بعد نحو أسبوع من استعادة الجيش السوداني السيطرة على ود مدني بولاية الجزيرة (وسط)، كُشفت انتهاكات ارتكبها في المدينة.
أظهرت مقاطع فيديو، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إنها تأكدت من صحتها، جانبا من تلك الانتهاكات.
وفي إحداها، ظهرت مجموعة من جنود الجيش يُجبرون رجلاً على وضع حبل في فمه (مثل اللجام)، قبل أن يلقوه من أعلى جسر هنتوب ويطلقون النار عليه عقب سقوطه في الماء، كما تُظهر لقطات أخرى أكواما مُبعثرة من جثامين القتلى الحُفاة ملقاة بشكل عشوائي، وفي مشهد مروع آخر ينحني جندي على أسير مقيد ويحاول نحره بسكين بينما تتلاشى صرخات الضحية.
الظلام يلف السودان مجددا.. المسيرات تفاقم الأزمة
وقالت الصحيفة الأمريكية إن هذه المشاهد المرعبة من العنف الانتقامي، التي تحقق منها المركز المعني بمرونة المعلومات في لندن (CIR)، وتأكدت من صحتها واشنطن بوست، توثق ما حدث الأسبوع الماضي بعد استعادة الجيش مدينة ود مدني، التي كانت تحت سيطرة قوات “الدعم السريع” منذ عام.
خلفية الصراع
تأتي هذه الأحداث في خضم الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، الذي اندلع في أبريل/نيسان 2023، وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص وتشريد أكثر من 11 مليوناً.
واتهمت الإدارة الأمريكية طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب، وفرضت مؤخراً عقوبات على محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، كما فرضت يوم الخميس الماضي عقوبات مشابهة ضد الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني.
ورغم انقطاع الاتصالات في ود مدني تشير التقارير إلى انتشار أعمال قتل واعتقالات واسعة النطاق.
ووصف شهود عيان هجمات استهدفت المدنيين، خاصة من يُشتبه في انتمائهم أو علاقتهم بقوات “الدعم السريع”، وتظهر مقاطع الفيديو أشخاصاً مقيدين ويتعرضون للتعذيب على أيدي جنود الجيش، إلى جانب جثث ملقاة في الشوارع وأخرى بجانب نقاط تفتيش.
ولم تتمكن واشنطن بوست من التواصل مع أشخاص ما زالوا داخل المدينة لتقييم حجم الحملة التي شنها الجيش بشكل كامل، إلا أن أحد السكان الفارين، الذي تحدث مع أقارب هربوا أيضا من المدينة، أفاد بوجود حملة اعتقالات وقتل واسعة النطاق نفذتها القوات العسكرية، لافتا إلى أن شقيقه قد اعتُقل.
وأفاد أحد الفارين من المدينة بأن أقارب المجندين المشتبه فيهم من قوات “الدعم السريع” كانوا أهدافا رئيسية للجيش.
وأضاف “عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة أجبرت الناس على الخروج، لذا.. عندما وصل الجيش انضم بعض الأشخاص إليه للانتقام من قوات الدعم السريع”.
وبدا أن تلك المقاطع المصورة أجبرت الجيش على إصدار بيان نادر، أدان فيه أعمال العنف، لكنه لم يتحمل المسؤولية مباشرة عنها.
وقال الجيش، في البيان: “تدين القوات المسلحة الانتهاكات الفردية التي وقعت مؤخرا في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب تحرير مدينة ود مدني، وتؤكد التزامها الصارم بالقانون الدولي وحرصها على محاسبة أي شخص متورط في أي انتهاكات”.
إعدامات وحشية
وفي أحد المقاطع يظهر شاب ممددا على الطريق، وجهه ملطخ بالدماء، ويتوسل من أجل حياته، وفيما يطرح عليه الجنود أسئلة عن شخص يُعرفه بأنه والده، أطلقوا عليه 30 رصاصة على الأقل.
وتُظهر لقطات أخرى نحو 19 جثة متناثرة بين سيارات مدمرة، وأخرى بجوار أدوات شخصية مثل فرشاة ومعجون أسنان.
وبالقرب من نقطة تفتيش بدائية شوهدت 48 جثة لشباب، بعضها مصابة برصاصات في الرأس، وجميعهم كانوا حُفاة ويرتدون ملابس مدنية.
الكنابي هدف أساسي
وينتمي العديد من الضحايا إلى مجموعة تعرف باسم “الكنابي”، وهم عمال مهاجرون من جنوب السودان ودارفور، يعيشون منذ أجيال في مناطق زراعية دون حقوق سياسية أو ملكية أراضٍ.
وتشير التقارير إلى أن الجيش السوداني استهدف منازل الكنابي، وارتكب مذابح في مناطق مثل “مخيم طيبة”، حيث قُتل 12 شخصا بينهم أطفال.
وأدى الصراع إلى انتقال العنف إلى دول مثل جنوب السودان، حيث تعرض اللاجئون السودانيون لهجمات انتقامية من مجموعات محلية.
وفي مدينة جوبا، وقعت أعمال شغب وهجمات بالأسلحة البيضاء استهدفت اللاجئين السودانيين، كما فرضت الشرطة في جنوب السودان حظر تجول لاحتواء التوترات.
ويعاني السودان حاليا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع تفاقم المجاعة ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى ملايين الأشخاص، ووصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الوضع بأنه “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”.
وحسب “واشنطن بوست”، تشير هذه الأحداث إلى مدى الانقسامات العرقية والاجتماعية في السودان وتكشف عن وحشية الصراع الجاري، الذي تسبب في تدمير النسيج الاجتماعي وزيادة معاناة المدنيين، بينما لا تبدو أي حلول سياسية في الأفق.
العين الاخبارية