آخر الأخبار

رحلات الموت.. كيف يصل اللاجئون السودانيون إلى مصر عبر التهريب؟

شارك الخبر

رافق مراسل “دارفور24″ أحد رحلات تهريب السودانيين إلى دولة مصر، التي انطلقت من مدينة بورتسودان وامتدت لثلاثة أيام، قبل الوصول إلى الحدود المصرية، حيث واجه خلالها اللاجئون الموت أكثر من مرة.

وأجبرت الحرب المستمرة في السودان، الملايين على الفرار من منازلهم عبر رحلات تهريب مضنية يواجهون خلالها الموت، بحثًا عن ملاجئ آمنة فى دول الجوار كـ”مصر” التي تعتبر واحدة من أكثر الدول استقبالًا للاجئين السودانيين.

وبرغم التوصيف القانوني للتهريب الذي يسلكه السودانيين في طريقهم إلى مصر، بأنه عملية هجرة غير شرعية، إلا أنه أصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة امامهم فى ظل صعوبة الدخول عبر الطرق الرسمية.

وترافقت عدة أسباب أجبرت السودانيين على الوصول إلى مصر عبر التهريب، منها ايقاف منح تأشيرات الدخول للسودانيين، وارتفاع تكلفتها، فضلًا عن الانتظار الطويل الذى يمتد لشهور امام بوابات القنصليات لإكمال الاجراءات الرسمية للدخول.

محطة التهريب

في السوق الشعبي بورتسودان، على الرصيف الشمالي لشارع الأسفلت الرئيس للميناء البرى، تصطف هناك عشرات سيارات التويوتا نصف نقل المعروفة محليا بالبكاسى، يعرف هذا المكان بـ”محطة التهربب”.

تجد الوسطاء وأصحاب السيارات المصطفة، في حركة دائمة لاستقطاب الزبائن وإغرائهم بالميزات الجيدة لسياراتهم كالسرعة وإمكانية الوصول الى اسوان في أقل من يومين، وهى واحدة من أنواع الدعاية التي سرعان ما يكتشف المسافر خداعها مع امتداد الرحلة إلى ثلاثة أيام وأكثر.

ويتهدد المسافرون عبر هذه الرحلة عدة مخاطر منها “دوريات حرس الحدود المصرى التي قد تعيدهم إلى من حيث أتوا، بجانب المسلحين المعروفين بـ”الرباطة” الذين يترصدون المسافرين فى الطرقات ويقومون بنهب ممتلكاتهم، فضلا عن التوهان في البراري الذي قد يكلف المسافرين حياتهم.

وتتراوح تكلفة سفر الشخص الواحد عبر سيارة البوكس من بوتسودان حتى الحدود المصرية، ما بين 200 الى 400 ألف جنيه سوداني، خاضع للتفاوض، ويعتمد على مكان جلوس الراكب، إن كان بالباكابينة الأمامية أم في خلفية السيارة، وما إذا كان الشخص لوحده ام برفقة أسرة وعدد أفرادها، وما إذا كان بصحبة الأسرة أطفال.

ويتم تكديس المسافرون في مساحات ضيقة لا تتناسب مع عددهم حيث يتراوح عدد الركاب في السيارة الواحدة ما بين 20 إلى 22 شخصًا، لكن غالبا ما يجد المسافرين أنفسهم مجبرين على القبول بهذا الوضع.

تبدأ السيارات التي تقل المسافرين في الخروج تباعا من الموقف “محطة التهريب”، منذ الثامنة صباحا وتمتد حتى منتصف النهار، فى شكل مجموعات. تتكون كل مجموعة من أربعة او خمسة سيارات يتقدمها دليل صاحب خبرة في معرفة الطرقات وتضاريس الصحاري والوديان، وينتمى الخبير في الغالب إلى مجموعات بدوية تنشط في مجال التهريب بشرق السودان.

انطلقت السيارة التي رافقها مراسل “دارفور24″ في العاشرة والنصف صباحا، رفقة أربعة سيارات أخرى، حيث كان سائقها دليل الآخرين من المجموعة.

يقول السائق الذي نتحفظ على ذكر اسمه، لـ”دافور24” انه منذ بداية الحرب لم تتناقص أعداد المسافرين إلى مصر، ولم تتوقف رحلات التهريبـ مبينا ان عدد السيارات التى تسافر يوميا تتراوح مابين 25 إلى 30 سيارة، فى تقل مابين 600 الى 700 شخص، نافيا تعرضهم لمضايقات تذكر من جانب السلطات في السودان أو مصر.

طريق السير

تخرج السيارات من مدينة بورتسودان وتتجه شمالا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر (طريق بوتسودان – اوسيف) المعبد، حيث تمر بثلاثة بوابات تفصل بينها مسافات لا تتعدى ثلاثة كيلو مترات بين البوابة والأخرى.

ويقف عند كل بوابة تشكيلة من القوات المسلحة والاستخبارات وشرطة المباحث، يتحتم على السائق التوقف ان يتنحى بسيارته جانبا يتبادل معهم الحديث ويقوم بمنحهم مبالغ من المال قبل أن يسمحون له بالمرور.

في البوابة الأخيرة التي نصب جوارها معسكرًا لقوة كبيرة من الجيش يقودها ضابط برتبة مقدم، توقفت السيارات التي تقل اللاجئين الهاربين، بدأ أفراد الاستخبارات المسؤولين عن البوابة بالتفرس فى وجوه الركاب، أمروا بعضهم خاصة أولئك الذين تشير ملامحهم بالانتماء الى غرب السودان بالنزول والاستطفاف فى صف واحد، وبعد تفتيش الحقائب والمستندات بدأ التحقيق بالسؤال عن القبيلة ومكان الميلاد وغيرها من الأسئلة التي لا تخلوا من نبرة الاستفزاز مع إلقاء التهم للبعض بالانتماء لقوات الدعم السريع.

استغرق التفتيش ما يقارب الـ40 دقيقة، بعدها سُمح للسيارات بالمغادرة، لكن دفع المال كان دائما هو العامل الحاسم فى المرور بالبوابات.

تضاريس قاسية

بعد 6 ساعات من السير المتواصل عبر الطريق الطريق الساحلى المعبد بورتسودان – اوسيف، انعطف رتل السيارات غربا عبر تضاريس قاسية تخللتها سلاسل جبلية ووديان وكثبان رملية، حيث استمرت رحلة السير عبرها 6 ساعات أخرى، ليطل الركاب من السائق ضرورة لأخذ قسط من الراحة، وكان ذلك حوالي الحادي عشرة ليلاً.

إلا أن السائق رفض التوقف بحجة أن المكان غير آمن، وروى قصص عن “الرباطة” المسلحين الذين يقطعون الطرق على المسافرين فى هذه الأماكن ويقومون بسرقة امتعتهم، وأكد وقوع حوداث قتل واشتباكات مسلحة عديدة راح فيها ضحايا، وقد كان حديثه مقنعا بما سمح له مواصلة السير نصف ساعة أخرى قبل أن يتوقف خلف تلة صغيرة، توقفت بعده بقية السيارات ليبيت المسافرون ليلتهم وسط أجواء موحشة والبرد القارس.

التوهان

عند الرابعة من فجر اليوم التالي، انطلقت الرحلة من جديد وسط تضاريس جبلية متشابهة تتخللها وديان وغابات وأثار إطارات لسيارات متقاطعة فى كافة الاتجاهات، وبعد السير لأكثر من ثلاثة ساعات ومع بداية سطوع أشعة الشمس الأولى ايذانا بالشروق توقف السائق فجأة وترجل متفحصا الطريق، وبعد محادثة خاطفة مع السائقين أخبرهم بـ”أننا نسير فى الاتجاه الخاطئ”.

وكان السائق قد لمح مجموعة من الناس على هيئة بدو مما عزز شكوكه فى الطريق غير المالوف له، حيث التف بعدها بسيارته سريعا لتتبعه بقية السيارات.

قال السائق إنه “لم يتذكر ان رأى عرب بدو فى مثل هذه الأماكن من قبل، وتوقع أن يكونوا من قطاع الطرق”.

عادت القافلة الى نقطة الانطلاق الأولى عند الفجر مرة أخرى، فى رحلة استغرقت ثلاثة ساعات أخرى، لتنطلق من جديد عبر الطريق الصحيح الذي يقود الى ما يعرف بسوق “الرتج” الحدودي، الذي وصلناه عند الحادي عشرة نهارا.

ويقع “سوق الرتج” أقصى شمال ولاية نهر النيل فى حدود الولاية المحاذية لجمهورية مصر، وذلك بعد رحلة استغرقت أربعة ساعات.

طوال الطريق إلى “الرتج” تلاحظ أن هناك حركة دائبة لعشرات السيارات معظمها من ماركة التويوتا نصف نقل، وأخرى من “لواري السفنجات” محملة بالوقود المهربة، قادمة إلى سوق “الرتج” الرئيس لتبادل بضائع التهريب القادمة من مصر والسودان.

الجزء الثاني ينشر لاحقا

دارفور24

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

الأكثر تداولا لبنان اسرائيل أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا