آخر الأخبار

الجيش السوداني يقلب موازين القوى ويغير خريطة السيطرة

شارك الخبر

قلب الجيش السوداني في الأيام الأخيرة وبشكل متسارع موازين الحرب، وغير خريطة السيطرة والانتشار في معركته الممتدة مع مليشيا الدعم السريع والمستمرة منذ نيسان/إبريل 2023.

وأمس الجمعة، حقق الجيش أكبر اختراق عسكري له في العاصمة الخرطوم، بعد أن تمكن مع القوات المتحالفة معه من فك الحصار عن مقرين له، الأول مقر قيادته وسط الخرطوم والثاني مقر سلاح الإشارة، والربط بين المقرين ومقر قيادته العسكرية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، شمال أم درمان، كما أعاد السيطرة على مصفاة الجيلي وما حاولها من مناطق سكنية وعسكرية.

وكان مقر قيادة الجيش قد تعرض للحصار منذ الأيام الأولى للحرب، وبداخله زمرة من قادة الجيش بمن فيهم قائده العام الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه الجنرال شمس الدين الكباشي ورئيس هيئة الأركان الجنرال محمد عثمان الحسين ونخبة أخرى من كبار الضباط، قبل أن يتمكن كل من البرهان والكباشي من الخروج من المقر في وقت لاحق، والتوجه Ygn بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، شرقي السودان.

الصورة
قائد الجيش السوداني البرهان في بورتسودان، 14 يناير 2025 (Getty)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، 14 يناير 2025 (Getty)
وفي الوقت ذاته الذي حوصرت فيه القيادة العامة وسلاح الإشارة، وسلاح المدرعات جنوب الخرطوم، سقطت كبريات المدن السودانية ومقرات الجيش والفرق العسكرية على يد الدعم السريع، خصوصاً في دارفور وكردفان، وحتى ولاية الجزيرة، وسط السودان، وأجزاء من ولاية سنار، جنوب شرق البلاد. وطوال عام من الحرب التي اندلعت في 15إبريل/نيسان، لم يحقق الجيش أي تقدم يذكر سوى استعادة مقر الإذاعة القومية والتلفزيون ومناطق أخرى بأم درمان، وذلك في مارس/آزار 2024، واحتفظ بتكتيك دفاعي للمحافظة على بقية المقرات العسكرية.

لكن ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، استعاد الجيش السوداني تجميع صفوفه، وامتلك زمام المبادرة، وفتح جبهات هجوم واسعة ومتعددة، تمكن خلالها في محور العاصمة الخرطوم، من التقدم وإحكام سيطرته على جسرين مهمين هما جسر الحلفايا للوصول إلى مدينة الخرطوم بحري، وجسر النيل الأبيض للوصول إلى مناطق وسط الخرطوم، وبعد عبوره جسر الحلفايا بدأ تحرير أحياء المدينة واحداً تلو الآخر، حتى وصل، أمس الجمعة، إلى مقر سلاح الإشارة، جنوب بحري، والمربوط أصلاً بمقر قيادة الجيش وسط الخرطوم، ما يجعله في موقع قوة أكبر داخل كل الخرطوم، ويفتح خطوط الإمداد له لتحقيق مزيد من الانتصارات، وإعادة السيطرة على القصر الرئاسي، ومطار الخرطوم، والربط مع سلاح المدرعات.

ولم تكن عمليات الجيش حصراً على الخرطوم، فقد تزامنت، عمليات سبتمبر/أيلول مع عمليات هجوم أخرى للجيش نجح فيها في بتحرير مدن كبرى جنوب شرق البلاد، مثل السوكي، والدندر، وسنجة عاصمة ولاية سنار، ومنطقة جبل موية الاستراتيجية. وفي 11 يناير/كانون الثاني، حقق نصراً أهم بتحرير مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، ثاني أكبر المدن السودانية. وهو الآن يتأهب في الوقت ذاته لتحرير بقية مدن الولاية.

في المقابل، تبدو قوات الدعم السريع، أكثر تركيزاً في جهدها العسكري على السيطرة على مدينة الفاشر، بوصفها آخر معقل للجيش في ولايات دارفور الخمس، وبدأ ذلك التركيز منذ شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين. وشن منذ ذلك الوقت وحتى الآن ما يزيد عن 170 هجوماً تصدى لها الجيش بدعم من قبل القوات المشتركة التي تضم حركات مسلحة لديها خبرة كبيرة في القتال، اكتسبتها من حربها الطويلة ضد الحكومة المركزية منذ العام 2003. وشهد يوم الجمعة، القتال الأعنف في الفترة الأخيرة، حيث شن الدعم السريع هجوماً جديداً على المدينة، وفشل مرة أخرى كما أعلنت ذلك القوات المشتركة التي تحدثت عن مقتل أكثر من 70 شخصاً من المدنيين.

ويعزو مراقبون تركيز الدعم السريع على مدينة الفاشر، إلى مسعى من المليشيا لتعزيز رغبتها في إعلان حكومة موازية تكون قاعدتها في دارفور، بمساندة من حركات مسلحة وأحزاب سياسية قريبة منها، وذلك في تكرار للنموذج الليبي.

ما وراء انتصارات الجيش السوداني
ومع معطى تقدم الجيش السوداني وتراجع الدعم السريع، وحتى عدم اعترافه بالهزائم الأخيرة، يبقى مهما معرفة مصادر القوة الجديدة التي رجحت كفة الجيش، وعززت تقدمه الأخير خاصة في الخرطوم، وما يمكن أن يضيفه ذلك في رسم الوضع في المستقبل.

يقول الخبير العسكري شاكر شمس الدين، إن انتصارات الجيش الأخيرة ذات قيمة استراتيجية كبيرة، وترجع إلى العمل الكبير الذي قام به مع القوات المشتركة وبقية القوات والمتقاعدين، وتؤكد جدوى خبرة الجيش وصلابته الممتدة لمائة عام، مضيفاً أن الربط بين مقر القيادة وبقية المناطق العسكرية سيكون له تأثير قوي في كسب بقية المعركة سواء في ما تبقى من الخرطوم أو دارفور والنيل الأبيض.

وبين شمس الدين لـ”العربي الجديد”، أن “أمام الجيش مهمة كبيرة متبقية بالعاصمة في التمشيط وإزالة الأجسام المتفجرة وتحقيق الاستقرار تمهيداً لعودة النازحين”. وأوضح أن قلب الموازين لصالح الجيش خلال المعركة يعود أولاً لوقفة الشعب مع جيشه، والتغيير في الخطط والتكتيكات بفتح عدد من المحاور في آن واحد وتفعيل أدوات الاستطلاع والاستخبارات، وزيادة التسليح وتفعيل عمل المدفعية التي لعبت دوراً مهماً جنباً إلى جنب مع سلاح الطيران.

سياسياً، ترى قوى سياسية في تقدم الجيش الأخير، “فتوحات كبيرة”، تمهد الطريق نحو إجراءات سياسية تعيد الأمن والاستقرار. وقال محمد أبوزيد كروم، رئيس حزب منبر السلام العادل، إن انتصارات الأمس، هى انتصارات مفتاحية للتحرير الكامل، لأنها تشابكت فيها مقار الجيش بين أم درمان والخرطوم بحري والقيادة العامة بعد انقطاع طويل، معتبراً ذلك “مقدمة لتحرير الخرطوم”.

وأوضح كروم لـ”العربي الجديد”، أن “انتصارات الجيش ستقوي الخيارات الوطنية في التوافق السياسي لأنها ستمنع التدخل الخارجي والابتزاز، وستضعف صف حواضن المليشيا من الأحزاب السياسية التي تسعى لفرض خياراتها عبر الدعم السريع”، مشيراً إلى أن العملية السياسية القادمة ستبنى على ثوابت وطنية وأجندة حقيقية مرتبطة بالسودانيين، “ولن يكون فيها مكان لمن خان أو خذل السودانيين وناصر التمرد”. وقال إن “من سيفرض هذه الشروط هو الشعب السوداني لا غيره”.

لكن شهاب إبراهيم الطيب، القيادي بقوى الحرية والتغيير، لا يرى في التحركات العسكرية باباً لمدخل تفاوضي ظلت تنادي به حركته منذ وقت طويل. وأشار الطيب لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الأمر مرتبط بطرفي الحرب اللذين دخلاها على حساب حل تفاوضي ممثلاً في اتفاق إطاري تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2022″، مضيفاً أن كل طرف لديه أهدافه الخاصة من الحرب.

وتوقع الطيب تصاعد الضغوط الدولية على كل من الجيش السوداني والدعم السريع للجلوس للتفاوض والوصول إلى وقف لإطلاق النار، ولو حدث ذلك بحسب تقديره، فإنه “لن يحقق سلاماً حقيقياً، إلا إذا وجد اتفاق شامل ينص أولاً على وجود جيش وطني واحد، ويضمن معالجة آثار الحروب التاريخية في البلاد بما فيها الحرب الأخيرة، محذراً من مغبة “تفريخ مليشيات جديدة ظهرت ما بعد حرب 15 إبريل”.

وأضاف الطيب أن “القوى المدنية مشغولة ومهمومة، مع التصعيد الأخير، بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية لهم، ووقف كافة أشكال الانتهاكات بحقهم، وذلك قبل الوصول إلى حل سياسي شامل”.

العربي الجديد

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا