يلاحق شبح الموت جوعا مئات الأسر السودانية في منطقة “الصالحة” جنوبي مدينة أم درمان، نتيجة غياب المساعدات الإنسانية التي لم تصل إلى هذه المنطقة منذ بداية الحرب.
وتعد منطقة “الصالحة” واحدة من عشرات المناطق داخل العاصمة الخرطوم، ظلت معزولة عن العالم نتيجة قطع الاتصالات، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها باعتبارها واقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وبعد اقتراب الحرب من دخول عامها الثالث، تواجه مئات الأسر التي تمسكت بالبقاء في منازلها بمنطقة الصالحة، خطر الموت جوعا، نتيجة شح مواد الغذاء وارتفاع الأسعار وغياب المساعدات الإنسانية، وفق ما أفاد بذلك مواطنون لـ”إرم نيوز”.
وقالت امرأة رفضت مغادرة منزلها في منطقة “الصالحة”، لـ”إرم نيوز”، إن لديها 5 أطفال ظلوا يعيشون طوال الفترة الماضية على ما يرسله لهم الخيرون من أموال على أوقات متباعدة، مشيرة إلى تدهور الصحة الغذائية لجميع أفراد الأسرة.
أخبار ذات علاقة
“الدعم السريع”: الجيش قصف مقرًا للمساعدات الإنسانية في الخرطوم
وأوضحت أنها فكرت أكثر من مرة في الخروج إلى منطقة تتوفر فيها المساعدات، لكنها لا تملك ثمن تذاكر الترحيل، مشيرة إلى أن هنالك عشرات الأسر من جيرانها يعانون هذه الأوضاع.
وظلت جميع المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، خصوصًا في ولايات الخرطوم والجزيرة وكردفان، محرومة من المساعدات الإنسانية بسبب سيطرة الجيش على المعابر التي تقود إليها.
في وقت انفرجت فيه الأوضاع نسبيًا بولايات دارفور غربي السودان، التي تطل على معابر حدودية خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وتقول منظمات أممية أن أكثر من 30 مليون سوداني معظمهم من الأطفال، يواجهون خطر المجاعة كواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية.
ولكي تصل المساعدات إلى السكان العالقين في الخرطوم أو الجزيرة لا بد من موافقة سلطات الجيش على مرورها من مدينة بورتسودان، وهو ما لم تسمح به إلا مرة واحدة، كانت قبل أسبوعين حينما وصلت 26 شاحنة مُحملة بالغذاء تتبع لبرنامج الغذاء العالمي واليونسيف، إلى منطقة “جنوب الحزام” بالخرطوم.
ووصلت الشحنة عبر تسهيل من الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية بالتنسيق مع قوة حماية المدنيين في قوات الدعم السريع والإدارة المدنية في ولاية الخرطوم، قادمة من مدينة بورتسودان.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان وقتها: “يُنتظر أن تتواصل عمليات انسياب المعونات الإنسانية، وسط توقعات بوصول 54 شاحنة أخرى خلال الأيام المقبلة.”
وكان تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الذي صدر قبل أسبوع، أكد وجود مجاعة في خمس مناطق بالسودان، بما في ذلك مخيمات “زمزم وأبوشوك والسلام” للنازحين في شمال دارفور.
ودقّ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) ناقوس الخطر خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في السودان، قبل يومين.
أخبار ذات علاقة
الأمم المتحدة تحذر من أزمة إنسانية “مروعة” في السودان
وقالت المنظمات الأممية إن السودان لا يزال في “قبضة أزمة إنسانية ذات أبعاد مذهلة”، فيما تدهور الأمن الغذائي إلى أسوأ مستوياته في تاريخ البلاد.
يأتي ذلك وسط إنكار الحكومة التابعة للجيش السوداني وجود أزمة غذائية في السودان، فقد انسحبت من لجنة مراجعة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بعد إعدادها تقريرًا أشارت فيه إلى تفشي الجوع، كما ظل مندوبها في مجلس الأمن الحارث إدريس يؤكد أن لا مجاعة في البلاد.
وأكد أعضاء في مجلس الأمن خلال جلسة المجلس قبل يومين، أن الاستمرار في إنكار تفشي انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء السودان سيؤدي فقط إلى زيادة المعاناة، مشيرين إلى أن تفشي المجاعة يعود إلى الصراع المستمر وصعوبة الوصول إلى المساعدات الإنسانية.
واتهم عدد من المنظمات الأممية السلطات التابعة للجيش السوداني بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها من خلال احتجازها في مخازن بمدينة بورتسودان، من جهة، وإغلاق المعابر ورفض استخراج التصاريح لموظفي الإغاثة، من جهة أخرى.
وفوق ذلك، أطلقت السلطات يد الميليشيات المتحالفة مع الجيش لممارسة الترهيب والتهديد للمنظمات الأجنبية بغرض عرقلة جهودها الإنسانية، مثلما حدث في ولاية جنوب كردفان قبل يومين.
وكانت ميليشيا مسلحة متحالفة مع الجيش السوداني، يقودها شخص يدعى “كافي طيار”، احتجزت في منطقة جنوب كردفان، عددًا من السيارات التابعة لمنظمة المجلس النرويجي للاجئين، ومنعتها من مواصلة عملها وسط صمت السلطات الرسمية التي تنتظر المنظمة تدخلها.
وأكدت مصادر لـ”إرم نيوز” في وقت سابق، أن قائد الميليشيا اعترض طريق سيارات منظمة المجلس النرويجي للاجئين، ومزق أعلامها وشعاراتها التي كانت معلقة على السيارات.
كما هدد العاملين والموظفين بأنه سيستخدم في مواجهتهم العنف حال رأى أيًا من سيارات أو شعارات المنظمة مرة أخرى في المدينة، ما أجبر المنظمة على وقف أنشطتها في مدينة كادوقلي بجنوب كردفان.
وتعمل منظمة المجلس النرويجي في جنوب كردفان على تقديم مساعدات نقدية، دعمًا للمتضررين من فقدان مصادر دخلهم. كما تدعم التعليم من خلال تأهيل المدارس والالتزام بدفع حوافز للمعلمين لاستمرار الدراسة.
وأكد مصدر سياسي، في ولاية جنوب كردفان، أن ما قام به قائد الميليشيا لم يكن من تلقاء نفسه، وإنما يأتي بإيعاز من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة للجيش السوداني، بغرض التخلص من المنظمة نهائيًا، وفق قوله.
وقال المصدر لـ”إرم نيوز” إن “السلطات التابعة للجيش السوداني تكنّ عداءً لمنظمة المجلس النرويجي للاجئين، جراء التقارير والبيانات الصحفية التي تصدرها بشأن الصراع السوداني”.
وأضاف المصدر: “يرى الجيش أن المنظمة متحاملة عليه حينما تتهمه بأنه يستخدم المساعدات الإنسانية كـ”سلاح حرب” ويمنعها من الوصول إلى مستحقيها”.
ولم يستبعد المصدر أن يصدر البرهان في الأيام المقبلة قرارًا بطرد منظمة المجلس النرويجي للاجئين من السودان.
وسبق لمنظمة المجلس النرويجي أن شكت من حملة “اتهامات باطلة” تشنها وسائل إعلام مقربة من الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة البرهان، لتشويه سمعتها وتعريض حياة العاملين في المجال الإنساني للخطر.
إرم نيوز