يعيش السودان اليوم إحدى أحلك مراحله التاريخية، حيث تتشابك خيوط الصراع على السلطة مع أهوال الجرائم الإنسانية التي تُرتكب بدم بارد. ففي هذا السياق، لعبت الحركة الإسلامية دورا محوريا في تعميق المأساة، ليس فقط من خلال استهدافها المباشر لمكتسبات الثورة السودانية في 2019، بل عبر تنفيذ مخططات منظمة هدفها القضاء على أيّ بارقة أمل نحو التغيير.
منذ الإطاحة بنظام الحركة الإسلامية في 2019، لم تَدَّخر هذه الحركة جهدا لإفشال الفترة الانتقالية. وقد وجدت ضالتها في التنسيق مع بعض أعضاء المجلس العسكري الذين تماهوا مع أجندتها الرامية إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فكان انقلاب أكتوبر نقطة تحول خطيرة، إذ أعاد البلاد إلى حالة من الفوضى السياسية والأمنية. هذا الانقلاب لم يكن مجرد خطوة انقلابية تقليدية، بل هو نتاج إستراتيجية مدروسة تهدف إلى زعزعة الاستقرار وخلق مناخ يسمح بعودة الإسلاميين إلى المشهد.
مع اشتعال الحرب في السودان، اتضحت معالم المشروع الحقيقي للحركة الإسلامية. لم تكن هذه الحرب مجرد صراع عسكري تقليدي؛ بل كانت جزءا من حملة منظمة تهدف إلى القضاء على شعارات الثورة وشعبها. تحت غطاء الحرب، شنت الحركة الإسلامية عمليات اعتقال وتصفيات جسدية ضد كل من يخالفها الرأي أو يُشتبه في تعاطفه مع الثورة. وقد وثّقت مقاطع الفيديو التي تم تداولها فظائع تُدمي القلوب، وتعكس انحدارا أخلاقيا غير مسبوق.
◄ ما يحدث في السودان اليوم هو لحظة اختبار حقيقية ليس فقط للشعب السوداني، بل أيضا للمجتمع الإنساني ككل
مدينة مدني، التي كانت رمزا من رموز المقاومة المدنية، تشهد اليوم انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. الإعدامات الميدانية أصبحت مشهدا مألوفا في شوارعها، حيث يُقتل أيّ شخص يُشتبه فيه دون تقديمه لمحاكمة عادلة. لم تتوقف الجرائم عند هذا الحد، بل تعدتها إلى ممارسات تعكس مدى وحشية المخطط الذي تنفذه الحركة الإسلامية. هذه الجرائم ليست عشوائية، بل تأتي ضمن خطة ممنهجة هدفها الانتقام من الشعب الذي تجرأ على اقتلاع نظامهم.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد جرائم حرب عابرة، بل هو سعي حثيث من قبل الحركة الإسلامية لفرض سياسة العقاب الجماعي ضد الشعب السوداني. هذه السياسة تستهدف ليس فقط معاقبة من شارك في الثورة، بل أيضا إخماد أيّ روح للمقاومة قد تتجدد في المستقبل. تتحرك كتائب الإسلاميين في البلاد وكأنها آلة قتل تسعى إلى إخماد جذوة الحياة في كل البقاع التي تصلها.
مع تفاقم هذه الجرائم، يواجه السودان خطر الغرق في مستنقع لا نهاية له من العنف والفوضى. إن استمرار هذه الممارسات يهدد ليس فقط وحدة البلاد، بل أيضا وجودها ككيان سياسي واجتماعي. ومع ذلك، فإن إرادة الشعوب أثبتت عبر التاريخ أنها أقوى من أيّ طغيان. الثورة السودانية التي أطاحت بالإسلاميين في 2019 كانت تعبيرا عن هذه الإرادة، ولا يزال الأمل قائما في أن الشعب السوداني سيجد طريقه مرة أخرى نحو الحرية.
إن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الجرائم يُعد بمثابة تواطؤ غير مباشر. ينبغي على المنظمات الدولية والإقليمية أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه الشعب السوداني. يجب توثيق هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية، وضمان عدم إفلات أيّ طرف من العقاب.
ما يحدث في السودان اليوم هو لحظة اختبار حقيقية ليس فقط للشعب السوداني، بل أيضا للمجتمع الإنساني ككل. في مواجهة هذا الظلام، يظل الأمل معقودا على وعي الشعب السوداني وإرادته الصلبة في مواجهة الاستبداد. قد تكون الطريق طويلة وشاقة، لكن الشعوب التي تؤمن بحقها في الحياة والحرية لا تُهزم أبدا.
العرب