تفاقمت مشكلة بيع المواد الإغاثية في الأسواق السودانية، مع تزايد شكاوى المواطنين من مشاهدتهم لمواد غذائية مخصصة للمساعدات معروضة للبيع في أسواق عامة في عدة مدن، مع تساؤلات حول كيفية وصول هذه المواد إلى الأسواق وإمكانية تورط مسؤولين أو تواطؤ جهات رسمية بصمتها عن هذه الممارسات على أقل تقدير.
وأكدت وسائل إعلام محلية وجود الكثير من حالات بيع مواد غذائية “بكميات كبيرة” في أسواق بورتسودان التي تعتبر العاصمة المؤقتة للبلاد تحت سلطة الجيش، في حين يعاني ملايين النازحين في مراكز الإيواء في عدد من الولايات من نقص المساعدات.
ورغم وصول آلاف الأطنان منها بعد فترة قصيرة من بدء الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023، إلا أن مصادر محلية أكدت أن مئات الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء بالمحافظات التي تحت سيطرة الجيش السوداني لم يتلقوا المعونات، ويعتمدون على إمكانياتهم الذاتية لتأمين معيشتهم. ما أثار غضباً واسعاً بين المواطنين، في ظل الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهراً.
وتحدث ناشطون ومتطوعون في مجال العمل الإنساني عن تورط جهات مجهولة في تسريب المساعدات، بينما رجّحوا أن بعض المسؤولين قد يكونون مشاركين في هذه العمليات.
واستنكر ناشطون ادعاءات الحكومة السودانية المدعومة من الجيش بشأن عدم وجود مجاعة في حين أن ملايين السودانيين يتضورون جوعا، في حين تؤكد التقارير أن الخطر الحقيقي يكمن في الإنكار الحكومي والعراقيل التي توضع أمام منظمات العمل الإنساني.
كما أفادت تقارير إخبارية محلية عن قصف الجيش لمراكز المساعدات الإنسانية إمعانا في تجويع المواطنين.
من جهتها، نفت مفوضية العون الإنساني التابعة للحكومة السودانية نفت مسؤوليتها عن هذه الظاهرة.
وقالت مفوضة العون الإنساني سلوى آدم بنيه في تصريحات صحفية، إن بيع بعض المواطنين لحصصهم من الإغاثة في الأسواق “لا يقع ضمن مسؤولية المفوضية”، مشيرة إلى أن المستفيدين يضطرون أحياناً إلى بيع المساعدات لشراء احتياجات أخرى.
وأوضحت بنيه أن المفوضية شكّلت لجنة لمراجعة مخازن المنظمات الإنسانية لمعرفة أسباب عدم توزيع المواد الإغاثية المخزنة، مؤكدة أن اللجنة ستصدر تقريرها في غضون أسبوعين لتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها.
ودعت الأمم المتحدة مؤخراً لجمع 4.2 مليار دولار لتوفير المساعدات لنحو 21 مليون شخص داخل السودان، من أصل 30.4 مليون شخص قالت إنهم في حاجة ماسة للمساعدة.
وفي ظل استمرار الحرب وتعطيل المساعدات الإنسانية، يواجه السودان أزمة غذائية حادة، كما يتم استخدام “سلاح التجويع” كأداة ضغط.
ورفض مفوض العون الإنساني السابق محمد آدم بإيعاز من قيادة الجيش دخول المساعدات الإنسانية الدولية إلى المحتاجين في كل أنحاء السودان. وشغل آدم منصب المفوض منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير دون انقطاع إلا في سنوات حكم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حيث أعاده عبد الفتاح البرهان إلى المنصب بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول المعروف.
وقال المبعوث الأميركي للسودان توم بيريلو حينها، إن 6.5 مليون شخص في السودان بحاجة إلى الغذاء بشكل عاجل للبقاء على قيد الحياة.
وأضاف في تغريدة على منصة إكس “كما يحتاج 25 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية طارئة”.
وتابع إن مفوضية المساعدات الإنسانية السودانية العاملة بإمرة الجيش السوداني، لم تسمح في الشهر الماضي إلا بوصول 10 بالمئة فقط من الإمدادات الإنسانية في بورتسودان، واتهم السلطات بعرقلة وصول 90 بالمئة من مواد الإغاثة الطارئة أو تأخرت في وصولها.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 25.6 مليون شخص يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، مع إعلان المجاعة في خمس مناطق حتى الآن، واحتمال امتدادها إلى 17 منطقة أخرى بحلول مايو/أيار المقبل.
ودفع هذا الوضع المأساوي مجلس الأمن الدولي لإعلان عقد جلسة الاثنين القادم لمناقشة الأزمة، وسط مخاوف من تصاعد الأزمة الإنسانية نتيجة استمرار النزاع.
وتوقع تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن تفرد مساحة واسعة خلال النقاشات للتوصيات الواردة في تقرير “مجلس الإغاثة الإنسانية” الصادر في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي والتي شددت على الحاجة الملحة إلى اتخاذ “إجراءات سياسية” من المجتمع الدولي لتأمين وقف إطلاق نار مستدام، والقيام بتدخل دولي إنساني شامل لدعم المتضررين وإيصال المساعدات الغذائية لنحو 25 مليون سوداني يواجهون خطر الجوع، ووقف الخسائر الواسعة النطاق في الأرواح، وسط تقارير تشير إلى مقتل نحو 150 ألف منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023 وحتى الآن بسبب القتال المباشر أو العوامل المرتبطة به مثل انعدام الغذاء والعلاج.
وتوقع مراقبون أن يدفع المستوى المتدهور الذي وصلت إليه الأزمة الإنسانية في السودان، مجلس الأمن لاتخاذ خطوة ملموسة لمعالجة العوامل الأساسية وراء انعدام الأمن الغذائي في السودان، بما في ذلك الصراع والنزوح.