أنهى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان لعمامرة، رابع زيارة له للسودان منذ تكليفه بهذه المهمة في نهاية العام الماضي. وتعتبر هذه الزيارة هي الأطول للدبلوماسي الأممي للسودان حيث قضى 3 أيام كاملة في العاصمة المؤقتة، بورتسودان.
ووفق مصادر دبلوماسية فإن الهدف الرئيسي من الزيارة كان تحسس رأي قيادة القوات المسلحة بشأن مقترح المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بالدعوة لمفاوضات غير مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في جنيف في بداية العام الجديد بغرض النظر في آليات حماية المدنيين وتحسين سبل إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مختلف أنحاء السودان.
استبق وزير الخارجية علي يوسف لقاء المبعوث الخاص بالقيادات العسكرية بالحديث عن استعداد السودان للعودة إلى منبر جدة، ما أعطى الانطباع بعدم استعداد بورتسودان للتجاوب مع دعوة المبعوث الشخصي لمفاوضات غير مباشرة في جنيف.
بداية متوترة
ولم تكن بداية الزيارة على ما انتظره المراقبون بالنظر إلى مقتل ثلاثة من موظفي برنامج الغذاء العالمي جراء قصف الطيران الحكومي لمنطقة يابوس قبل 24 ساعة من وصول رمطان لعمامرة إلى بورتسودان. حيث توالت الإدانات من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، ومديرة برنامج الغذاء العالمي، سيندي هينسلي ماكين، ومطالبتهما لحكومة بورتسودان بإجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤولية عن الحادثة.
وقد أعاد وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، في لقائه برمطان لعمامرة تأكيد رفض السودان لأي اعتداءات على عمال الإغاثة ووعد بإجراء تحقيق في الأمر، لكن بيان وزارة الخارجية الذي أكدت فيه عدم وجود عمليات عسكرية نشطة للجيش السوداني في المنطقة أثار شكوكا بشأن رغبة بورتسودان في إجراء تحقيق نزيه وشفاف في الحادثة.
منهج المبعوث الخاص
وصف دبلوماسي أجنبي مقيم في بورتسودان في حديث مع راديو دبنقا النهج الذي اتبعه رمطان لعمامرة في زيارته الحالية إلى بورتسودان بالتقليدي بالرغم من أنه جاء بمقترح جديد للقاء في جنيف وهو المقترح الذي تلقى دعم اجتماع نواكشواط بشأن تنسيق المبادرات حول السودان. بل أن نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، زار بورتسودان في تزامن مع زيارة المبعوث الخاص دعما لهذا التوجه.
ويستند رمطان لعمامرة إلى أن طرفي الحرب يقران بأن لا حل عسكري للنزاع في السودان وبالتالي فهما يقبلان، كل وفق شروطه، بالحل المتفاوض عليه حتى وإن حقق أحد الطرفين نصرا تكتيكيا هنا أو هناك. كما أن تاريخ الحروب في السودان، رغم اختلاف هذه الحرب في شمولها الجغرافي وفظاعتها، يؤكد أن كل الحروب انتهت إلى مائدة المفاوضات.
وانتقد الدبلوماسي الأجنبي المقيم في بورتسودان هذا المنهج الذي وصفه بالتقليدي، مضيفا إلى أن الأوضاع في السودان تحتاج إلى فهم أفضل لتعقيداتها وأنه من المهم إبلاغ رسائل قوية للأطراف عبر اللقاءات المختلفة لأنهم حتى وإن ادعوا رفضها علنا، فإنهم يعودون ويراجعون مواقفهم. وضرب الدبلوماسي الأجنبي مثالا بما حدث في ملف الإغاثة والمساعدات الإنسانية، حيث أذعنت حكومة بورتسودان لضغوط المجتمع الدولي بالرغم من مواقفها العلنية الرافضة الأمر الذي سمح بتحسن طفيف في الأوضاع الإنسانية.
لقاء هام مع الفريق إبراهيم جابر
لقاء رمطان لعمامرة مع الفريق إبراهيم جابر، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، يمكن اعتباره اللقاء الأهم في هذه الزيارة بالنظر إلى أن الفريق إبراهيم جابر يتولى رئاسة اللجنة المناط بها التعامل مع الأمم المتحدة. ونقل إعلام مجلس السيادة عن الفريق إبراهيم جابر تثمينه للدور الذي تلعبه الأمم المتحدة وتطلعه لأن تلعب الأمم المتحدة دورا أكبر في معالجة الأزمة الحالية. وهو ما أكده مبعوث الأمين العام بأن الأمم المتحدة ستقوم بخطوات أكبر بشأن دعم جهود حل الأزمة السودانية.
البرهان يرسم حدودا لدور الأمم المتحدة
خلال لقائه برمطان لعمامرة، حدد الفريق عبد الفتاح البرهان، القضايا التي سيطلب فيها السودان من الأمم المتحدة أن تلعب دورا وفي مقدمتها ممارسة الضغوط على قوات الدعم السريع وإدانة الانتهاكات التي قال إنها تمارسها بصورة أكثر صرامة ووضوح.
كما دعا قائد الجيش السوداني المنظومة الدولية لاتخاذ إجراء حاسم حيال الدول التي تقف خلف قوات الدعم السريع وتقوم بدعمها. وشدد على ضرورة اتخاذ المنظومة الأممية الإجراءات اللازمة حيال عدم تنفيذ قرارات مجلس الامن الخاصة بوقف إدخال السلاح الي إقليم دارفور ووقف الهجوم على مدينة الفاشر.
بالمقابل ووفق البيان الصادر عن إعلام مجلس السيادة، فإن الفريق عبد الفتاح البرهان شدد خلال اللقاء على إنه سيتم ابتدار العملية السياسية وإجراء الانتخابات التي يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله السياسي دون تدخلات خارجية وذلك حال عودة المواطنين لمنازلهم وقراهم.
من جانبه قال رمطان لعمامرة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حسب البيان الصادر عن إعلام مجلس السيادة إن اللقاء تناول أهمية انخراط الأمم المتحدة وتشجيعها للحل التفاوضي بشأن الأزمة في السودان. وأكد وفقا لإعلام مجلس السيادة ضرورة تضافر الجهود من أجل مساعدة الشعب السوداني على تجاوز هذه المحنة والإسراع في العودة للأوضاع الطبيعية والتفرغ لعمليات إعادة البناء والإعمار.
لكن المضمون الفعلي للقاء احتوته تغريدة لرمطان لعمامرة عقب اللقاء أكد فيها أنه قد عقد لقاءا جوهريا مع الفريق عبد الفتاح البرهان استعرضا فيه مجمل جوانب الوضع في السودان وتبادلا وجهات النظر حول كيفية المضي قدما نحو السلام.
لقاء السفراء الأجانب
اختتم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة زيارته لبورتسودان بلقاء مع السفراء المعتمدين والدبلوماسيين المقيمين في بورتسودان. وقد غرد رمطان لعمامرة عقب اللقاء موضحا أن اللقاء هدف لتبادل وجهات النظر حول الجهود الدبلوماسية الرامية لصناعة السلام في السودان وإنهاء معاناة شعبه.
واعتبر الدبلوماسي الأممي أن أمد الحرب طال لما لا يقل عن عشرين شهرا ولقد آن الأوان لتكثيف جهودنا الدولية الجماعية من أجل التوصل لحل سلمي للصراع. وأعاد التأكيد على مركزية دور الأمم المتحدة في التنسيق والتكامل ووحدة الهدف بين مبادرات السلام العديدة، شددت أيضا على الحاجة لشراكة قوية وفعالة مع المنظمات الدولية والدول الراعية لمبادرات سلام.
ومن المؤكد أن زيارة رمطان لعمامرة الرابعة للسودان طرحت المزيد من الأسئلة بشأن تطورات الأوضاع في هذا البلد، ولم تقدم أي إجابات بشأن متى يجلس طرفا الحرب إلى مائدة التفاوض لإنهائها ولتبدأ معها نهاية المعاناة للشعب السوداني.
دبنقا