آخر الأخبار

حرب موازية.. السودانيون غرقى في بحر الانقسام والاستقطاب

شارك الخبر

ما لم ينظر الطرفان إلى خطورة هذا التصادم والتضاد ستصل البلاد إلى مرحلة الحريق الشامل والحرب الأهلية وتمزيق السودان والتدخلات الدولية المباشرة، وهذه الأخيرة لاحت بوارقها بفرض عقوبات مباشرة على قائدي الدعم السريع والجيش تباعاً، مما سيجعل من السودان منطقة غير قابلة للحياة، وبؤرة عنف متطرف محتملة ستنتقل للمحيط العربي والأفريقي وتهدد السلم والأمن الدوليين، وتكون الخاصرة الرخوة لانفجار الأوضاع في القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر المضطربين بالأساس.

على رغم أن الحرب المندلعة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 كانت مباغتة ومفاجئة للشعب السوداني، فإن سرعان ما أحدثت مع تطاول أمدها واتساع رقعتها الجغرافية انقساماً واستقطاباً حادين وكبيرين داخل المجتمع.

الانقسام تفاقم بسبب تسابق طرفي الحرب نحو كسب التأييد الشعبي من خلال عديد من الوسائل والشعارات الوطنية المؤثرة، فضلاً عن استخدام العامل القبلي والجهوي والإغراء المادي وغيره، وهو ما أشعل حرباً ضروساً خارج ساحات القتال بين المواطنين في المنتديات المختلفة، بخاصة مواقع التواصل الاجتماعي.

فكيف ينظر المراقبون إلى ما يجري من حشد لهذه الحرب وما يتبعه كل طرف من استراتيجية وآثار ذلك على طول أمد القتال وما صاحبه من تدمير وانتهاكات وغيرها؟ وما أثر هذا التحشيد في مستقبل البلاد، خصوصاً في جانب التعايش والتجانس المجتمعي؟

روايات مضللة

في هذا السياق قال المتخصص في مجال الإعلام عباس مصطفى صادق “لقد اتخذ طرفا الحرب في السودان طرقاً ووسائل مختلفة لرواية مجريات العمليات العسكرية وجميع ما يتصل بها على الأرض من قتل للمدنيين وتشريد للسكان وتدمير للبنى التحتية، وبينما يتهم كل طرف الآخر بالتسبب في هذه المآسي، ينكران وجودها في الأصل، بخاصة من جانب حكومة بورتسودان التي تصف الأوضاع في الأماكن التي يسيطر عليها الجيش بالأمان، وتنشر أخباراً عن تحركات المسؤولين واجتماعاتهم وتصريحاتهم، وكأن البلاد ليس بها حرب ولا معاناة”.

اتخذ طرفا الحرب في السودان طرقاً ووسائل مختلفة لرواية مجريات العمليات العسكرية (إعلام مجلس السيادة)

وأضاف صادق، “نجد في جانب حكومة بورتسودان أنها تعتمد على أجهزة إعلام رسمية تضم وكالة الأنباء والتلفزيون والإذاعة، فضلاً عن وزارة تدير الشأن الإعلامي، كما تجد مساندة من قنوات تلفزيونية وصحف سودانية ومواقع إلكترونية، وحسابات مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي تنشط في الغالب من خارج السودان”. وأشار إلى أنه في الأشهر الأولى لبداية الحرب نشر جنود “الدعم السريع” مئات الفيديوهات للفظاعات التي يمارسونها، وكان الأمر أشبه بحالة تفاخر بينهم. في المقابل وفي بدايات الحرب قلما مارس أفراد الجيش السوداني هذا النوع من الإعلام غير المنضبط، بل ارتبط أكثر بالميليشيات المستنفرة لمساعدته في القتال بخاصة كتيبة البراء بن مالك التابعة للحركة الإسلامية. وأوضح، “فجع السودانيون مع دخول الجيش ولاية الجزيرة بكم كبير من فيديوهات في غاية من الفظاعة والوحشية ما دعا قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان إلى تكوين لجنة للتحقيق، حصرها في أحداث (كمبو) طيبة الذي ارتكبت فيه جريمة قتل جماعي”.

وأردف صادق، “الطرفان المتحاربان مسنودان بجيش ممن يطلق عليهم (اللايفاتية)، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في بث رسائل صوتية لها قدر هائل من التأثير في مجريات المعارك العسكرية، فضلاً عن تحشيد متابعيهم تجاه دعم مواصلة الحرب وترويج روايات مضللة، فخطاب المناصرين يدعي مساندة القوى المدنية، بخاصة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لقوات (الدعم السريع)، وأن قوى الحرية والتغيير هي من أشعل هذه الحرب”. وأضاف، “أما المناصرون لـ(الدعم السريع) فيقوم خطابهم على تكريس فكرة المظلومية التاريخية التي عاناها الهامش، بخاصة مواطن غرب السودان المستهدف في وجوده وحياته، وفضلاً عن الادعاء الذي تطلقه هذه القوات بمناصرتها لمدنية الدولة ودعم التحول الديمقراطي”. وأشار إلى أن بين الخطابين يمر بسهولة أمر خطر للغاية يتعلق بزيادة الفتق في النسيج الاجتماعي السوداني بتكريس النعرات الجهوية والعنصرية والكراهية، وتحول الحرب إلى صراع بين المكونات الاجتماعية، يقوده استعلاء عرقي يستحق من ينتمي إليه العيش والحماية، ودونية ليس لها مكان في المجتمع السوداني.

وختم المتخصص في مجال الإعلام “المحصلة أنه طوال الحرب غابت وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن مشهد معاناة السودانيين في مكانه الحقيقي، للدرجة التي وصفت فيها الحرب بمفاهيم خاطئة حول أصل الصراع وديناميكيته وتأثيره، ما أبعد جانب مهم منه عن الصياغة الدقيقة لما يحدث، وهو وضع قاد فعلاً إلى تشتيت الانتباه وتقليل الاهتمام الدولي من قبل الجهات الفاعلة الخارجية التي يمكنها إسكات صوت السلاح في السودان”.

أجندة عنصرية

من جانبه أوضح المحلل السياسي السوداني عروة الصادق بأن “التوصيف الحقيقي للأمر هو أن أصحاب الأجندة التقسيمية العنصرية الذين يقفون خلف طرفي النزاع ممن أججوا الحرب في البلاد من عناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول وحركة الإخوان المسلمين يصرون على تحقيق نصر لهم ولو بتقسيم السودان، ومن أجل ذلك استخدموا كل أدوات التحشيد المعلومة التي قسموا بها البلاد وفصلوا بها الجنوب، وخربوا بها المنطقتين وحرقوا بها دارفور، إذ يواصلون بذات النهج وبذات الآلة الإعلامية في حقن الجسد السوداني بسموم التفريق والتمزيق”. وأضاف، “اتبع أنصار الحرب وداعموها 10 إجراءات من شأنها أن تمزق البلاد منها تحويل العاصمة إلى أقصى الشرق، والقيام بتغيير العملة المحلية واحتكارها لجهة معينة، ومنح ومنع الهوية وأوراق الإثبات والأحوال الشخصية على أساس عنصري، وتقييد حركة التجار على أساس جهوي ومناطقي، وحظر الحسابات البنكية بتمييز عنصري، ومنع إقامة اختبارات الشهادة الثانوية حتى في مناطق تقع تحت سيطرة الجيش لوقوعها في جغرافيا معينة، وما صاحبها من اعتقالات لطلاب نزحوا من مناطق الصراع للجلوس لهذه الاختبارات لمجرد الاشتباه وفق قانون الوجوه الغريبة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية لأكثر من عام، وإبادة ما سمي (الحواضن) من طريق القصف الجوي، واحتكار الخدمات (جميعها) في مناطق معينة”.

الطرفان المتحاربان يستخدمان وسائل التواصل الاجتماعي في بث رسائل لها قدر هائل من التأثير في مجريات المعارك (إعلام مجلس السيادة)

واستطرد الصادق، “مؤكد أن هذه الإجراءات تسهم في تفكك النسيج الاجتماعي وتقويض الوحدة الوطنية، وستقود إلى زيادة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق المختلفة ونتيجتها الحتمية تدهور الأوضاع الإنسانية وتفاقم المعاناة، في المقابل نجد أن ما ارتكب من فظائع ضد المدنيين سهل من انتشار وتفشي حال الاستقطاب الاثني والجهوي التي غذتها آلة الحرب الإعلامية”. وأشار إلى أنه ما لم ينظر الطرفان إلى خطورة هذا التصادم والتضاد ستصل البلاد إلى مرحلة الحريق الشامل والحرب الأهلية وتمزيق السودان والتدخلات الدولية المباشرة، وهذه الأخيرة لاحت بوارقها بفرض عقوبات مباشرة على قائدي “الدعم السريع” والجيش تباعاً، مما سيجعل من السودان منطقة غير قابلة للحياة، وبؤرة عنف متطرف محتملة ستنتقل للمحيط العربي والأفريقي وتهدد السلم والأمن الدوليين، وتكون الخاصرة الرخوة لانفجار الأوضاع في القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر المضطربين بالأساس.

ومضى المحلل السياسي السوداني، “ربما أثمرت تلك الأخطار والمخاوف وتبعاتها بوجود حكومتين متنافستين تقودان إلى تعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية في البلاد، مما يجعل من الصعب تحقيق المصالحة الوطنية وبناء دولة مدنية ديمقراطية، وإضاعة مصالح المواطنين بين هاتين الحكومتين، بالتالي تفاقم الأزمة الإنسانية الحالية، وزيادة عدد النازحين واللاجئين، وتعريض المدنيين لمزيد من الخطر، وتزايد النعرات والتصرفات الهوجاء تجاه المواطنين، وهو ما سيؤدي بلا شك إلى تقسيم البلاد فعلياً، وتهديد وحدة السودان، فضلاً عن احتدام الصراعات في الموارد والحدود بين القبائل، مما يؤدي مثل هذا الوضع إلى تدخلات خارجية من دول إقليمية ودولية، مما يزيد من تعقيد الأزمة”.

اندبنديت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا