غمر فيضان كبير مدن وقرى ولاية النيل الأبيض المتاخمة للعاصمة السودانية خلال الأيام الماضية، وتضرر سكان عشرات من القرى الفقيرة بأشكال متباينة، إذ تسبب الفيضان في دمار واسع بمنازل وأسواق بعضها.
تعد مدينة الجزيرة واحدة من أكثر مدن الولاية تأثراً بالفيضان. يقول آدم سعيد، وهو أحد سكان “الجزيرة أبا”، لـ”العربي الجديد”، عبر الهاتف، إن “الأضرار التي لحقت بالمدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة، لا يمكن حصرها في الوقت الراهن، فهناك أحياء طاولها دمار واسع مثل الإنقاذ، وحمر، وزغاواة، والغار، وعدد المنازل المتضررة يصل إلى 700 منزل، ونقلت عشرات الأسر من الجزيرة إلى منطقة الحجر، حيث تعيش هناك في العراء، كما أن ست مدارس وكلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام المهدي غمرت بالمياه، ويهدد الفيضان محطات المياه والكهرباء، ما يترك من تبقى من السكان بلا مياه صالحة للشرب، بينما بات النازحون يشترون برميل المياه بنحو أربعة آلاف جنيه (نحو دولارين)، كما أن المدينة تعاني أصلاً من مرض الكوليرا الذي تسبب في وفاة عدد من الناس، وتتيح بيئة الفيضان الحالية انتشاراً أوسع للمرض”.
بدوره، يقول رئيس مجلس مستشفى الجزيرة أبا مبارك الطيب إبراهيم إن “الفيضانات التي اجتاحت مدينة الجزيرة لم تحدث منذ عشرات السنين، وقد أثرت على المشاريع الزراعية التي يعتمد عليها السكان. لا نعرف بعد سبب الفيضان، والوحدة التابعة لوزارة الري للمساعدة في الحد من الفيضانات بآليات مختلفة كانت موجودة في المنطقة، لكن تم سحبها قبل سنتين”.
ويتحدث إبراهيم عن أضرار لحقت بأكثر من 30 مركزاً لإيواء النازحين الفارين من الحرب، مشيراً إلى أن “النازحين الذين عانوا من القتال في مناطقهم الأصلية، اضطروا إلى رحلة نزوح جديدة قاسية من دون مساندة أو دعم. المستشفى الوحيد في المدينة يعاني من ضغط كبير نتيجة انتشار الكوليرا، حيث يزدحم عنبر العزل، ويضطر المرضى إلى إحضار أسرّة من منازلهم ليتم حجزهم وتقديم الخدمة الطبية لهم في الفناء، والمستشفى يحتاج إلى مساعدات طبية عاجلة، من أهمها المحاليل الوريدية، والأدوية، والخيام، ومساعدات غذائية أيضاً”.
وكانت قوارب الصيد الصغيرة هي الوسيلة الوحيدة للتنقل خلال الأيام الماضية، واستخدم عبد العزيز أحمد قاربيه في إنقاذ عدد كبير من الأسر وإخراجها من الجزيرة إلى واحدة من ضفتي النهر الهائج، مبيناً لـ”العربي الجديد”، أن “الوضع كارثي، وغالبية مساكن المدينة دمرت، خصوصاً في حي الغار حيث أسكن. نزحت إلى مدينة كوستي القريبة بعد تهدم المنزل الذي كان يؤوي أسرتي وأسرة شقيقي ووالدي، وقد تمكنت من إخراج بعض أثاث المنزل. ينعدم اهتمام السلطات المحلية والمركزية بأوضاعنا، كما تغيب المنظمات التطوعية والخيرية. مئات النازحين يعيشون أوضاعاً قاسية في العراء بمنطقة الحجر، بلا مأوى ولا مأكل ولا مشرب، ومعتمد كوستي وعدنا بتوفير خيام لكن لم يتوفر لنا شيء بعد”.
الأوضاع مشابهة في مدينة الجبلين الواقعة على بعد 70 كيلومتراً من مدينة ربك، مركز ولاية النيل الأبيض، والقريبة من الحدود مع جنوب السودان، فقد غمرت مياه الفيضانات أحياء كاملة بعدما تجاوزت الحواجز الترابية التي شيدها الأهالي قبل ثمانية أشهر تحوطاً للفيضانات العادية التي تحدث سنوياً في شهر أغسطس/ آب.
يقول أحمد مضوي، من الجبلين، لـ”العربي الجديد”: “الفيضانات غمرت مقبرة المدينة، وتهدد عدداً كبيراً من الأحياء، والسكان المتضررون توزعوا بين منازل أقربائهم أو لجأوا لتأجير منازل في مناطق آمنة. لم تصل أي مساعدات إنسانية للأهالي الذين تضرروا خلال الأشهر السابقة من الحرب، لكن الأوضاع حالياً أخطر، وتحتاج المنطقة إلى الخيام والغذاء، وإلى اهتمام حتى لا تنتشر أمراض مثل الملاريا والكوليرا، لكن السلطات غائبة عن كل الكوارث”.
وخلال الأيام الماضية، ثار جدل واسع حول أسباب الفيضان غير المتوقع لنهر النيل الأبيض، واتخذ الجدل بعداً سياسياً مع اتهام قوات الدعم السريع بالتورط في الكارثة الإنسانية نتيجة إغلاقها بوابات خزان جبل أولياء، جنوب الخرطوم، وعدم سماحها للفرق الهندسية التابعة للخزان بالوصول إليه للإشراف على عمليات تصريف المياه من الخزان الذي يحجز 2.3 مليار متر مكعب من المياه، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في مناطق جنوب الخرطوم، فيما يعزو البعض الكارثة إلى التغيرات المناخية وسقوط أمطار غزيرة في أوغندا، حيث منبع النهر الذي يمر أيضاً بدولة جنوب السودان، والتي تشهد هي الأخرى أمطاراً غزيرة.
يقول الخبير البيئي طه بدوي لـ”العربي الجديد”، إنه تابع التطورات المناخية في الفترة الأخيرة، ولم يجد كثافة عالية في الأمطار على طول جغرافيا نهر النيل الأبيض، ما يجعله يستبعد الأثر المباشر لعامل التغير المناخي، وهو يرجح وجود مشاكل فنية في خزان جبل أولياء رغم الروايات المتضاربة وعدم وجود معلومات موثوقة من جهات رسمية.
ويحذر بدوي من حجم الكارثة، خصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها البلاد نتيجة الحرب، وغياب أجهزة الري الحكومية عن المشهد، مبيناً أن “تحليل ما حدث وعلاجه يحتاجان إلى اتفاق على طرف ثالث يمكنه تقديم المساعدة للحيلولة دون تفاقم الكارثة”.
من جانبها، رفضت قوات الدعم السريع التي تسيطر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 على منطقة جبل أولياء، كل الاتهامات، وقالت في بيان إنها تتابع بقلق بالغ تطورات الفيضان الناجم عن أعطال في بوابات خزان جبل الأولياء من جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت ببنية السد بعد الاستهداف المتكرر له بالقصف الجوي وإسقاط البراميل المتفجرة من قبل الجيش السوداني، عبر أكثر من 70 غارة جوية منذ سيطرتها على المنطقة، مشيرة إلى أنها استعانت بخبراء وفنيين لمعالجة بعض المشكلات، ما ساعد في انسياب المياه بشكل طبيعي، لكن المشكلة عادت بشكل أكبر خلال موسم الأمطار الحالي رغم الجهود المبذولة من قبل مجموعات فنية لتدارك الموقف، مؤكدة أن جهودها مستمرة لفتح بوابات الخزان، وتعهدت بالتعاون مع أي جهات فنية متطوعة للمساعدة.
العربي الجديد