السودان يسير على خطى محفوفة بالمخاطر.. فمن الحرب الداخلية وتشيريد ملايين المدنيين وارتفاع نسبة الفقر وانتشار الأمراض.. وسط حرب لا غالب فيها حتى اللحطة.
زادت قوات الدعم السريع المشهد تعقيدا عندما لجأت إلى نيروبي لتشكيل حكومة موازية.
حيث وقعت مع تحالف من القوى السياسية والمسلحة “ميثاقا تأسيسي” في العاصمة الكينية نيروبي، يمهد لتشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه القوات.
ويتضمن الاتفاق رؤية لإنشاء “دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية” كما ينص على تأسيس “جيش وطني جديد وموحد ومهني يعكس التنوع الموجود في البلد”.
وشهدت مراسم التوقيع حضور عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، فيما غاب قائدها وشقيقه، محمد حمدان دقلو.
ومن أبرز الموقعين عبد العزيز الحلو، قائد فصيل من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، الذي يسيطر على مناطق واسعة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وأوضح الهادي إدريس، المسؤول السابق وقائد إحدى الجماعات المسلحة، أن الإعلان عن تشكيل الحكومة “سيتم من داخل السودان، خلال الأيام المقبلة”.
وتتضمن مهام “الحكومة” المقترحة، حسب الميثاق، “العمل على إنهاء الحرب، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة البلاد”.
خطوة الدعم السريع بالتوقيع على الميثاق، جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن نيته تشكيل حكومة انتقالية من “كفاءات وطنية مستقلة”، وذلك في ظل تحقيق قواته مكاسب ميدانية في العاصمة والمناطق الوسطى من البلاد.
وفي كلمة له من مدينة بورتسودان، أكد البرهان، مطلع فبراير الجاري، أن الحكومة الجديدة “ستعمل على وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية أو التأسيسية تمهيداً للانتخابات”، مستبعداً إجراء مفاوضات مع قوات الدعم السريع ما لم تنسحب من مواقعها في الخرطوم وغرب كردفان ودارفور.
وانقسمت الآراء في الساحة السودانية بشأن “الميثاق التأسيسي” الذي تم توقيعه في نيروبي، بين مرحب به كـ”مدخل لحل الأزمة”، ومحذر من تداعياته على وحدة البلاد واستقرارها.
قالت مصادر عسكرية، إن الجيش السوداني بسط سيطرته على كامل مدينة القطينة شمال ولاية النيل الأبيض بعد معارك مع قوات الدعم السريع.
وأفاد مسؤولون سودانيون وجماعات حقوقية، بأن هجمات نفذتها قوات الدعم السريع شبه العسكرية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في ولاية النيل الأبيض خلال الأيام القليلة الماضية.
تحذير من “التشظي”
من جهتها قالت مجموعة “محامو الطوارئ” السودانية، الثلاثاء، إن قوات الدعم السريع نفذت هجمات ضد مدنيين في ولاية النيل الأبيض، ما أسفر عن مقتل 200 شخص خلال الأيام الثلاث الماضية.
وعبّرت الأمم المتحدة عن قلقها “البالغ” من تداعيات الإعلان المرتقب عن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع، محذرة من أن هذه الخطوة “ستزيد من انقسام السودان وتفاقم أزمته”.
وأكد المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، أن “الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، يمثل عنصراً أساسياً للتوصل إلى حل دائم للنزاع وضمان استقرار البلاد والمنطقة”.
على مدار أشهر الحرب التي اقتربت من العامين، تسابقت المنظمات الإغاثية والأممية في إصدار تحذيراتها حول فداحة الأوضاع الإنسانية حيث تقول لجنة الإنقاذ الدولية إن عدد القتلى جراء الحرب وصل إلى 150 ألف شخص حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو رقم أعلى من الحصيلة المعلنة للأمم المتحدة التي تتراوح حول 20 ألف قتيل فقط.
في السياق ذاته، أصدرت كلية لندن للصحة العامة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقريرا كشف عن وفاة أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها منذ بداية الصراع في السودان وحتى يونيو/حزيران الماضي بزيادة بلغت نحو 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب، من هؤلاء 26 ألف حالة وفاة نتيجة عنف مباشر متعلق بالحرب.
قدرت لجنة الإنقاذ أن هناك 18 مليون سوداني يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم أكثر من 222 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعا خلال الأشهر المقبلة وهي أرقام لا توافق عليها الحكومة وتشكك فيها. وفي مستهل ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن نصف عدد السكان في السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يواجهون خطر “الجوع الحاد”، كما أعلن رئيس المجلس النرويجي للاجئين أن الأزمة الإنسانية في السودان أسوأ من الأزمات في أوكرانيا وغزة والصومال مجتمعة، وأن حياة 24 مليون شخص باتت على المحك.
يحدث ذلك في ظل انهيار للنظام الصحي في البلاد. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، عقد مدير منظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم غيبريسوس” مؤتمرا صحافيا من بورتسودان (العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد) أعلن خلاله أن النظام الصحي المتداعي في السودان “وصل إلى مرحلة الانهيار”، موضحا أن ما بين 70-80% من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل تماما.
كما ظهر استخدام العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح حرب في السودان منذ بداية الصراع خاصة من قبل قوات الدعم السريع، حيث ذكر تقرير أممي صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن هذه القوات مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي.