آخر الأخبار

"كمائن الطوب" في السودان مهنة قديمة أحيتها عودة النازحين

شارك

إشراقة علي عبدالله .. صحفية سودانية

يقول أصحاب كمائن الطوب إن الحرب أجبرتهم على التوقف إلى حين، لكن سرعان ما عاودوا النشاط لتغطية حاجة السوق التي تشهد حالياً ازدهاراً كبيراً، فكل من عاد إلى منزله بعد فترة النزوح وجده خراباً ويتطلب إعادة إصلاح وبناء نتيجة القصف الجوي والمدفعي المتواصل لأكثر من 22 شهراً.

مع عودة النازحين السودانيين إلى مدنهم وقراهم التي استعادها الجيش من قبضة قوات “الدعم السريع” اصطدموا بواقع مؤلم تمثل في الدمار الكلي أو الجزئي الذي أصاب منازلهم جراء المعارك التي دارت بين الطرفين.

وعلى رغم شح الموارد لدى معظم العائدين من النزوح فإنه لم يكن لديهم بديل غير العمل على إصلاح ما خربته الحرب وتهيئة منازلهم من جديد ولو بأقل الكلف الممكنة، لذلك ازدهرت هذه الأيام بعض المهن والحرف المتصلة بنشاط البناء، لا سيما حرفة كمائن الطوب، التي تعد من الحرف الشعبية القديمة المتوارثة من الأجداد، إذ تمارس على نطاق واسع في المناطق الموازية للنيل، بخاصة ضاحية الجريف الواقعة جنوب شرقي الخرطوم للاستفادة من طمي النيل الذي تجلبه الفيضانات في موسم الخريف.

وظهرت حرفة كمائن الطوب منذ فترة الحكم التركي في السودان (1821-1885) وتطورت في عهد المستعمر البريطاني (1899-1956)، فضلاً عن أن أبناء منطقة الجريف تعلموا منهم هذه الحرفة من طرق تقليدية وبرعوا فيها.

وعلى رغم الثورة الصناعية التي شهدها السودان في هذا المجال وظهور الطوب الحراري والبلوك الأسمنتي، الذي بدأ الاعتماد عليه بصورة كبيرة في إقامة المنشآت العمرانية الكبيرة، وعلى رغم إقامة مشاريع استثمارية على ضفاف النيل، ظلت صناعة “كمائن الطوب” صامدة حتى في ظل الحرب، لا سيما أن السودانيين يفضلون هذا النوع من الطوب المصنع عبر الكمائن لقدرته على امتصاص الرطوبة، علاوة على أنه كصناعة يستوعب قوة عاملة تفوق الـ500 عامل يتوزعون ما بين عمال في الكمينة وحمالين وسائقين يوزعون الإنتاج الذي يقدر بنحو مليار طوبة في السنة.

صناعة تصارع الاندثار

في السياق يقول الطاهر عبدالكريم، صاحب كمائن طوب في منطقة الجريف، إن “حرفة صناعة الطوب عبر الكمائن تعد من الحرف الشعبية القديمة المتوارثة عن الأجداد منذ عشرات السنوات، إذ تعد مصدر رزق لإعالة الأسر الممتدة، وعلى رغم أنني من حملة الشهادات العليا، لا أتخيل أن أمارس مهنة غيرها لارتباطي الوثيق بها منذ صغري، وعلى رغم أن الحرب أجبرتنا على التوقف إلى حين، سرعان ما عاودنا النشاط لتغطية حاجة السوق التي تشهد حالياً ازدهاراً كبيراً، فكل من عاد إلى منزله بعد فترة النزوح وجده خراباً ويتطلب إعادة إصلاح وبناء نتيجة القصف الجوي والمدفعي المتواصل لأكثر من 22 شهراً”.

وأضاف عبدالكريم، “كمينة الطوب تحتاج أولاً إلى عمل حفرة بعمق مترين لاستخدامها في حرق الطوب، إذ إن العملية تبدأ بخلط طمي النيل اللين الناتج من الفيضانات بروث الأبقار، ومن ثم يوضع في قوالب حديدية في ما يعرف بـ(دق الطوب) وتركه يجف قليلاً ورصه داخل الحفرة، فضلاً عن أن الرص يحتاج إلى خبرة لأن أي اختلال يؤدي إلى سقوطه وتلفه، مع العلم أن الكمينة الواحدة تحوي 100 طوبة، وأخيراً يشعل العمال النار لمدة أربع ساعات”، مستدركاً، “في تقديري العمل في كمائن الطوب شاق ومتعب ويحتاج إلى صبر، فغالبية العاملين في هذا النشاط يأتون مهاجرين من أماكن بعيدة بحثاً عن الرزق، إذ تجدهم يقفون أمام الكمائن لمراقبتها حتى تنقضي فترة تحول الطوب من اللبن إلى الأحمر فيتعرضون لأشعة الشمس طوال النهار”. وتابع، “المشكلة الآن أن هناك طلباً كبيراً على كمائن الطوب في حين تواجهنا بعض التحديات، بخاصة نقص العمال المرتبطين بهذه الحرفة بسبب نزوحهم منذ بداية الحرب، إلى جانب إدخال الغاز في عملية الحرق، لكننا سنبذل مجهوداً في احتواء هذه التحديات”.

عملية حرق الأخشاب لها آثارها السلبية على صحة المواطن (اندبندنت عربية- حسن حامد)

وأشار صاحب كمائن الطوب إلى أنه “مثلما دخل الطوب الأحمر في بنية المدينة منذ الحكم التركي في بناء القصر الجمهوري عام 1832 وغيره فإننا نتوقع أن يدخل في إعمار كل ما دمرته الحرب”.

إقبال ورواج

من جهته يرى أزهري عبدالرحيم أحد تجار مواد البناء أن “الاستقرار النسبي وهدوء الأحوال بعد استعادة الجيش مناطق واسعة في مدن وقرى الولايات التي شهدت نزاعاً أدى إلى عودة المواطنين الذين ينشدون الرجوع إلى الحياة الطبيعية، لذلك نتوقع أن تنشط حركة السوق في مواد البناء بصورة عامة، بخاصة الطوب الأحمر المصنع عبر الكمائن”.

طمي النيل أساس صناعة كمائن الطوب

وأردف عبدالرحيم، “من خلال عملي في السوق فإن معظم السودانيين يفضلون طوب الكمائن، بسبب ميزاته في درجة امتصاص الرطوبة الناتجة من تقلبات المناخ، فضلاً عن أنه يزداد قوة كلما تعرض للماء، لذلك يصلح استخدامه لمئات السنين، ونلاحظ أن غالبية المباني في العاصمة الخرطوم والولايات والمؤسسات الحكومية والخاصة في السودان شيدت بالطوب الأحمر، على رغم تراجعه قبل اندلاع الحرب بسبب ظهور البلوك المصنع من الأسمنت، فإن الأفضلية تبقى في الطلب على طوب الكمائن”.

ولفت التاجر في مواد البناء إلى أن “الطوب المصنع من طرق تقليدية أقل كلفة ويلقى رواجاً أكثر خلاف الطوب المطور الذي لا يمكن أن تعتمد عليه الطبقة البسيطة في تشييد مبانيها في ظل الظروف الاقتصادية المنهارة”.

تدهور بيئي

في حين قالت المواطنة هلالية عثمان التي تقطن في ضاحية الجريف إنه “على رغم الحاجة الماسة إلى طوب الكمائن في إصلاح ما دمرته الحرب، لكننا في ضاحية الجريف التي تعد المركز الرئيس لهذه الحرفة نعاني الدخان الناتج من عملية حرق الأخشاب نظراً إلى آثاره السلبية على صحة المواطن، بخاصة الذين يعانون أمراض الحساسية والأمراض المزمنة كالقلب وضيق الشرايين، إضافة إلى التدهور البيئي الناتج من مخلفات الحرق”. وأضافت، “قبل اندلاع الحرب رفعنا شكاوى إلى محلية المنطقة، لكنها آثرت الصمت وتغاضت عن الأخطار الناجمة عن وجود الكمائن قرب الأحياء السكنية، فهذه المهنة مخالفة للبيئة وغير مصرح بها قانونياً”. ونبهت إلى أن “عودة السكان بعد رحلات نزوح طويلة أثرت في صحتهم، ومؤكد أن معاناتهم ستزيد بسبب تكثيف صناعة الطوب، خصوصاً الموجودين في مناطق قريبة من هذه الكمائن”.

ندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا