أكد نائب قائد الجيش السوداني الفريق إبراهيم جابر على مشاورات تجري لتشكيل حكومة ترأسها شخصية من “التكنوقراط”، في خطوة يرى متابعون أن الهدف منها محاولة إضفاء نوع من الشرعية المفقودة لدى حكومة بورتسودان الحالية.
ويأتي تحرك الجيش في خضم اتصالات تجري بين قوى مدنية وحركات مسلحة لتكوين حكومة منفى، وهي خطوة بدت متأخرة من وجهة رأي البعض، حيث كان من المفروض العمل عليها على إثر الانقلاب الذي قاده الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 على الحكومة الانتقالية آنذاك بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذي يتولى حاليا رئاسة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”.
ويرى مراقبون أن خطوة الجيش تستهدف قطع الطريق على القوى التي تعمل على تشكيل جسم حكومي جديد، قد يسحب البساط منه، ويحظى باعتراف خارجي، خصوصا وأن المجتمع الدولي لا يعترف بشكل رسمي بالحكومة الحالية في بورتسودان.
إجراء تعديلات دستورية في وقت تشهد البلاد حربا هو بمثابة دق إسفين جديد في جهود السلام وتكريس للانقسام
وقال نائب قائد الجيش السوداني إن “من أول يوم للحرب كنا نبحث عن تعيين رئيس وزراء لكن حدثت معاكسات (لم يحددها)، والآن المشاورات جارية لتعيين رئيس وزراء يستطيع أن يدير شؤون الدولة، وشرطنا الوحيد أن يكون من التكنوقراط (خبراء غير حزبيين).”
وأضاف جابر أن “القوات المسلحة السودانية متقدمة حاليا في الميدان وقريبا سنرى النصر، وأن الشعب كله عازم على أن تنتهي الحرب وهو يدعم القوات النظامية من أجل تثبيت أركان الدولة.”
ويرى نشطاء سياسيون أن إعادة تشكيل الجيش لحكومة جديدة لن تحظى بأي مشروعية، طالما أن الأمر مجرد تغيير في الشخوص، وطالما أنه لم يجر إشراك القوى المدنية الرئيسية على غرار تنسيقية تقدم.
ويشير النشطاء إلى أن الأمر لا يعدو كونه عملية توزيع جديدة للسلطة بين القوى الحليفة للجيش.
وكانت منابر إعلامية قريبة من المؤسسة العسكرية في السودان، كشفت في وقت سابق أن لجنة خاصة، شكلها مجلس السيادة الانتقالي في السودان، شارفت على الانتهاء من إتمام عملها المتعلق بإجراء تعديلات جوهرية على الوثيقة الدستورية لعام 2019.
مراقبون يرون أن البلاد لا تتحمل المزيد من التشظي وأن على الجيش إدراك أنه يقود البلاد نحو التقسيم
وبحسب تلك المنابر، فإن التعديلات التي يعدها فريق يضم وزراء وخبراء قانونيين ودستوريين، تهدف إلى مواءمة الإطار الدستوري مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب الدائرة، ووضع أسس دستورية لمرحلة ما بعد الصراع. كما تسعى هذه التعديلات إلى تحقيق التوازن بين الالتزامات الداخلية والخارجية للسودان.
ونقلت المنابر عن مصادر وصفتها بالمطلعة، قولها إن التعديلات المقترحة تشمل تعيين رئيس وزراء مدني يتولى قيادة حكومة انتقالية معنية بإعادة بناء البلاد وإدارة الجانب المدني من الأزمة، بالإضافة إلى تعزيز عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي وتفعيل دور سفاراته في الخارج.
وأكدت المصادر القريبة من المؤسسة العسكرية أن التعديلات الدستورية التي شارفت على الانتهاء لن تمس جوهر اتفاقية جوبا للسلام، التي تعتبر مرجعية أساسية لعملية السلام في السودان. ومع ذلك، سيتم إجراء مراجعة لبعض الجوانب المتعلقة بهيكلية السلطة وتوزيع المسؤوليات بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية.
وذكرت المصادر أن التعديلات الدستورية خطوة محورية في مسار الانتقال السياسي في السودان، حيث تُمهّد الطريق لتشكيل حكومة مدنية، وتساعد على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب. ومن المنتظر أن تساهم هذه الخطوة في استعادة الاستقرار في البلاد، وفتح صفحة جديدة من التعاون الإقليمي والدولي.
ويرى مراقبون أن خطوة الجيش بإجراء تعديلات دستورية، في هذا التوقيت حيث تشهد البلاد حربا، هي بمثابة دق إسفين جديد في جهود السلام، وتكريس لحالة الانقسام التي يشهدها البلد.
ويشير المراقبون إلى أن البلاد لا تتحمل المزيد من التشظي وأن على الجيش إدراك أنه يقود البلاد نحو التقسيم، حيث إن الأطراف المقابلة لن تستكين لوضع يريد الجيش ومن خلفه الحركة الإسلامية فرضه.
ويقول المراقبون إن الخطوات التي يتخذها الجيش من شأنها أن تدفع القوى المدنية والمسلحة المتحفظة على خيار تشكيل حكومة منفى إلى تبني هذا الخيار.
العرب