إعداد: طاقم الراكوبة
مقدمة
يكشف هذا التقرير الحقوقي عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها أكثر من 1796 معتقلًا في سجن ود مدني الخاضع لسيطرة الخلية الأمنية المشتركة التابعة للجيش السوداني. تستند هذه المعلومات إلى شهادات مباشرة ووثائق حصرية حصلت عليها الراكوبة، وتوضح نمطًا ممنهجًا من الاعتقالات العشوائية، وسوء المعاملة، وغياب العدالة القانونية، في ظل صمت رسمي وتواطؤ واضح من الجهات المسؤولة.
كما علمت الراكوبة من مصادر موثوقة أن هناك ثلاثة سجون أخرى في الحصاحيصا والمناقل والفاو، تشهد أحداثًا مشابهة من اعتقالات تعسفية، تعذيب ممنهج، وغياب كامل للعدالة.
بالإضافة إلى ذلك، تفيد المعلومات الموثوقة التي حصلت عليها الراكوبة بأن السلطات العسكرية تقوم باحتجاز المعتقلين أيضًا في مستشفى علوب للأمراض النفسية والكاملين في ظروف غير إنسانية تتعارض مع القوانين المحلية والدولية.
تعلن الراكوبة أنها بحوزتها فيديوهات وأدلة دامغة توثق هذه الانتهاكات بوضوح، وسوف تقوم بتقديمها إلى المنظمات الدولية والجهات القانونية المختصة لمراجعتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
1. الاعتقال العشوائي واستمرار حملة الاعتقالات
وفقًا للشهادات التي حصل عليها فريق الراكوبة، فإن عدد المعتقلين في سجن ود مدني يبلغ 1796 معتقلًا حتى وقت إعداد هذا التقرير، مع ارتفاع مستمر في أعداد المحتجزين نتيجة لاستمرار حملات الاعتقال التي تنفذها القوات العسكرية والمليشيات التابعة لها.
التوزيع التفصيلي للمحتجزين:
• المحتجزون في السجن الشمالي: 912 معتقلًا.
• المحتجزون في السجن الجنوبي: 884 معتقلًا.
• كبار السن: يوجد 200 معتقل من كبار السن، يعانون من أوضاع صحية متدهورة.
• أصحاب الأمراض المزمنة: يوجد 300 معتقل يعانون من أمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، وأمراض القلب، دون توفير العلاج اللازم لهم.
• النساء: يقبع في السجن 170 امرأة، من بينهن حوامل ومرضعات، في ظروف احتجاز قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية.
• الأطفال: يوجد 5 أطفال برفقة أمهاتهم، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات حماية حقوق الطفل.
• الكوادر الطبية: يوجد 19 من الأطباء والممرضين ضمن المعتقلين، ولا توجد أسباب واضحة لاعتقالهم، كما لم تُوجَّه لهم أي اتهامات رسمية حتى الآن.
حملات الاعتقال لا تقتصر على الأشخاص المرتبطين بأنشطة سياسية أو مجتمعية، بل امتدت لتشمل المدنيين العاديين، بمن فيهم النساء والأطفال، ما يعكس سياسة ممنهجة لقمع الأصوات المعارضة وإرهاب السكان المحليين.
2. ظروف الاحتجاز – انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان
تشير الشهادات الحصرية التي حصلت عليها الراكوبة إلى أن أوضاع الاحتجاز في سجن ود مدني تمثل انتهاكًا واضحًا للحد الأدنى من المعايير الدولية الخاصة بمعاملة السجناء:
• وجبة واحدة في اليوم: يُمنح المعتقلون وجبة واحدة فقط يوميًا تتكون من عدس أو عصيدة بكمية لا تزيد عن 500 جرام للفرد.
• الاكتظاظ الشديد: يجلس 15 شخصًا على صينية واحدة لتناول وجبة العدس، مما يؤدي إلى نقص شديد في التغذية وانتشار الأمراض الناجمة عن سوء التغذية.
• التعذيب الجسدي والنفسي: يجبر المعتقلون على الجلوس في ساحة السجن الرئيسية تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات طويلة دون مبرر، ما أدى إلى إصابة بعضهم بضربات شمس والتهابات جلدية.
• منع الزيارات: يُحظر على أقارب المعتقلين زيارتهم، إلا في حالة الحصول على وساطة أو دفع رشوة لأحد العاملين في السجن.
“نعيش على حافة الموت. نعاني من الجوع، العطش، والإهانة المستمرة. لا نعلم متى سينتهي هذا الجحيم”، يقول أحد المعتقلين في شهادته.
3. غياب العدالة القانونية
جميع المعتقلين في سجن ود مدني تحت “التحري” والانتظار دون تقديم تهم رسمية أو إجراءات قانونية واضحة.
• لا يوجد بين المعتقلين من صدرت ضدهم أحكام قضائية.
• وكيل النيابة والمتحرّون يحضرون إلى السجن مرة أو مرتين في الأسبوع فقط، دون اتخاذ أي خطوات جدية لتقديم المعتقلين للمحاكمة أو إطلاق سراحهم.
• يرفض المسؤولون الإدلاء بأي تصريحات أو تبريرات قانونية حول أسباب الاعتقال أو استمرار احتجاز المعتقلين لفترات غير محددة.
“يتم استجوابنا باستمرار دون تقديم أي تهم رسمية. نشعر بأننا محتجزون كرهائن، وليس كمعتقلين”، يقول أحد المعتقلين السابقين.
4. الإهمال الطبي والوفيات داخل السجن
تشير التقارير إلى أن الظروف الصحية داخل السجن متدهورة إلى درجة خطيرة:
• تنتشر الأمراض المعدية مثل الدرن والجرب بين المعتقلين نتيجة الاكتظاظ وانعدام النظافة.
• تفاقم الإصابات والجروح الناجمة عن التعذيب بسبب غياب الرعاية الصحية، ما أدى إلى حالات غرغرينا تتطلب بترًا للأطراف.
• متوسط الوفيات داخل السجن يصل إلى 3 حالات يوميًا بسبب الإهمال الطبي وسوء التغذية.
• في بعض الحالات، تُترك الجثث في العنابر لساعات طويلة بعد الوفاة قبل أن يتم نقلها.
“شاهدنا أحد المعتقلين يموت أمامنا بسبب الجوع. تركوا جثته في الزنزانة حتى بدأت في التحلل”، يقول أحد المعتقلين.
5. احتجاز المعتقلين في مستشفى علوب والكاملين
علمت الراكوبة من مصادر موثوقة أن السلطات السودانية لا تكتفي بسجون ود مدني والحصاحيصا والمناقل والفاو، وإنما تقوم بنقل بعض المعتقلين إلى:
• مستشفى علوب للأمراض النفسية: يُحتجز فيه عدد من المعتقلين في ظروف غامضة وغير إنسانية.
• سجن الكاملين: يتم فيه احتجاز معتقلين دون توجيه تهم رسمية أو الخضوع لإجراءات قانونية واضحة.
“يتم نقل المعتقلين إلى مستشفى علوب بحجة أنهم مصابون بأمراض نفسية. لكن الحقيقة هي أنهم يُعذبون هناك بطريقة ممنهجة”، يقول أحد الشهود.
6. الجهات المتورطة
وفقًا للوثائق التي حصلت عليها الراكوبة، فإن إدارة السجن تخضع لسيطرة الخلية الأمنية المشتركة، التي تتبع مباشرة لأوامر القيادة العسكرية في الجيش السوداني.
• ياسر عبد الله عبد الرسول، المشهور بـ “ياسر عبد الرسول”، هو المسؤول المباشر عن السجن.
• ياسر يحمل رتبة رائد في حركة العدل والمساواة، ويدير السجن بطريقة عسكرية صارمة.
• القوة العسكرية داخل السجن مسؤولة عن تنفيذ عمليات التعذيب والتحقيق، تحت إشراف مباشر من الخلية الأمنية.
7. الخاتمة – استمرار الانتهاكات وسط صمت محلي ودولي
ما يحدث في سجون ود مدني والحصاحيصا والمناقل والفاو ومستشفى علوب والكاملين يمثل انتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق الدولية. استمرار الاعتقالات العشوائية، التعذيب المنهجي، وانعدام العدالة القانونية يعكس نهجًا منظمًا لقمع الحريات وانتهاك الكرامة الإنسانية.
الراكوبة – صوت من لا صوت له