آخر الأخبار

لاجئو السودان بين مطرقة الحرب وسندان الغربة: قصص من شمال إفريقيا

شارك الخبر

معتز محمد

مع اندلاع الحرب في السودان، تصاعدت موجات اللجوء والنزوح، تاركة خلفها قصصًا إنسانية تعكس حجم المأساة التي يعيشها اللاجئون السودانيون. في هذا التحقيق، نستعرض معاناة اللاجئين السودانيين الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الصراع في وطنهم وسندان التحديات في دول شمال إفريقيا، بما فيها ليبيا، تونس، الجزائر، والمغرب.

ليبيا: رحلة عبر الصحراء نحو المجهول
في طريقه إلى ليبيا، عاش “كمال”، شاب سوداني يبلغ من العمر 28 عامًا، معاناة قاسية، بدايةً من الرحلة الصحراوية الخطرة وصولاً إلى العنف والاستغلال في ليبيا. يقول كمال لـ”الغد السوداني”: “كانت الرحلة طويلة وشاقة، عانينا من العطش والجوع، وواجهنا خطر الموت أكثر من مرة. بعد وصولنا، وجدنا أنفسنا محاصرين بين عصابات الاتجار بالبشر والميليشيات المسلحة”.

تعتبر ليبيا واحدة من أخطر المحطات للاجئين السودانيين، حيث تتفاقم المعاناة بسبب الانفلات الأمني وسيطرة الميليشيات. وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، يتعرض اللاجئون للاعتقال التعسفي وسوء المعاملة، إضافة إلى عمليات الترحيل القسري.

تونس: أحلام مؤجلة ومعاناة يومية
بعد عبوره ليبيا، توجه “خليفة” ذلك الشاب الهادئ إلى تونس أملًا في حياة أفضل، لكنه واجه تحديات مختلفة. يصف لـ”الغد السوداني” رحلته قائلاً:

“ظننت أن تونس ستكون محطة الأمان، لكن وجدت نفسي أواجه نفس المعاناة. الحصول على الإقامة شبه مستحيل، والدعم من المنظمات الإنسانية محدود للغاية.”

رغم أن تونس تمتلك قانونًا وطنيًا للجوء، إلا أن الإجراءات البيروقراطية تعيق اللاجئين. يعيش العديد منهم في ظروف معيشية قاسية، ويعانون من التمييز والعنف في بعض الأحيان.

الجزائر: صراع البقاء

“محمود”، لاجئ سوداني وصل إلى الجزائر قبل خمس سنوات، وصف لـ”الغد السوداني” معاناته قائلاً:

“الحياة هنا ليست سهلة، لكن الشعب الجزائري متعاطف معنا. أكبر مشكلاتي هي عدم وجود وثائق قانونية، مما يحرمنا من العمل والحصول على الخدمات الأساسية”.

تواجه الجزائر تحديات كبيرة في استيعاب اللاجئين السودانيين، مع ارتفاع أعدادهم وزيادة الضغط على الموارد والخدمات. ورغم أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقدم بعض الدعم، إلا أنه لا يكفي لتلبية احتياجات اللاجئين المتزايدة.

المغرب: بين الأمل والانكسار

“الشيخ”، لاجئ سوداني آخر، انتقل من ليبيا إلى المغرب بحثًا عن فرصة للوصول إلى أوروبا. لكنه وجد نفسه عالقًا في ظروف صعبة، حيث يقول لـ”الغد السوداني”:

“رحلتي إلى المغرب كانت مليئة بالمخاطر. تعرضت للاستغلال من قبل المهربين، وعندما وصلت، اكتشفت أن الحصول على اللجوء أمر شبه مستحيل”.

تحولت المغرب إلى محطة عبور رئيسية للاجئين السودانيين في طريقهم إلى أوروبا، لكن أحلامهم تُحاصر بمخاطر الاعتقال وشبكات الاتجار بالبشر التي تستغل يأسهم. قصة الشاب السوداني “مختار” تكشف الوجه المظلم لمعاناة اللاجئين في دول العبور.

مختار.. حلم العبور ينتهي بالسجن

“مختار”، شاب سوداني في العشرينات من عمره، غادر وطنه بسبب النزاعات وانعدام الفرص، متجهاً نحو أوروبا بحثاً عن حياة أفضل. لكنه اعتُقل في المغرب أثناء محاولته عبور الحدود إلى إسبانيا عبر جيب مليلية. حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وهو الآن أنهى عقوبته في سجن بمدينة بركان.

شقيقه إبراهيم يروي المأساة

“إبراهيم”، شقيق “مختار”، يعيش كابوساً متواصلاً منذ علم باعتقال أخيه. يروي إبراهيم لـ”الغد السوداني” تفاصيل القصة قائلاً:

“علمت باعتقال مختار بعد حادثة جيب مليلية في 24 يونيو 2020، لكنني لم أكن أعرف إن كان معتقلاً، مصاباً، أم متوفياً. استغرق الأمر أسبوعين لأتأكد من أنه محتجز لدى السلطات المغربية”.

ويقول إبراهيم: “مختار أخبرني وقتها في مكالمة هاتفية قصيرة أن الوضع في السجن صعب للغاية حتى على مستوى الطعام، وهو يعاني من تدهور في حالته الصحية. هذا الوضع انعكس على أسرتنا نفسياً وصحياً، خاصة على والدينا”.

في النهاية، يظل السؤال: هل ستبقى هذه القصص الإنسانية مجرد أرقام في تقارير الهجرة، أم أن العالم سيصحو يوماً ليمنح هؤلاء فرصة لحياة أكثر إنسانية؟

قصص الأمل والمعاناة: شهادات حية

كمال (ليبيا):

“أحلم بالعودة إلى السودان، لكن ليس الآن. الحرب سرقت منا كل شيء، وحتى هنا لا أجد الأمان.”

خليفة (تونس):

“أكبر أمنياتي أن أعيش في بلد يحترم حقوقي كإنسان. حياتي الآن عبارة عن انتظار طويل بلا أفق.”

محمود (الجزائر):

“رغم كل المعاناة، أجد بعض الدعم من الشعب الجزائري. لكننا بحاجة إلى تدخل دولي لتحسين أوضاعنا.”

الشيخ (المغرب):

“كل يوم أستيقظ على أمل أن يكون الغد أفضل. لكن الواقع هنا صعب للغاية.”

مطالبات بتعزيز حماية اللاجئين
أطلق مهتمون بقضايا حقوق الإنسان وخبراء قانونيون، في تصريحات خاصة لـ”الغد السوداني”، سلسلة توصيات ومناشدات تهدف لتحسين أوضاع اللاجئين السودانيين في دول شمال إفريقيا، وسط تزايد التحديات التي يواجهونها بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتدهورة.

توفير الحماية القانونية

أكد الخبراء ضرورة التزام حكومات دول شمال إفريقيا بتسهيل إجراءات اللجوء، وتوفير الحماية القانونية اللازمة لطالبي اللجوء واللاجئين السودانيين، بما يضمن لهم حق الإقامة الآمنة والحصول على الوثائق القانونية التي تتيح لهم الاستفادة من الخدمات الأساسية.

زيادة الدعم الدولي

دعا الخبراء المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنسانية، ودعم برامج المنظمات الدولية لتحسين الظروف المعيشية والصحية للاجئين السودانيين في دول العبور مثل ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا، التي تعاني من ضغوط متزايدة بسبب ارتفاع أعداد اللاجئين.

مكافحة تجارة البشر

أشار القانونيون إلى أهمية اتخاذ إجراءات صارمة ضد شبكات التهريب والميليشيات المسلحة التي تستغل اللاجئين في أنشطة الاتجار بالبشر والابتزاز، وطالبوا الحكومات بتفعيل آليات رقابة فعّالة وتعاون دولي لمحاربة هذه الظاهرة.

تعزيز التوعية المجتمعية
حث الخبراء وسائل الإعلام والحكومات في دول العبور على إطلاق حملات توعوية لتشجيع المجتمعات المحلية على احترام حقوق اللاجئين، والحد من الممارسات العنصرية التي يتعرض لها السودانيون وغيرهم من المهاجرين في المنطقة.

نداء إنساني
طالب الخبراء بتعزيز جهود إعادة التوطين في بلدان آمنة للاجئين الذين يواجهون ظروفًا قاسية، مع التركيز على تقديم دعم نفسي واجتماعي للاجئين الذين يعانون من الصدمات نتيجة الحروب وأوضاع النزوح.

واختتمت التوصيات بنداء موجه للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه أزمة اللاجئين السودانيين، داعين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى تكثيف جهودها لمساعدة اللاجئين وتخفيف الأعباء عن دول شمال إفريقيا التي تعاني من نقص في الموارد والخدمات.

أمل يضيء طريق العتمة

بين الحرب في السودان والمعاناة في دول اللجوء، يعيش اللاجئون السودانيون واقعًا مأساويًا يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي. قصص كمال، خليفة، محمود، مختار، والشيخ ليست سوى أمثلة بسيطة على حجم المأساة. ورغم كل التحديات، لا يزال الأمل يضيء طريق هؤلاء اللاجئين، منتظرين يومًا تعود فيه الحياة إلى وطنهم ليبدأوا من جديد.

الغد السوداني

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا