يواجه أكثر من 1400 مواطن بينهم نساء وأطفال وأطباء، تعتقلهم سلطات الجيش السوداني في مدينة ود مدني، شبح الموت نتيجة الجوع والعطش والتعذيب، وفق وثائق وشهادات حصلت عليها “دروب”.
وجرى اعتقال هؤلاء بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، التي كانت تسيطر على مدينة ودمدني وأجزاء واسعة من ولاية الجزيرة، قبل أن يستعيدها الجيش في يناير الماضي.
حصلت “دروب” على أسماء بعض المعتقلين في سجن ود مدني الكبير، وتحدثت مع أسر بعضهم، إضافة إلى وثائق تشير إلى حدوث كارثة إنسانية وشيكة. وتتحفظ الصحيفة عن نشر الأسماء والوثائق لخطورة الوضع الأمني على المصادر ولما يترتب على ذلك من تهديد لحياة المعتقلين وعائلاتهم.
وأكدت المصادر تعرض المعتقلين للتعذيب من خلال التجويع والحرمان من مياه الشرب، مما أدى إلى وفاة 3 منهم.
ويُمنح المعتقلون عدد 2 كوب من الماء فقط خلال 24 ساعة، وقليل من الطعام، ولا يسمح لهم بالذهاب إلى الحمامات، ويلزمون بقضاء حاجاتهم داخل غرف الاحتجاز؛ مما أدى إلى تدهور بيئي وظروف إنسانية قاسية.
تقف وراء الاعتقال في ودمدني ثلاث جهات هي “الخلية المشتركة، والخلية الأمنية، وجهاز الأمن والمخابرات”.
وأكدت المصادر أن “هذه الجهات نفذت اعتقالات تعسفية بحق المواطنين من الأحياء السكنية والأسواق، مما أدى إلى امتلأ السجون الكبرى في ود مدني والحصاحيصا والفاو بالمعتقلين، وجميعهم يواجهون ظروفاً إنسانية سيئة”.
حوامل ومرضعات وأطفال
وتُظهر المعلومات أن نحو 90 بالمئة من المعتقلين في سجن ود مدني، هم من سكان المدينة بينهم متطوعين ونساء عاملات وأطباء ظلوا عالقين في المدنية طوال فترة سيطرة قوات الدعم السريع، وآخرين من “الكنابي” ومناطق مجاورة وُجدوا في مدني بغرض العمل.
من بين المعتقلين أكثر من 100 امرأة بعضهن مرضعات بأطفالهن داخل السجن وأخريات حوامل، ويعشن تحت وضع قاس في ظل عدم وجود الطعام ومياه الشرب والرعاية الطبية.
كذلك من بين المعتقلين في سجن ود مدني ما يقارب 300 طفل قاصر دون سن الـ18 عاماً، ونحو 19 شخصاً يعانون جروحاً وكسور نتيجة تعرضهم للضرب والتعذيب في اللحظات الأولى من اعتقالهم، ولم يتلقوا الرعاية الطبية.
ويوجد مركز طبي وحيد داخل السجن، يفتقد للأدوية وبه معاون طبي واحد “ممرض” لا يستطيع التعامل مع تلك الحالات، بينما لا توجد أسرة، وينام المعتقلين المصابين والأصحاء على الأرض.
تأكيد نقابي
بعض المعتقلون الذين حصلت “دروب” على اسماءهم أكدتهم اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان صحفي أصدرته اليوم الأربعاء، نددت فيه بالاعتقالات التي نفذتها جهات مجهولة في ودمدني، وفق البيان.
وقال البيان إن جهاز الأمن نفى مسؤوليته عن الاعتقالات.
وأكد البيان اعتقال 4 أطباء يوم الاثنين 24 فبراير الجاري، أُطْلِق سراح اثنين منهم يوم الثلاثاء، بينما لا يزال الطبيبان الآخران رهن الاعتقال.
وبحسب البيان، فإن الأطباء الذين أطلق سراحهم هم، د. آدم محمد إبراهيم – استشاري الجراحة، حيث كان محتجزاً في سجن مدني الكبير، وأفرج عنه صباح أمس الثلاثاء، ود. الصادق المكحول – اختصاصي الباطنية، بينما لا تزال د. نفيسة عبد الرحمن – طبيبة امتياز، ود. خالد الفكي رهن الاعتقال.
وأضافت اللجنة أنه “ما زالت المعلومات حول ظروف الاعتقال شحيحة ومتضاربة”، قبل أن تحمل الجهات التي اعتقلتهم المسؤولية الكاملة عن سلامتهم، وتطالب بالإفراج الفوري عنهم، ووقف استهداف الأطباء والمنشآت الصحية.
تؤكد “دروب” تواجد الطبيبة نفيسة عبد الرحمن والطبيب خالد الفكي، داخل السجن الكبير بود مدني، وهم تحت ظروف اعتقال قاسية برفقة أكثر من 1400 معتقل آخرين.
وتمنع سلطات السجن عائلات المعتقلين من مقابلتهم، كما تحجب وصول الأطعمة والمشروبات التي يجلبونها من منازلهم، إلى أبنائهم المعتقلين، مما أدى إلى تدهور الحالة الصحية للعديد منهم، وأصيبوا بسوء التغذية.
التحقيق رهين بحضور المُعتقِل
ظل المعتقلون بالاشتباه طيلة الفترة الماضية دون تحقيق يقودهم إلى المحاكمة، لغياب سلطة النيابة وبقية أجهزة العدالة.
أكد مصدر مطلع لـ”دروب” تعيين وكيل نيابة واحد الأسبوع الماضي لتولي عملية التحري مع المعتقلين، لكن العمل يسير ببطء شديد نسبة لأن التحقيق مع أي شخص رهين بحضور من اعتقله.
وأشار المصدر إلى أن عناصر الخلايا الأمنية تمارس التسويف والمماطلة بغرض بقاء المعتقل أطول فترة ممكنة.
وناشدت عائلات معتقلين بمنح أبناءهم وبناتهم الطعام ومياه الشرب كأولوية قصوى لحفظ حياتهم، ومن ثم توفير بيئة عادلة للمحاكمة.
وكان الجيش السوداني قد استعاد في يناير الماضي السيطرة على مدينة ود مدني، وجرى اتهامه وقتها بممارسة انتهاكات متنوعة بحق المواطنين شملت القتل عن طريق الذبح والإلقاء في مياه النيل والرصاص، وفق فيديوهات نشرتها منظمات حقوقية.
وفي هذا الأسبوع أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، قوات “درع السودان” المتحالفة مع الجيش السوداني، ارتكبت جرائم حرب تمثلت في قتل المدنيين وحرق مساكنهم ونهب ممتلكاتهم في ولاية الجزيرة.
وقالت المنظمة الدولية إن “درع السودان” التي يقودها أبو عاقلة كيكل، تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم شنته يوم 10 يناير 2025، على قرية “كمبو طيبة” بولاية الجزيرة أسفر عن مقتل 26 شخصا على الأقل، بينهم طفل، وجرح آخرين. كما نهبت الممتلكات المدنية بشكل منهجي، بما يشمل المؤن الغذائية، وأحرقت المنازل، فضلا عن جرائم قتل أخرى في مدينة ود مدني التي دخلها الجيش في يناير الماضي.