آخر الأخبار

العائدون إلى وسط السودان .. مشاعر الفرحة تمتزج بالخوف من المجهول

شارك

بخطوات متثاقلة، ومشاعر متنازعة ما بين الفرح والخوف، صعدت إيناس التوم، رفقة أطفالها الثلاثة إلى أحد الأتوبيسات التي تقل العائدين من شرق السودان إلى وسطه.

ومنذ مطلع فبراير الجاري، تنظم سلطات ولاية البحر الأحمر بشرقي السودان رحلات العودة الطوعية لآلاف النازحين العائدين من مدينة بورتسودان إلى ولاية الجزيرة بوسط السودان.

وعاشت ايناس (37 عاما) لنحو عام في مخيم للنازحين بمدينة بورتسودان، وقد قررت العودة إلى منزلها بمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، والتي استعاد الجيش السوداني السيطرة عليها في 11 يناير الماضي.

وقالت ايناس لوكالة أنباء ((شينخوا)) “مشاعري متناقضة تماما، أشعر بالفرح كوني سأعود إلى منزلي، وستنتهي معاناتي في مخيم النزوح الذي يفتقر لكل شيء”.

وأضافت “ولكن ينتابني خوف من المجهول، لا نعرف شيئا عن الوضع الأمني بود مدني، ولا نعلم شيئا عن حال بيوتنا التي غادرناها قبل ما يزيد عن عام، ونخشي عدم توفر الخدمات الأساسية”.

ولكنها استدركت “لا اعتقد اننا سنواجه وضعا أصعب من الذي عشناه كنازحين، لقد بقينا هنا (بورتسودان) لأكثر من عام، عانينا من كل شيء، كنا نسكن في الخيام، ونشرب الماء المالح، وناكل الخبز الناشف”.

وتابعت “لا شيء يشبه المنزل، حتي وان كان مدمرا فإنه يظل دارنا ومقامنا ومنزلنا، وحتي ان كان خاليا من كل الأثاثات والأمتعة التي نهبت بكل تأكيد فإنه يمثل الدفء والطمأنينة، أتشوق لرؤية منزلي”.

وإيناس ارملة، وتوفي زوجها قبل 4 أعوام، ولديها ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات، وأصغرهم يبلغ 6 سنوات.

وقالت “زوجي متوفي، وانا المسؤولة عن تربية الأطفال وتعليمهم، خرجنا من منزلنا بود مدني فقط بملابسنا التي علي أجسادنا، والان نعود إلى هناك علي ذات الحال”.

وكانت إيناس ترتدي ثوبا سودانيا خاصا بالنساء بلون رمادي، بينما يلبس كل من أطفالها الثلاثة بنطلون قديم وقميص يبدو متسخا.

وقالت إيناس “لم أتمكن من شراء ملابس جديدة لأطفالي، لا يتوفر لنا نقود كافية، كما أن شراء الملابس ليست أولوية، نتمني أن نجد بعضا من ملابسنا بالمنزل”.

وفي مكان آخر، بالميناء البري بمدينة بورتسودان، وهو المكان لانطلاق بصات العائدين، كانت حليمة إسماعيل تضع أمتعتها علي الأرض بجوار أحد الأتوبيسات التي تستعد للانطلاق.

كانت حليمة تحمل حقيبتين كبيرتين، وقالت لـ((شينخوا)) “الحقيبتان هما كل ما نملك اليوم، فى الحقيبتين ملابس لأسرتنا المكونة من أمي وأبي وثلاثة من أخواتي وأخي الصغير”.

وأضافت “ليست لنا أمتعة غير الملابس القديمة، ولكن هذا لا ينقص من فرحتنا بالعودة إلى المنزل بحي الملكية بمدينة ود مدني”.

تعتقد حليمة أن العودة إلى المنزل سيكون بمثابة العلاج المناسب لوالدها الذي يعاني من مرض القلب، منذ أكثر من 20 عاما.

وقالت “كانت فكرة النزوح قاسية علي والدي الذي لم يحتمل فراق منزله وأصحابه وجيرانه، لقد ساءت حالته الصحية كثيرا عندما انتقلنا إلى بورتسودان”.

وأضافت “طوال 10 أشهر هي مدة بقائنا في بورتسودان، عانينا كثيرا بسبب ظروف البقاء في مخيمات النزوح، وهي غير مهيأة تماما وتفتقر لكل الخدمات، وكان أكثر ما يقلقنا حالة والدي الصحية وعدم استجابته للعلاج”.

ورغم فرحتها باقترابها وعائلتها من العودة إلى ود مدني، تشعر حليمة بقلق لا تستطيع أن تخفيه.

وتعلم حليمة، من خلال تواصلها ببعض أقاربها الذين مازالوا يتواجدون بحي (الملكية) بمدينة ود مدني، إن دمارا كبيرا أصاب منزلهم.

وقالت “وفقا للمعلومات التي حصلنا عليها من خلال أقاربنا، فقد أصابت قذيفة منزلنا وتهدم في بعض أجزاءه، كما أن المنزل تعرض للسرقة والنهب ولم يتبق اي شيء من ممتلكاتنا”.

وتابعت “لا يعلم أبي بما حدث لمنزلنا، وبالتأكيد سيحزن كثيرا عندما يري بعينيه ما حدث، ولا نعرف بالضبط ماذا ستكون ردة فعله، ولذلك نشعر بقلق بالغ”.

ووفقا لإفادات عائدين وصلوا إلى مدينة ود مدني في وقت سابق، فأن المدينة التي كانت مسرحا لمواجهات دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما تزال تتلمس الخطي نحو استعادة الحياة بكل تفاصيلها.

ورغم ملامح عودة الحياة ببطء إلى شوارع المدينة، إلا أن مشاهد الدمار والحرب ما تزال هي غالبة.

وقال عادل موسي، وهو مواطن عاد إلى منزله بحي (مارنجان) بمدينة ود مدني بعد نزوح لمدينة القضارف بشرقي السودان استمرّ لما يزيد عن عام” نعم لقد عدت إلى منزلي، ولكن البيت مخيف الآن، لا يشبه البيت الذي تركته”.

وأضاف موسي لـ((شينخوا)) “البيت مهدم في أجزاء منه، ومنهوب في كل أركانه، ومحترق في أجزاء أخري، كل مقتنياتنا الشخصية إما نُهبت أو حُرقت”.

وما يزال موسي يخشي السير في طرقات مدينة ود مدني بسبب التحذيرات المستمرة من إمكانية وجود مقذوفات غير منفجرة أو الغام تم زرعها من قبل قوات الدعم السريع التي سيطرت علي المدينة لأكثر من عام.

وقال “السلطات الأمنية ما تزال تحذر من إمكانية وجود أجسام غير منفجرة داخل المنازل وفي الطرقات، ولذلك ما يزال الخوف يسيطر علي من عادوا إلى المدينة”.

وتابع “فرحتنا منقوصة، والمخاوف ما تزال موجودة، أما المعاناة فهذه قصة أخري، لا تتوفر الخدمات الأساسية، الكهرباء، المياه، الغذاء، العلاج، كلها غير متوفرة بصورة كافية”.

ويصف موسي الحي الذي عاد اليه بأنه ما يزال موحشا ومهجورا، وان غالبية المنازل ما تزال فارغة، وان الكثيرين من سكان الحي مازالوا يرفضون العودة.

وأوضح “عاد عدد قليل من سكان الحي، وهناك كثيرون يرفضون فكرة العودة، ما يزال الخوف يسيطر علي غالبية من هجروا منازلهم بسبب الحرب والانتهاكات التي تعرضوا لها”.

وأضاف “ما تزال مشاهد الحرب مرسومة علي الطرقات، وعلي واجهات المنازل المهدمة، والأشجار المحترقة، وفي عيون من بقوا صامدين رغم الأهوال والصعاب”.

وشهدت مدينة ود مدني عودة جزئية لشبكات الاتصال والانترنت بعد انقطاع دام استمر لمدة عام.

ورغم مبادرات شعبية لتنظيف شوارع المدينة وازالة مخلفات الحرب، فأن شوارع ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ما تزال مكدسة بالنفايات وأنقاض القصف الجوي والمدفعي الذي طال أحياء وأسواق رئيسة.

وبدأت وحدات صغيرة من قوات الشرطة الانتشار في مدينة ود مدني لتأمين الشوارع والمؤسسات الحكومية والمستشفيات والمراكز الخدمية.

ومع انعدام الوقود، تعمل عربات (الكارو)، وهي عربات تجرها الدواب كوسيلة رئيسة لنقل المواطنين إلى جانب الدراجات الهوائية (العجلات).

واشتكي عائدون إلى مدينة ود مدني من نقص كبير في المواد الغذائية، ولاسيما مع اقتراب شهر رمضان.

وقال السمؤال عبد الله، والذي عاد الي مدينة ود مدني بعد 7 أشهر من النزوح في مدينة كسلا بشرقي السودان، “لا تتوفر المواد الغذائية، والأسواق الرئيسة لا تعمل، ومع اقتراب شهر رمضان فأن ذلك يضاعف من معاناة سكان المدينة”.

وأضاف عبد الله لـ((شينخوا)) هناك ندرة كبيرة للحوم الحمراء والبيضاء والألبان ومنتجاتها، كما لا يتوفر غاز الطبخ، ولابد من معالجات عاجلة”.

وما تزال أحياء مدينة ود مدني تعيش في ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء، فيما أعلنت الشبكة السودانية لتوزيع الكهرباء انها ستحتاج لوقت لمعالجة الأعطال الناتجة عن سرقة الكوابل الرئيسة والمحولات الكهربائية.

ووفقا لإحصاءات حكومية، فقد عاد نحو 10 آلاف نازح من مدن شرق السودان (بورتسودان، القضارف وكسلا) إلى مدينة ود مدني، في إطار خطة حكومية للعودة الطوعية بدأت من الثالث من فبراير الجاري.

وأعلن الجيش السوداني في 11 يناير الماضي، دخول مدينة ود مدني، بعد أكثر من عام من سيطرة قوات الدعم السريع عليها.

وتكتسب المدينة أهمية استراتيجية، إذ أنها عاصمة ولاية الجزيرة التي تضم أكبر مشروع زراعي بالبلاد، كما أنها تقع بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وتربط بين خمس ولايات سودانية.

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت 29 ألفا و683 قتيلا، وفقا لأحدث تقرير صادر عن موقع ((ACLED))، وهي منظمة عالمية غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا