تمكّن الجيش السوداني من استعادة مدينة “ود مدني” ثاني أكبر مدن السودان من حيث الكثافة السكانية، بعد نحو عام من سيطرة قوات الدعم السريع عليها، الأمر الذي يثير تساؤلات عن الأهمية الاستراتيجية لود مدني، وأثرها على سير المعارك المستمرة في البلاد منذ أبريل/نيسان 2023.
وأعلن الجيش السوداني في تصريحات له بعد استعادة مدينة ود مدني، أن “الطريق إلى الخرطوم بات مفتوحاً”، ليعلن بذلك هدف معاركه المقبلة، بعد تحقيق الانتصار الأخير على قوات الدعم السريع التي تسيطر على غالبية مناطق العاصمة.
من ناحية جغرافية، فإن لمدينة ود مدني التي تقع في ولاية الجزيرة غربي العاصمة الخرطوم، أهمية استراتيجية كبيرة، إذ إنها تربط بين 4 ولايات سودانية.
تربط ود مدني بين 4 ولايات في السودان، بينها العاصمة/ عربي بوستأعلن الجيش السوداني السبت، 11 يناير/ كانون الثاني 2025، استعادة السيطرة على ود مدني من قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر عليها منذ ديسمبر/كانون الأول 2023
ود مدني هي عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، وثاني أكبر المدن السودانية من حيث الكثافة السكانية وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم.
وتربط المدينة بين 4 ولايات، هي الخرطوم، والقضارف، وسنار، والنيل الأبيض.
ويعد السيطرة عليها، حاجزاً أمام محاولة قوات الدعم السريع التمدد شرقاً.
خريطة موقع مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في السودان/ عربي بوستبعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، فإن خريطة النفوذ في السودان تغيرت.
بات الجيش السوداني يسيطر على ولايات الجزيرة، والبحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، والشمالية، وسنار.
في المقابل، تسيطر قوات الدعم السريع على غالبية ولايات إقليم دارفور، باستثناء ولاية شمال دارفور.
في حين يتقاسم الطرفان السيطرة على كل من العاصمة الخرطوم، وولايات النيل الأبيض وكردفان، وشمال دارفور، وولاية نهر النيل، والنيل الأزرق.
مناطق السيطرة في السودان بعد استعادة الجيش لود مدني/ عربي بوستتحدثت مصادر عسكرية من الجيش السوداني، لـ”عربي بوست”، عن أهمية السيطرة على ود مدني، من الناحية العسكرية، موضحة أن “تحرير المدينة يُعد خطوة مهمة لتحرير كافة مدن البلاد من قبضة المليشيا المتمردة، بما في ذلك مدن ومناطق إقليم دارفور غربي البلاد”، على حد قولها.
وقالت مفضّلة عدم ذكر اسمها، إن “هدف القوات المسلحة، بعد تحرير وسط البلاد، هو ربط وسط وغرب البلاد عبر الطريق القومي الرئيسي، وقطع طرق الإمداد كافة للدعم السريع”.
وأشارت إلى أن قوات الدعم السريع كانت تعتمد على مدينة ود مدني كمخازن للسلاح والعتاد، وأن خسارتها تعني خسارة استراتيجية لهذه القوات.
في تطور لافت، أغلق نائب قائد الجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين كباشي، باب التفاوض مع قوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن الجيش سيتجه من ود مدني إلى الخرطوم.
وأشار الكباشي إلى أن قوات الدعم السريع انسحبت شمالاً باتجاه الخرطوم، حيث من المتوقع أن تكون الساحة المقبلة لمعارك كبرى. وأوضح أن الجيش يحقق تقدماً استراتيجياً في شمال الخرطوم، بما في ذلك السيطرة على سلسلة جبال البكاش، المحيطة بمصفاة الجيلي.
من جانبه، علّق قائد قوات الدعم السريع، محمد دقلو “حميدتي”، على استعادة الجيش لود مدني، أن “الحرب كر وفر، وأن خسارة المعركة لا تعني خسارة الحرب”، مشيراً إلى أن قواته “ستستمر في القتال حتى تحرير كل شبر من الجيش”، على حد تعبيره.
من جهته، لفت الخبير العسكري الاستراتيجي السوداني اللواء أمين إسماعيل مجذوب، في حديثه لـ”عربي بوست”، إلى أن “استعادة الجيش السوداني السيطرة على ود مدني تغير ميزان القوى والوضع العسكري للحرب، لما لها من أهمية ومكانة استراتيجية”.
وأوضح أن ذلك نتيجة “قطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع واختفاء القيادة المركزية لها، إذ إنها فقدت أغلبية القيادات المؤثرة، وأصبحت كل مجموعة تتحرك من تلقاء نفسها”.
وأضاف أن “الرغبة الشعبية بالتخلص من الدعم السريع في تلك المناطق، كان لها دور في عودة انتصارات الجيش السوداني، بسبب جرائم الدعم السريع هناك، بالإضافة إلى أنها ارتكبت خطأ كبيراً بدخولها قرى وأماكن لا تعرفها”.
وأكد مجذوب، وهو أيضاً خبير في إدارة الأزمات والتفاوض في “مركز البحوث الاستراتيجية”، أن “استعادة الجيش السوداني ود مدني ستفتح الباب أمامه لتحقيق المزيد من الانتصارات، واستعادة السيطرة على المزيد من المدن” خلال الأيام المقبلة.
لفت كذلك إلى أن “نجاح الجيش في قطع الإمدادات الخارجية عن قوات الدعم السريع، من خلال السيطرة على ود مدني، سيكون له دور في مستقبل الحرب، لصالح الجيش”.
وقال إن الجيش السوداني قام قبل سيطرته على ود مدني “بتعطيل مطار أم جرس الذي كانت تستقبل قوات الدعم الإمدادات الخارجية منه، وقام بتدمير قاعدة الزُرق بشمال دارفور، وأغلق الطرق نحو جنوب السودان، وذلك في سبيل خنق قوات الدعم السريع”.
ورجّح اللواء مجذوب أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة “الكثير من الانتصارات للجيش السوداني، واستعادة المزيد من المناطق والمدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بعد تحرك قوات الجيش نحو ولاية الخرطوم، ونحو ولاية الفاشر، لفك حصار الدعم السريع عنها”.
احتفل نازحون سودانيون في مدن عدة داخل السودان وخارجها، باستعادة الجيش لمدينة ودي مدني، مبدين أملهم بالعودة إلى مناطقهم، بعد نزوح استمر لشهور طويلة، عقب فرارهم منها، بسبب سيطرة قوات الدعم السريع سابقاً عليها.
وتسببت الحرب في السودان بأكبر أزمة نزوح في العالم، وبأزمة إنسانية كبيرة وفق الأمم المتحدة، التي تقدر بأن أكثر من 30 مليون سوداني، نصفهم من الأطفال، بحاجة إلى المساعدة، بعد 20 شهراً من الحرب.
أزمة النزوح في السودان هي الأشد على مستوى العالم بحسب الأمم المتحدة/ رويترززادت الأمور سوءاً على صعيد النزوح، حين سيطرت قوات الدعم السريع على ود مدني عام 2023 على ود مدني، التي كانت مركزاً لاستقبال النازحين من المعارك في العاصمة الخرطوم.
ومن المرتقب، أن يكون لاستعادة ود مدني دور كبير في عودة النازحين السودانيين، بحسب تصريحات للجيش السوداني.
وتعهد الجيش السوداني بعودة الخدمات سريعاً إلى ود مدني بعد استعادة السيطرة عليها.
يذكر أن تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بما يتعلق بالحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، أنها خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ.