آخر الأخبار

تراجعات حميدتي: تغيير في التوازنات الداخلية أم دعم خارجي للجيش

شارك الخبر

اعترف قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتراجع وضع قواته في عدد من الولايات السودانية خلال الأيام الماضية، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التراجع، وهل تتعلق بتغيير في التوازنات الداخلية أم بتحرك خارجي داعم لقوات الجيش.

وحققت قوات الجيش تقدما لافتا في الخرطوم قبل أيام، لكن هذا لا يعني حسم المعركة وكسر شوكة الدعم السريع تماما، فلا تزال قواتها منتشرة في أماكن عدة، بينها الخرطوم التي شهدت معارك أعادت الاعتبار لقوة الجيش.

وتوعّد قائد قوّات الدعم السريع في خطاب متلفز، بث الجمعة، بطرد قوات الجيش من الخرطوم، معترفا بانتكاسات تكبّدتها قوّاته أخيرا بالخرطوم، ودعا إلى عدم التفكير في أن عناصر الجيش دخلوا القيادة أو معسكر سلاح الإشارة، أو استلموا الجيلي أو ود مدني في جنوب الخرطوم.

حميدتي اتجه للتقوقع في دارفور بعد أن أخفق في الحفاظ على سيطرته على أماكن شاسعة بعيدة عن منطق نفوذه التقليدية

ويرى مراقبون أن تراجع قوات حميدتي يظهر أن قوات الجيش ما تزال تحصل على إسناد كاف من داعميها الخارجيين، ولم يستبعدوا أن يكون قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد حصل على دعم تركي خاصة في مجال المسيّرات ساعده على تحقيق تقدمه الأخير على الأرض.

وأرجع المحلل السياسي السوداني عادل حمد إبراهيم تفوق الجيش ميدانيا إلى ثلاثة عناصر، أولها السيطرة على مناطق لاستخراج الذهب، بما وفر له سيولة مالية مكنته من استيراد معدات عسكرية، وثانيها إسهامات سلاح الطيران النوعية وامتلاك طائرات مسيّرة قامت بمهام متباينة في ملاحقة قوات الدعم، وثالثها زيادة وتيرة التجنيد في مناطق عدة وخوض المجندين مواجهات مهدت الطريق لدخول قوات الجيش.

واستغلت قيادة الجيش هذا التفوق للإيحاء بأنها قادرة على إنهاء أسطورة الدعم السريع العسكرية، لأن المناطق التي استردتها في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم ذات أهمية حيوية وغير معهودة، حيث أمضى الجيش نحو 18 شهرا في خسائر تصاعدية أمام قوات الدعم السريع، إلى أن أعاد ترتيب عناصره وضم ميليشيات مسلحة وعناصر إسلامية ممن يطلق عليهم “المسنفرون”، وتلقى مساعدات عسكرية من جهات خارجية مختلفة.

وأسهمت هذه المتغيرات في ميل الدفة لصالح الجيش حاليا، بينما ازداد تطويق الدعم السريع، وحجبت عنها بعض المساعدات الخارجية، وبدا الموقف شبه متوازن عسكريا، حيث راهن الجيش كثيرا في الأشهر الماضية على ضبط الوضع الميداني، ما دفعه إلى رفض الدخول في مفاوضات جديدة أو العودة إلى مفاوضات قديمة، في وقت كانت مقومات القوة تميل لصالح الدعم السريع.

وأنهى الجيش حصارا فرضته قوات الدعم السريع على مقر قيادته العامة في الخرطوم بعد اندلاع الحرب قبل نحو عامين، وأعلن استعادة مقر سلاح الإشارة ومصفاة الجيلي النفطية في شمال العاصمة السودانية أخيرا.

وعاد البرهان إلى مقرّ القيادة العامة في الخرطوم بعد أن اضطر إلى إخلائه في أغسطس 2023 إثر استيلاء الدعم السريع عليه.

◄ قوات الجيش تحقق تقدما لافتا في الخرطوم، لكن هذا لا يعني حسم المعركة وكسر شوكة الدعم السريع تماما

وقال حمد إبراهيم لـ”العرب” إن المعركة لم تحسم كل فصولها بعد، لكن تفوق الجيش الظاهر يمنحه ثقة من قبل شريحة كبيرة من المواطنين يرون أن قدراته الراهنة تستطيع مواصلة المعارك.

واقتصرت تدخلات المجتمع الدولي في الحرب الجارية بالسودان مؤخرا في الشق الإنساني، وتوقفت جهات عديدة عن طرح مبادرات أو أفكار سياسية تفضي لوقف الحرب، بعد أن تحطمت عدة محاولات على صخرة رفض الجيش، وتصميم قائده على هزيمة من أسماهم بالمتمردين، في إشارة إلى الدعم السريع.

ويقول مراقبون إن تدهور الوضع الميداني لقوات الدعم السريع في الوسط والشمال حقيقي، وليس تكتيكيا حسب ما روّج البعض، وإن هناك معارك أخرى يمكن أن تكون أشد ضراوة، تحديدا في مدينة الفاشر، والتي تمثل أهمية إستراتيجية للطرفين، حيث يرى فيها الجيش دليلا على جاهزيته، وتعتبرها الدعم السريع فاصلة لطرد الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش منها، وتستكمل بها السيطرة على كل إقليم دارفور.

ويشير هؤلاء إلى اتجاه حميدتي للتقوقع في دارفور، وحسم معركة الفاشر سريعا، بعد أن أخفق في الحفاظ على سيطرته على أماكن شاسعة بعيدة عن منطق نفوذه التقليدية، وتؤكد الخسائر التي تعرض لها الفترة الماضية وجود تحول في أداء الجيش الميداني، حيث استرد بعض المناطق دون خوض معارك كبيرة، ولم يواجه الشراسة المعهودة من الدعم السريع، ما يعني وجود خلل أو مستجد أضعف قوتها العسكرية.

عادل حمد إبراهيم: سيطرة الجيش على مناطق لاستخراج الذهب وفر له سيولة مالية مكنته من استيراد معدات عسكرية

وقد يطفو على السطح تطبيق الخيار الثاني من جانب قوات الدعم السريع، والخاص بإحكام السيطرة على دارفور والتلويح بالانفصال، فبعد الإخفاق في هزيمة البرهان وتكبيد الجيش خسائر تجبره على التفاوض وهو في موقف ضعيف، تراجع الخيار الأول المتعلق بالسيطرة على غالبية السودان، وإعادة ترتيب المشهد السياسي بالطريقة التي يراها حميدتي وحلفاؤه من القوى المدنية السودانية مناسبة.

وأدان مجلس الأمن الدولي، الجمعة، الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في دارفور، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين، معربا عن القلق العميق إزاء تصعيد العنف، وإنهاء حصار الفاشر، والامتناع عن أيّ تدخل خارجي يهدف إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار، واحترام حظر الأسلحة المفروض على إقليم دارفور.

كما أبدى المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فوركر تورك قلقه البالغ حيال تقارير أفادت بحصول عمليات إعدام ميدانية بحق مدنيين في شمال الخرطوم ارتكبها عناصر من الجيش وميليشيات متحالفة معه.

ولم يعبأ الطرفان المتصارعان بالعقوبات التي فرضت على عدد من القادة في كليهما من قبل الإدارة الأميركية السابقة، وواصلا الحرب من دون مصدات أو كوابح يمكن أن تفرملهما، وتعيدهما إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى.

وفرض الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عقوبات على البرهان، واتّهمت إدارته الجيش بشن هجمات على مدارس وأسواق ومستشفيات واستخدام الحرمان من الغذاء سلاحا في الحرب، بعد أسبوع على فرض واشنطن عقوبات مماثلة على حميدتي.

وتعوّل بعض الدوائر السودانية على إمكانية أن يظهر الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب صرامة كبيرة لوقف هذه الحرب، لكن حتى لا تحظى بأولوية في أجندته، ما يساعد على زيادة ضراوتها، حيث لا يزال الجيش يعتقد في وجود فرصة لتوسيع نطاق انتصاراته وتمديدها إلى إقليم دارفور.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا