وجهت الولايات المتحدة رسالة قوية لقائد الجيش السودان عبدالفتاح البرهان من خلال العقوبات مفادها أن ما يهم واشنطن ليس الأشخاص ولكن السياسات الميدانية التي تراعي حقوق المدنيين، والتي تبحث عن دعم مسار الحل التفاوضي وليس عرقلته.
الخرطوم- تخلت الإدارة الأميركية في الأمتار الأخيرة من عهد الرئيس جو بايدن عن الجزرة التي لوحت بها لقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وفرضت عليه عقوبات قاسية، بما يؤكد اللجوء إلى سلاح العصا، وأن هذه الخطوة تمهد الطريق لاستخدامها في التعامل مع الجيش بعد أن فوّت فرصا عدة لوقف الحرب، وتهيّئ الأجواء أمام الرئيس دونالد ترامب لحسم مصير الصراع في السودان.
وأعربت وزارة الخارجية والجيش بالسودان عن رفض الحكومة (حكومة الأمر الواقع في بورتسودان) للعقوبات بحق رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان.
وقال الجيش في بيان له الجمعة “تستنكر القوات المسلحة القرار الجائر الذي صدر من قبل وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات ضد رئيس مجلس السيادة.. ونستهجن الإشارة إلى أيّ إجراءات يمكن أن تمسّ أيّا من قادة القوات المسلحة“.
وأكدت الخارجية في بيانها أن القرار “يفتقد لأبسط أسس العدالة والموضوعية، ويستند على ذرائع واهية لا صلة لها بالواقع.. وينطوي على استخفاف بالشعب السوداني“.
وجاءت هذه المواقف بعد أن قالت وزارة الخزانة الأميركية، الخميس، إنه تم تصنيف البرهان، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، لكونه شخصا أجنبيًا أو كان قائدا أو مسؤولا أو ضابطا تنفيذيا كبيرا أو عضوًا في مجلس إدارة القوات المسلحة، وهي كيان شارك، أو شارك أعضاؤه، في أعمال أو سياسات تهدد السلام في السودان.
وأوضحت أن القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان “ارتكبت هجمات مميتة على المدنيين، وشنت غارات جوية ضد البنية التحتية، والمدارس والأسواق والمستشفيات“. وقال عضو الهيئة التنفيذية لتنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) محمد الهادي محمود إن إدارة جو بايدن لم تكن على المستوى المطلوب بشأن التعامل مع السودان، وكانت مثل “البطة العرجاء”، وقبل تسليم السلطة سعى الرئيس الأميركي لوضع بعض المساحيق لتجميل الصورة، وقام بفرض عقوبات على الطرفين المتصارعين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القوات المسلحة السودانية لم تستطع السيطرة على الميليشيات التي تعمل معها على الأرض، وفي السودان نحو 20 ميليشيا حاليا، وساهمت الانتهاكات التي وقعت في مدنية ود مدني مؤخرا في اتخاذ قرار العقوبات ضد البرهان، ولعل طرفا الحرب يدركان أن البلاد إما أن تكون أو لا تكون.
محمد الهادي محمود: إدارة جو بايدن لم تكن على المستوى المطلوب بشأن التعامل مع السودان
وأشار إلى أن العقوبات الأميركية تبرهن على تراجع حظوظ قائدي الجيش والدعم السريع في المشهد السياسي مستقبلا، وأن البحث عن حلول ووقف الحرب الخيار الأسلم للسودان حاليا.
ولفت إلى أن العقوبات عامل مؤثر لأنها سند للإدارة الأميركية الجديدة المعروف عنها اتخاذ أفعال وليس محاولات لا تفضي إلى شيء مثلما الوضع بالنسبة إلى إدارة بادين، وأن استباق وصول ترامب بتوقيع عقوبات يشكل ضغطا قويا لإنهاء الحرب، فالولايات المتحدة تملك حسابات أخرى في اليمن والبحر الأحمر لا تنفصل كثيرا عمّا يدور في السودان، وتحاول حسم الأمور بما يخدم مصالحها الحيوية في المنطقة، عبر تضييق الخناق لوقف الحرب في السودان.
ووسّعت واشنطن عقوباتها لتشمل من ساعدوا الجيش، حيث أعلنت عن فرض عقوبات على السوداني أحمد عبدالله، الذي يحمل الجنسية الأوكرانية، وهو مسؤول في نظام الصناعات الدفاعية (حكومية)، الذراع الأساسية للمشتريات للجيش السوداني، ومتهم بشراء أسلحة له، من مورّد خاضع للعقوبات، وعلى شركة “بورتكس تريد ليميتد” ويسيطر عليها عبدالله، ومقرها في هونغ كونغ.
وأدار أحمد عبدالله عملية شراء طائرات مسيرة إيرانية الصنع من شركة دفاع أذرية لشحنها إلى السودان، وفُرضت على شركته عقوبات أميركية في يونيو 2023، عندما حاولت شراء الأسلحة والمعدات بطرق غير رسمية لتجاوز العقوبات.
وتحظر العقوبات الأميركية جميع الممتلكات والمصالح في الولايات المتحدة، وأي كيانات مملوكة بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل فردي أو في المجموع، بنسبة 50 في المئة أو أكثر من قبل شخص أو أكثر من الأشخاص المحظورين.
أيوب نهار: العقوبات على البرهان ضربة سياسية كبيرة له
وتكشف العقوبات أن الولايات المتحدة مصممة على محاسبة المسؤولين عن الفظائع التي ارتكبت في السودان ودعم الانتقال الديمقراطي والمدني، وتسلط الخطوة الجديدة ضد البرهان الضوء على التزام واشنطن بالتوصل إلى وضع حد للصراع في السودان.
وتقول تقارير محلية إن أحد أهداف العقوبات المفروضة على البرهان هو إظهار أن واشنطن لا تنحاز لأيّ طرف، حيث أعلنت وزارة الخزانة في السابع من يناير الجاري فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) “لدوره في زعزعة الاستقرار وتقويض الانتقال الديمقراطي في السودان“.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن “واصل أفراد القوات المسلحة بقيادة البرهان ارتكاب فظائع عبر استهداف مدنيين وبنية تحتية مدنية وإعدام مدنيين.. واستخدموا التجويع تكتيك حرب وعرقلوا جهود السلام“.
وعبّر بلينكن عن “أسف حقيقي” بسبب الفشل في إنهاء الحرب، واضعا أملا على أن تواصل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب محاولاتها لتحقيق السلام في السودان.
وانخرطت الولايات المتحدة في محاولات وساطة لوقف الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، وامتنعت لفترة طويلة عن فرض عقوبات على قيادة الجيش السوداني، لكن تبدو عازمة الآن على مواصلة استخدام العصا لتعطيل تدفق الأسلحة إلى السودان، وتحميل قادته المسؤولية عن تجاهلهم الصارخ لأرواح المدنيين.
واعتبر مستشار قائد قوات الدعم السريع أيوب نهار في تصريحات إعلامية له أن العقوبات على البرهان “ضربة سياسية كبيرة له،” وتحمل في طياتها دلالات عميقة تشير إلى إمكانية اتخاذ خطوات إضافية حال تجاهل البرهان دعوات السلام.
وحاولت الولايات المتحدة بالتعاون مع قوى إقليمية مرات عدة دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات، إلا أن الجيش رفض معظم المحاولات، وأبرزها محادثات جرت في جنيف أغسطس الماضي، استهدفت تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
واتهم خبراء في حقوق الإنسان وسكان محليون الجيش بشن ضربات جوية عشوائية وهجمات على مدنيين، وأحدثها هجمات انتقامية في ود مدني قبل أيام.
◄ العقوبات الأميركية تبرهن على تراجع حظوظ قائدي الجيش والدعم السريع وأن البحث عن حلول ووقف الحرب الخيار الأسلم للسودان
العرب