آخر الأخبار

مصائب حرب السودان "فوائد" لتجار السوق السوداء

شارك

إسراء الشاهر صحفية سودانية

ملخص

“الوضع في السودان ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل أزمة معقدة تمس حياة ملايين المواطنين الذين يعانون الجوع والبطالة. كما أن انعدام الخدمات وندرتها فتح الباب أمام الانتهازيين لإحداث فوضى في السوق بهدف الكسب السريع وجني الأموال الطائلة”.

تسببت الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 في نشوء بيئة خصبة للسوق السوداء للأنشطة الاقتصادية نتيجة لتوقف الإنتاج وانهيار الاقتصاد، إذ تباع السلع الأساس بأسعار باهظة تفوق ضعف سعرها الأصلي، مما جعل المواطن الذي يعاني مرارة الحرب وسوء الأوضاع مثقلاً بالأعباء والهموم لعدم مقدرته على مجاراة التصاعد الجنوني لأسعار السلع والمعيشة.

هذه الأوضاع أظهرت شريحة جديدة من التجار المغامرين الذين يوفرون السلع من دول الجوار لأسواق البلاد المختلفة داخل مناطق الصراع والمدن الآمنة، فإلى أي مدى أحدثت هذه الممارسات ضرراً بالمواطن والاقتصاد وما أثرها في الأسواق؟

أزمات عدة

يقول الباحث الاقتصادي عمر محجوب الحسين “معلوم أنه في فترة الحروب والأزمات المالية والكوارث الطبيعية تزدهر بعض القطاعات الاقتصادية، ويمكن تقسيم تلك الأنشطة إلى مشروعة وغير مشروعة، فهناك ما يعرف باقتصاد الحرب، إذ تعطي الدولة الأولوية لإنتاج السلع والخدمات التي تدعم الجهود الحربية، مما ينعكس إيجاباً على الشركات العاملة في تلك المجالات. وفي كثير من الأحيان تؤدي الحروب إلى تقدم صناعي وتكنولوجي وبخاصة في المجالات الطبية والدفاعية، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية إذ شهدت الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً يعد الأسرع في تاريخها”.

وأضاف الحسين “مع حركة النزوح التي صاحبت الحرب، قد تتوسع أسواق بعض المدن أو القرى، مما ينعش الحركة التجارية. ومن سمات الحروب أنها تدمر الاقتصاد الرسمي أو تدفع نحو التحايل عليه، مما يؤدي إلى نمو الأسواق غير الرسمية والسوداء نتيجة ضعف الرقابة، ويزدهر اقتصاد الظل وتتفاقم عمليات التهريب وترتفع الأسعار بسبب ندرة السلع، إلا أن الأخطر من ذلك هو استفادة تجار السلاح والشركات الأمنية الخاصة التي غالباً ما تسعى إلى تحقيق الربح على حساب واجبها الوظيفي، فتتجه إلى مجالات غير التي أُنشئت من أجلها، مثل تعدين المعادن النفيسة وسرقة الآثار بل والعمل على إطالة أمد الحرب من خلال تجارة الأسلحة. وهذا ما فعلته شركات مثل ’فاغنر‘ الروسية و’بلاك ووتر‘ الأميركية و’G4S‘ البريطانية”.

وعن كيفية تحول الكوارث أثناء الحروب إلى موارد مفيدة، أوضح الباحث الاقتصادي “قد تسهم الكوارث في إعادة التنمية والإعمار، إذ يتم تسريع عمليات التخليص الجمركي والتنظيمي للسلع والإمدادات الإغاثية. ويساعد تدفق المساعدات في بناء البنية التحتية الأساس مما يسهم في تنويع التجارة، لكن من جهة أخرى تستفيد الشركات الكبرى والدول الداعمة عبر بيع مخزوناتها، وأحياناً يكون بعضها قريباً من انتهاء الصلاحية. وتحقق الشركات الزراعية في تلك الدول مكاسب عبر تصريف الفائض التجاري، بينما تبيع بعض الدول إنتاجها من المحاصيل دون مراعاة حاجات مواطنيها، فقط للحصول على العملات الصعبة”.

اضطرابات حادة

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي شريف الهادي أن “الأزمات والنزاعات تؤدي إلى اضطرابات حادة في الاقتصاد الرسمي، مما يتسبب في نشوء سوق سوداء وظهور ممارسات اقتصادية انتهازية تستغل الأوضاع المتدهورة، إذ تتفاقم هذه الظاهرة بسبب ضعف المؤسسات الحكومية وانهيار سلاسل التوريد وانخفاض ثقة المواطنين في الأنظمة المصرفية والمالية الرسمية. وتزدهر خلال النزاعات تجارة السلع الأساس، مثل الوقود والغذاء والعملة والسلاح وتصبح خاضعة للقيود الحكومية”.

ونوه الهادي إلى أن “هناك أطرافاً عدة تحقق مكاسب من الانهيار الاقتصادي مثل تجار السوق السوداء والمضاربين بالعملات والسلع الأساس، والميليشيات والجماعات المسلحة التي تستولي على الموارد ورجال الأعمال المتحالفين مع القوى المسيطرة على الأرض، إضافة إلى الوسطاء والمستوردين الذين يستغلون غياب الرقابة”.

هناك أطراف عدة تحقق مكاسب من الانهيار الاقتصادي (اندبندنت عربية- حسن حامد)

وبيَّن أن “هذه الممارسات المخالفة تؤدي إلى تآكل الاقتصاد وارتفاع الأسعار والتضخم وانهيار العملة المحلية وفقدان الوظائف وانخفاض القدرة الشرائية، مما يقود إلى تراجع مستويات المعيشة وانتشار الفقر”.

وللحد من السوق السوداء حثَّ المحلل الاقتصادي على ضرورة تعزيز الرقابة الحكومية على الأسواق والتجارة، ودعم المؤسسات المالية والمصرفية لضبط سوق الصرف، وتشجيع الإنتاج المحلي لتقليل الضغط على العملة الصعبة، إلى جانب مكافحة الفساد وفرض عقوبات صارمة على تجار الأزمات.

ضرر مجتمعي

من جهته، قال الناشط المجتمعي الفاضل موسى “الوضع في السودان ليس مجرد أزمة اقتصادية بل أزمة معقدة تمس حياة ملايين المواطنين الذين يعانون الجوع والبطالة. وإن انعدام الخدمات وندرتها فتح الباب أمام الانتهازيين لإحداث فوضى في السوق بهدف الكسب السريع وجني الأموال الطائلة”.

وأردف موسى “من الملاحظ منذ تفجر هذه الحرب أن السوق السوداء تتحكم في الأسعار وتدمر الاقتصاد عبر تهريب السلع والوقود خارج البلاد، بمشاركة رجال الأعمال وأصحاب النفوذ في هذه العمليات المشبوهة، التي تضر بالبلاد عبر الاحتكار والتهريب ورفع الأسعار وبيع السلاح”.

انعدام الخدمات وندرتها فتح الباب أمام الانتهازيين (اندبندنت عربية- حسن حامد)

وطالب الناشط المجتمعي بفرض رقابة حكومية وخلق وعي مجتمعي يرفض مثل هذه الممارسات المضرة بالمواطن والاقتصاد، وأن يضغط المجتمع المدني على الدولة من أجل اعتماد سياسات عادلة، وكذلك على المنظمات الدولية تحمل مسؤولياتها لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، مشيراً إلى أنه “في حال لم يتخذ إجراءات جادة ستستمر معاناة الشعب، بينما يواصل تجار الأزمات استغلال الموقف لمصالحهم الشخصية”.

رسوم ضريبية

في حين أفاد التاجر في مجال السلع والمواد الغذائية داخل سوق كرري بأم درمان حذيفة طه أن “جميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية خلال الحرب تندرج تحت بند الضرورات، حتى وإن كانت ممنوعة مثل تجارة العملة نظراً إلى تعطل خدمات البنوك وبخاصة في مناطق القتال، إذ يتلقى كثير من المواطنين أموالاً من أقاربهم في دول الخليج وأوروبا وأميركا”.

وتابع طه “تردي الوضع أجبر آلاف الشباب على الانخراط في شتى أنواع التجارة وبخاصة تهريب السلع لمساعدة أسرهم في توفير لقمة العيش، لكن في ما يخص ارتفاع الأسعار، فهو أمر طبيعي في ظل صعوبة إدخال السلع إلى المناطق الآمنة، إذ تمر عبر نقاط تفتيش عدة وتُفرض رسوم غير قانونية على التجار سواء من الجيش أو قوات ’الدعم السريع‘، مما يضطرنا إلى رفع الأسعار التي يعدها بعض جنونية لكنها ضريبة الحرب، والكل يعلم ذلك”.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا