عمار نجم الدين
رغم تزايد الانتهاكات الوحشية ضد المدنيين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لا يُسمع صوت من القوى السياسية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا من داعمي وقف الحرب، حين يكون الضحايا في مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. بينما ينشغل البعض بإدانة جرائم طرفي الحرب في مناطق أخرى، يتم تجاهل الجرائم التي يرتكبها الجيش السوداني وحلفاؤه في جبال النوبة والنيل الأزرق، في ازدواجية معايير فاضحة.
تصعيد عسكري ممنهج ضد الحركة الشعبية والمدنيين
تعرضت مناطق الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق لأكثر من 47 هجومًا عسكريًا، شمل القصف الجوي بالبراميل المتفجرة، والغارات بالطائرات المسيرة، فضلاً عن هجمات برية نفذتها قوات الجيش السوداني ومليشياته. وبينما يواجه المدنيون هذه الفظائع، يظل التجاهل سيد الموقف، وحتى الأحزاب التي تدّعي الوقوف مع المهمشين لا تُصدر بيانات إدانة، رغم توافر الأدلة الموثقة على هذه الجرائم.
سلسلة جرائم حرب موثقة
فيما يلي بعض الجرائم التي شهدتها مناطق الحركة الشعبية خلال الأشهر الماضية:
• مارس 2024: قصف الطيران الحربي السوداني مدرسة الهدرا في دلامي، مما أدى إلى مقتل 11 تلميذًا ومعلمين اثنين، وإصابة 47 آخرين، بينهم 43 طفلًا. هذا الهجوم ينتهك المادة (48) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المدنيين.
• سبتمبر 2024: شن الجيش السوداني هجومين على جبل نواي يومي 9 و22 سبتمبر، في تصعيد هدفه زعزعة استقرار مناطق الحركة الشعبية. هذه الهجمات تمثل انتهاكًا للمادة (13) من اتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحظر استهداف المدنيين بشكل غير متناسب مع الأهداف العسكرية.
• 19 ديسمبر 2024: قصفت القوات السودانية منطقة يابوس، ما أدى إلى تدمير مقر برنامج الغذاء العالمي (WFP) ومقتل ثلاثة موظفين أمميين. وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجوم ووصفه بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
• 20-21 ديسمبر 2024: استهداف منطقتي بليلة وشالي بغارات جوية مكثفة، مما أدى إلى نزوح المئات وتدمير البنية التحتية.
• 24 ديسمبر 2024: قصف أبو صيبة، متسببًا في دمار واسع، في انتهاك واضح للمادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف وسائل العيش الضرورية للمدنيين.
• 2 فبراير 2025: نظم عريس حامد كباشي، مدير ديوان الزكاة وضابط الأمن الشعبي السابق، حشدًا عسكريًا في كادقلي بحضور قائد مليشيا الجنجويد كافي طيار، حيث أُطلقت تهديدات صريحة بمهاجمة مناطق الحركة الشعبية. في اليوم ذاته، ألقى والي جنوب كردفان، إبراهيم أحمد عبدالكريم، خطابًا تحريضيًا، داعيًا لفتح طريق كادقلي – الدلنج بالقوة.
• 4 فبراير 2025: شنت القوات السودانية قصفًا مدفعيًا وجويًا على مناطق تلو، الشعير، وحجر المك، بهدف إرغام الحركة الشعبية على الدخول في الحرب أو فرض عقوبات جماعية على المدنيين. إلا أن الحركة الشعبية تصدت للهجوم، مما أسفر عن مقتل العشرات من قوات الجيش والمليشيات التابعة له.
التواطؤ السياسي والإعلامي مع الجرائم
ورغم توثيق هذه الجرائم، لم يصدر أي بيان إدانة من تحالف تقدم أو التنظيمات المتحالفة معه، أو حتى الأحزاب التي تدّعي دعمها لحقوق المدنيين. هذا الصمت يعكس ازدواجية المعايير والنفاق السياسي، حيث يتم التركيز على مناطق بعينها وإغفال أخرى، رغم أن الضحايا جميعهم سودانيون.
التورط الإعلامي والتعبئة العسكرية
في يناير 2025، نشر مبارك أردول، القيادي السابق في الحركة الشعبية والمنسق الحالي بين الجيش السوداني والمليشيات المتطرفة، منشورًا يدعو إلى التضييق على المدنيين في جبال النوبة. من المعروف أن أردول عقد اجتماعات عدة في إسطنبول مع قادة متطرفين مثل عبد الحي يوسف وأنس عمر، ما يؤكد التنسيق العسكري بين الجيش السوداني والمليشيات الإسلامية المتشددة.
جرائم تستوجب المحاسبة
الهجمات المتكررة على المدنيين في جبال النوبة والنيل الأزرق تشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، ومن بينها:
1. اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تحظر استهداف المدنيين.
2. الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يضمن الحق في الحياة ويحظر عمليات الإبادة الجماعية.
3. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يصنف الهجمات الممنهجة ضد المدنيين كـ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
النتيجة: جرائم حرب في ظل إفلات من العقاب
من الواضح أن الجيش السوداني يستخدم العقاب الجماعي كأداة لتركيع الحركة الشعبية أو إجبارها على الخضوع، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر. إن استهداف المناطق الخاضعة للحركة الشعبية بالقصف الجوي، والبراميل المتفجرة، والقتل الجماعي، هو امتداد لجرائم الحزب الحاكم ضد سكان المنطقتين.
إذا استمر الصمت الدولي والإقليمي، فإن هذه الجرائم ستتصاعد أكثر، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب. على الجهات الحقوقية والمنظمات الدولية الضغط لفتح تحقيقات في هذه الجرائم، واتخاذ إجراءات فعلية ضد مرتكبيها، قبل أن تتكرر المآسي كما حدث في دارفور وجبال النوبة سابقًا.
ماذا بعد؟
إن هذه الجرائم لن تتوقف إلا إذا تم فضحها أمام الرأي العام المحلي والدولي. على الجميع أن يدرك أن الصمت هو مشاركة ضمنية في هذه الفظائع، وأن الانتقائية في إدانة الجرائم تعني التواطؤ مع الجناة.