في تطور مقلق للأوضاع في السودان، أدان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الجيش السوداني بسبب تورطه في عمليات إعدام خارج إطار القانون تستهدف المدنيين في منطقة الخرطوم بحري. هذا الإدانة جاءت بعد ساعات من وقوع أحداث دامية في مدينة “أم روابة” بولاية شمال كردفان، حيث تم تنفيذ عمليات قتل وتصفيات للمدنيين تحت ذريعة “التعاون” مع “قوات الدعم السريع” وفق مصادر جريدة الشرق الاوسط. وقد اتهم الجيش وكتائب “البراء بن مالك” الموالية له المدنيين بالتعاون مع هذه القوات بعد استعادة السيطرة على المدينة.
وفقًا لمصادر مطلعة، شهدت “أم روابة”، التي تُعتبر ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان، عمليات تصفية جسدية واسعة النطاق بعد أن استعادت القوات المسلحة السيطرة على المدينة. هذه الأحداث تأتي في سياق تصاعد التوترات بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، حيث تم إعداد قوائم بأسماء المدنيين من قبل كتائب “البراء بن مالك”، المرتبطة بالحركة الإسلامية، تتهمهم بالتعاون مع “قوات الدعم السريع”. هذه القوائم تمثل خطوة خطيرة قد تؤدي إلى مزيد من العنف والانتقام ضد المدنيين وفق مصادر جريدة الشرق الاوسط.
في سياق متصل، ارتكبت “قوات الدعم السريع” مجزرة في منطقة أم درمان، مما أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا. هذه الأحداث تعكس تصاعد العنف في البلاد وتدهور الوضع الأمني، حيث تتزايد المخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الصراع المستمر بين الأطراف المتنازعة. إن الوضع في السودان يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي لحماية المدنيين وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة مروعة لعملية قتل “معلم” يشغل منصب رئيس حزب الأمة القومي في المنطقة، والذي يُدعى “الطيب عبدالله”، حيث تمت مراجته وعدم السماح بدفن جثمانه أو الاقتراب منه لمدة عدة ساعات. وقد أثارت عملية تصفيته موجة من الغضب الواسع في الأوساط السياسية وبين المعلمين، الذين أدانوا هذه “الجريمة البشعة”.
أصدر حزب الأمة القومي بيانًا أشار فيه إلى أن “اغتيال رئيس فرعه في أم روابة هو جريمة بشعة هزت الضمير الإنساني، وكشفت عن الوجه الإجرامي لهذه القوات بعد سيطرتها على المدينة”. وناشد الحزب المنظمات الحقوقية والدولية بتوثيق هذه الجرائم وإدانتها، كما ذكر أنه “تم منع المواطنين من الاقتراب من جثمانه لأكثر من ثلاث ساعات، وهو ملقى في دمائه”، معتبراً أن هناك “مجازر وإعدامات ميدانية مماثلة ترتكب بحق المواطنين في المدينة”.
في يوم الجمعة، أعرب المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، عن “قلقه الشديد” بشأن التقارير المتعلقة بعمليات إعدام ميدانية لمدنيين في شمال الخرطوم، والتي نفذتها عناصر من الجيش السوداني وميليشيات متحالفة معه. وقد وصف تورك في بيانه القتل المتعمد للمدنيين أو الأفراد الذين لم يشاركوا في الأعمال العدائية أو الذين توقفوا عن المشاركة بأنها “جريمة حرب”، وطالب بإجراء تحقيق مستقل.
نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن على الأقل 18 شخصًا، بينهم امرأة، فقدوا حياتهم في 7 حوادث منفصلة، يُتهم فيها عناصر ميليشيا مرتبطة بالقوات المسلحة السودانية، بعد أن استعادت القوات المسلحة السيطرة على منطقة شمال الخرطوم بحري في 25 يناير.
أشار المكتب إلى أن العديد من الضحايا في منطقة مصفاة الجيلي، شمال الخرطوم بحري، يعودون أصولهم إلى ولايات دارفور وكردفان. كما ذكر المكتب وجود مزاعم مقلقة في مدينة الخرطوم بحري، ويجري التحقق منها. كما تم الإبلاغ عن مجموعة من الرجال الذين يرتدون زي الجيش والذين ينتمون إلى “لواء البراء بن مالك” المتطرف، حيث كانوا يقرؤون قائمة طويلة من الأسماء لأشخاص يُزعم أنهم “متعاونون” مع “الدعم السريع”، ويرددون كلمة “زايلة” بعد ذكر كل اسم، والتي تعني “قتل”.
ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن تورك أفاد بأن مكتبه شاهد فيديو يظهر شخصاً آخر ينتمي إلى “لواء البراء بن مالك” المتعاون مع الجيش، يهدد سكان منطقة “الحاج يوسف” في الخرطوم بحري بـ”الذبح”.
لا تُعتبر جرائم قتل وتصفية المدنيين التي ذُكرت في بيان “تورك” هي الأولى من نوعها في المناطق التي يستعيدها الجيش. فقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة أشهر مقاطع فيديو مروعة لرجال يرتدون زي الجيش وهم يقومون بتصفية مجموعة من المدنيين في مدن ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسنجة في ولاية النيل الأزرق، ومنطقة “الحلفايا” في مدينة الخرطوم بحري بعد استعادتها من “قوات الدعم السريع”. وكان واضحًا من أزياء القاتلين وجود “شعار البراءون” المطبوع على ملابسهم.
أثار مقتل المدنيين من سكان “الكنابي” (المعسكرات في ولاية الجزيرة) موجة من الغضب الشديد، حيث تم اتهام الجيش وحلفائه الإسلاميين بارتكاب جرائم على أساس عرقي، شملت القتل والحرق وتدمير المساكن. كما قام الجيش بقتل مواطنين من جنوب السودان الذين هربوا إلى السودان خلال الحرب الأهلية في بلادهم، تحت ذريعة أنهم “متعاونون” مع “الدعم السريع”، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة وغضب في دولة جنوب السودان، والتي أسفرت عن مقتل 16 مواطناً.
قام القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث مدينة ودمدني، وحدد فترة أسبوع لإنهاء تحقيقاتها. ومع ذلك، فقد مرت أكثر من ثلاثة أسابيع دون أي إشارة إلى نتائج هذه التحقيقات.
في الجهة المقابلة، قامت “قوات الدعم السريع” بارتكاب مجزرة في أم درمان، حيث سقط العشرات جراء قصف استهدف سوقًا في المدينة، وذلك وفقًا لما نقله مصدر طبي لوكالة الصحافة الفرنسية. وأوضح المصدر في مستشفى “النو” بأم درمان، الذي لم تفصح الوكالة عن هويته، أن الجرحى “ما زالوا (حتى مساء السبت) يتوافدون إلى المستشفى” بعد الهجوم الذي نسب إلى “قوات الدعم السريع”.
أعلنت شبكة “أطباء السودان” في يوم السبت، أن عدد القتلى في المجزرة قد بلغ 61 شخصًا. وذكرت الشبكة في بيان لها أن القصف المدفعي المتعمد من قبل “الدعم السريع” استهدف سوق صابرين المكتظ بالمدنيين في منطقة كرري، بالإضافة إلى مناطق أخرى في المدينة، مما أسفر عن إصابة أكثر من 65 شخصًا. كما أفادت منظمة “نداء الوسط” الحقوقية السودانية، يوم السبت، بأن أكثر من 100 شخص قد أصيبوا نتيجة للقصف، مشيرة إلى أن أعداد الضحايا لا تزال أولية. ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب، خصوصًا فيما يتعلق باستهداف المدنيين، وإطلاق قصف عشوائي على المنازل والأسواق والمستشفيات، بالإضافة إلى عرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.