيًا في الجهود الدولية لإنهاء الصراع في السودان من خلال توسيع جهود الوساطة وفرض المزيد من الضغوط على أطراف الصراع ، لكن يظل موقفها في حل الصراع محفوفًا بالتحديات الإقليمية والدولية.

– تكمن المصلحة الأوروبية، وخاصة الألمانية، في المقام الأول في ضمان عدم وصول المزيد من اللاجئين. حيث يعد السودان دولة عبور رئيسية للاجئين من إثيوبيا وإريتريا، ولهذا السبب فإن الاستقرار يشكل أولوية.

– يعتمد التوصل إلى حل الصراع في السودان على تغيير في مواقف الأطراف السودانية. ومن المحتمل أن تسهم جهود الوساطة الألمانية التي تدير من خلال دعمها للسلام في السودان، في تسريع عملية الحوار.

– من المحتمل استمرار تدفق اللاجئين من السودان إلى دول الحوار، ولا يستبعد اتجاه العديد منهم إلى دول أوروبا، مما يضيف عبئًا إضافيًا على الاتحاد الأوروبي. وقد يضطر إلى اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن تقديم المساعدات التنموية وربطها بشروط معينة، خاصة فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية مع روسيا.

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا