اندبندنت عربية- عثمان الأسباط
ملخص
تبادل الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الاتهامات بقصف المنشأة ذات الأهمية الاقتصادية العالية التي كانت قبل اندلاع الحرب تغطي نحو 75 في المئة من حاجات البلاد من البنزين، وقرابة 50 في المئة من الغازولين، وتضم مصفاة تكرير بطاقة 100 ألف برميل يومياً.
تتزايد المخاوف من كارثة بيئية ووبائية وخيمة العواقب تهدد صحة سكان العاصمة السودانية الخرطوم، بخاصة في المناطق المتاخمة لـ”مصفاة الجيلي” عقب تعرضها للقصف، نتيجة وجود مواد قابلة للاشتعال ونفايات مشتقات النفط، وكذلك الغازات السامة ذات الآثار المتأخرة أو المزمنة.
أخطار ومهددات
ويشكل حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط العامل الرئيس لتلوث المناخ، مما يهدد صحة سكان المناطق المجاورة للمصفاة ويسبب أمراضاً قاتلة للبشر والنباتات والحيوانات، إلى جانب أضرار على المدى البعيد، خصوصاً مع وجود المواد الكيماوية المستخدمة في الحرب والرصاص والمقذوفات النارية التي قد لا تكون مرئية لكثيرين.
المتخصص في الكيمياء ودائرة المخلفات الصلبة مؤمن مسعود قال إن “مصافي النفط تصنف ضمن المنشآت الخطرة، نظراً إلى وجود مواد كيماوية تتفاوت خطورتها بين متوسطة وشديدة، مما يشكل تهديداً كبيراً على السلامة العامة، بخاصة أن ’مصفاة الجيلي‘ تقع على بعد 70 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، ويحيط بها عدد من المدن والقرى المكتظة بالسكان والتي تشهد أنشطة زراعية واسعة”.
وأضاف أن “مصفاة النفط الرئيسة في السودان تعرضت لنشوب معارك في محيطها أكثر من خمس مرات بين الجيش وقوات ’الدعم السريع‘، ومع تزايد وتيرة القصف المتبادل واستخدام طرفي الحرب أنواعاً مختلفة من الأسلحة الثقيلة نتجت حرائق ضخمة وتصاعد الدخان الأسود الكثيف ليغطي سماء مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم، مما يؤدي بدوره إلى انضمام مئات الأطنان من الجسيمات الدقيقة المتصاعدة إلى الغلاف الجوي”.
وأوضح مسعود أن “العوامل المناخية تسهم في تراكم المركبات الكيماوية، بخاصة مع اشتداد الرياح وارتفاع الرطوبة، وتصدر تلك الانبعاثات إلى الجو، كما أن احتراق خام البلاستيك يشكل تهديداً لا يقل عن خطر السلاح الكيماوي لأن ذرات الكربون الثقيلة تنزل على الأرض وتسبب اختناقاً يؤدي إلى الوفاة”.
ودعا المتخصص في الكيمياء ودائرة المخلفات الصلبة إلى ضرورة التعامل بصورة جادة مع النفايات السامة الناتجة من حريق “مصفاة الجيلي” وفق معالجات نوعية، لما تمثله من خطر ذي شقين، واحد أمني والآخر بيئي ربما يكون طويل الأمد”.
أضرار محدودة
في المقابل، قلل مدير التشغيل بـ”مصفاة الجيلي” هشام بابكر من حجم الخسائر الناتجة من الحرائق وتأثيرها في المنشآت الاقتصادية الحيوية ضمن المصفاة، مشيراً إلى أن “مستودعات النفط الخام تضررت، ونتجت منها حرائق جانبية بسبب القصف الذي استهدف المصفاة”.
ولفت إلى أن “الحرائق محدودة ويمكن السيطرة عليها، إلى جانب إمكان إعادة تأهيل المنشآت من جديد لأن غالبية المعدات لم تتعرض لأضرار بالغة”.
وأوضح بابكر أن “التحدي الأول الآن هو القيام بعمليات الفحص الفني الشاملة التي تتضمن التحكم والكهرباء والميكانيكا وكذلك الفحص الهندسي”.
ونوه إلى أن إعادة إعمار مصفاة النفط الرئيسة في السودان “يحتاج إلى فريق هندسي من الخارج، فضلاً عن وجود متخصصين من داخل البلاد لتقييم حجم الأضرار، نظراً إلى أن غالبية المعدات من قطاع التصنيع في الصين ودول أخرى”.
على الصعيد نفسه، أوضح الباحث في الشؤون البيئية الصادق جادين أن “خطر التلوث يتعاظم على نحو خاص في منطقة الجيلي المكتظة بالسكان التي تشهد أنشطة زراعية واسعة، فضلاً عن اعتماد المواطنين في غذائهم على الخضراوات والفواكه، علاوة على أن تأثيرات التلوث ستنعكس أيضاً في الاقتصاد، لا سيما أن المنطقة ترفد أسواق العاصمة الخرطوم بالخضراوات على أنواعها والفواكه مثل الموز والبرتقال والجوافة والمانغو”.
وأشار إلى أن “تفاعل الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين مع بخار الماء، كلها أسباب قد تؤدي إلى أضرار بالغة بالبيئة، كما النفايات والغازات تهدد صحة الإنسان أو الكائنات الحية من خلال إطلاق سمومها الكيماوية والإشعاعية في الهواء والماء والتربة”.
وأوضح الباحث في الشؤون البيئية أن “السودان من الدول التي لا تمتلك الآليات اللازمة أو المخصصة لمعالجة مثل تلك النفايات والمخلفات، كما يفتقر إلى الموارد البشرية المدربة القادرة على التعامل مع جوانب المشكلة التي عادة ما تكون معقدة تقنياً، بالتالي يجب أن تكون الأولوية للفحص الفني بواسطة فريق هندسي من خارج البلاد لتقييم حجم الأضرار والأخطار”.
أمراض خطرة
على صعيد متصل، يرى استشاري طب السموم أنور محجوب أن “أخطر ما في الحرائق التي تعرضت لها مصفاة النفط الرئيسة في السودان وانبعاث الغازات الضارة تأثيراتها المستقبلية في حياة الناس، واحتمالات ظهور طفرات جينية لدى الإنسان أو الحيوان، مما يهدد بتشوهات المواليد أو الإصابة بالعقم لدى البشر والحيوانات، وتسبب جزيئات المركبات الكيماوية أضراراً على المدى البعيد بصحة الكبد والكلى والجهاز العصبي”.
وأضاف أنه “عادة ما يكون الأطفال والفئات الأخرى مثل النساء الحوامل والمدخنين أكثر عرضة لأخطار التلوث البيئي والمواد السامة وتأثراً بنتائجها، ويمكن أن يتّحد ثاني أكسيد الكبريت مع بخار الماء وينزل على الغابات في شكل أمطار حمضية يمكن تراكمها داخل السلسلة الغذائية، وتنتج من ذلك أمراض خطرة تؤدي إلى الوفاة”.
ودعا إلى “ضرورة التحرك لمعالجة ما يمكن تداركه لتخفيف الآثار الصحية لأن الوضع بات يتطلب من شدة خطورته تدخل المجتمع الدولي بصفة عاجلة للحفاظ على حياة المواطنين والبيئة”.
وتأسست مصفاة الخرطوم للبترول في منطقة الجيلي شمال العاصمة عام 1997، وبدأت الإنتاج الفعلي عام 2000، وهي شراكة مناصفة بين الحكومة السودانية والشركة الوطنية للبترول الصينية بكلفة كلية قدرت بـ6 مليارات دولار.
وتبادل الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الاتهامات بقصف المنشأة ذات الأهمية الاقتصادية العالية والتي كانت قبل اندلاع الحرب تغطي نحو 75 في المئة من حاجات البلاد من البنزين وقرابة 50 في المئة من الغازولين، وتضم مصفاة تكرير بطاقة 100 ألف برميل يومياً.
وقال الجيش السوداني إن “الدعم السريع” تعمدت حرق مصفاة الخرطوم للبترول في “مواصلة لما وصفه باستمرار سلوكها الإجرامي الحاقد على البلاد وشعبها”.
في غضون ذلك، ذكرت “الدعم السريع” أن الجيش شن غارات جوية على المصفاة، وأضافت في بيان أن “عمليات القصف الجوي المستمرة على المصفاة التي أدت إلى تدميرها تمثل جريمة حرب مكتملة الأركان”.