يسعى مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة إلى إقناع طرفي الصراع بالجلوس إلى طاولة المفاوضات عبر دعوة إلى عقد اجتماعات جديدة في جنيف الشهر المقبل، في وقت يتمسك فيه الجيش بالعودة إلى إعلان جدة ومواصلة المعارك في ولاية شمال دارفور، وهو ما من شأنه أن يفسد محاولات الوصول إلى حل سياسي ما لم يكن منسجما مع مخرجات جدة.
وجاء موقف الجيش السوداني، والذي عبرت عنه وزارة الخارجية بحكومة الأمر الواقع في توقيت تحدثت فيه مصادر قريبة من الجيش عن سيطرة القوات المشتركة على قاعدة الزُرق في ولاية شمال دارفور، لكن قوات الدعم السريع أكدت الأحد على استعادتها السيطرة على القاعدة.
ويشير هذا التطور إلى أن التمسك بالحلول العسكرية يظل في مقدمة خيارات الجيش، على حساب الحلول السلمية المتعثرة منذ أن رفضت قيادته المشاركة في اجتماعات جنيف التي عقدت برعاية أميركية في شهر أغسطس الماضي.
وأكد وزير الخارجية علي يوسف السبت أن أي حل سلمي بين طرفي النزاع في السودان يجب أن يبنى على تنفيذ اتفاق جدة، “وأن بلاده لن تشارك في أي اجتماعات خارج نطاق هذا المنبر.”
المعز حضرة: التمسك بمنبر بعينه يشير إلى مجموعة تريد استمرار الحرب
وبدأ المبعوث الأممي إلى السودان زيارة لبورتسودان السبت لإقناع الجيش بالمشاركة في اجتماعات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع في جنيف، هدفها تخفيف حدة الأوضاع الإنسانية والتوصل إلى حل توافقي يقود إلى وقف إطلاق النار.
وشمل منبر جدة على مفاوضات “جدة 1” التي نتج عنها توقيع الجيش والدعم السريع على “إعلان جدة” الذي نص على الالتزام بحماية المدنيين في السودان، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد.
واستضافت السعودية مباحثات “جدة 2” بهدف إيجاد حل سياسي مستدام، بما يحفظ أمن السودان واستقراره، وتماسك الدولة ومؤسساتها ومنع انهيارها، ولم يتم الالتزام بمخرجات ما تمخض عن المباحثات في المرتين.
وتحول منبر جدة من أداة تساهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتصارعين إلى شماعة يوظفها الجيش للتهرب من الضغوط الدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي، إذ إن الحركة الإسلامية النافذة داخل معسكر الجيش تدرك صعوبة تجاوز تطورات الحرب، وما أفرزته من واقع ميداني مغاير، والعودة إلى نقطة كان فيها السودان يشهد أولى أيام المعارك بين الطرفين.
ويشي هذا الموقف بأن هناك التزاما من جانب الحكومة السودانية في بورتسودان بمخرجات الاتفاق الذي حظي بدعم دولي واسع في ذلك الحين، وهي خدعة الهدف منها حرمان قوات الدعم لسريع من جني مكاسب سياسية من وراء تفوقها الميداني.
ويدرك معسكر الجيش أن إضاعة الوقت في الصراع حول ماهية المنبر الذي يجب الاعتماد عليه للتفاوض، واستنزاف الجهود الدولية، تخدمه لكي يستمر في المعارك العسكرية ومحاولة تحقيق نقطة التوازن مع قوات الدعم السريع قبل التفاوض معها.
وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة إن في حال إصرار الخارجية السودانية على تصريحاتها، فذلك أمر مؤسف، لأنه يأتي في وقت يتحدث فيه المبعوث الأممي عن وقف الحرب في السودان والاتجاه إلى السلام بما في ذلك تصريحات بعض القوى الإقليمية، فهناك اهتمام من دول الجوار لوقف المعارك التي أثرت سلبا على المنطقة، فيما يشير موقف الخارجية السودانية إلى أنها في واد آخر.
وأضاف حضرة في تصريح لـ”العرب” أن التصريحات السودانية تنقصها الحكمة، لأن هناك محطات عديدة جاءت بعد إعلان جدة، منها اجتماعات جدة الثانية، ومفاوضات البحرين ثم جنيف ومبادرة دول الجوار، والتمسك بمنبر بعينه يشير إلى وجود مجموعة تريد للحرب أن تستمر لضبط الدفة عسكريا.
وأشار إلى أن مكان التفاوض ليس العقبة الرئيسية التي يجب التوقف عندها، إذ يمكن أن تكون الاجتماعات في أي مكان، وتبدو مبادرة دول جوار السودان الأقرب للتطبيق ويمكن أن تحظى بتوافق واسع، وصالحة لتطبيقها على أرض الواقع، لافتا إلى أن المواقف الحالية ترجع إلى أن المجتمع الدولي غير مهتم بقضية السودان حاليا.
كمال إسماعيل: كان من الأجدى أن تلتزم الحكومة السودانية بالاتفاق
وغاب الجيش السوداني عن مفاوضات جنيف في أغسطس الماضي لتمسكه بتطبيق “إعلان جدة” الذي تم التوصل إليه في مايو من العام الماضي، رغم أن الولايات المتحدة أعلنت في ديسمبر من العام الماضي تعليق مفاوضات جدة بسبب عدم الالتزام بالاتفاقيات التي قضت بحماية المدنيين وإيصال المساعدات وخرق كل منها الهدنة.
ويوجه سودانيون انتقادات للمجتمع الدولي، لأن آليات تنفيذ الاتفاق غابت ولم تتواجد أي قوات دولية لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار وإبعاد الحرب عن منازل المواطنين التي جرى سرقتها ونهبها، ودارت حولها اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ولم تواجه العمليات العسكرية التي تسببت في أضرار كارثية على المدنيين بالضغط المناسب للتوقف عنها من قبل الطرفين.
وأكد عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) اللواء كمال إسماعيل أن التمسك باتفاق جدة تهرب واضح عن مساعي إيجاد حلول مبتكرة لوقف الحرب وأن الحكومة السودانية كان من الأجدى أن تلتزم بالاتفاق عقب التوقيع عليه بدلا من التشدق به حاليا، وأن الموقف الراهن غير مستغرب، فلا توجد ضغوط حقيقية تقود إلى وقف الحرب، والقوى السياسية غارقة في خلافاتها، والمجتمع الدولي غير ملتفت إلى الموت المستمر الذي يواجهه السودانيون.
وأوضح إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة لا تتمثل في المنابر وأماكنها، لكنها ترتبط بغياب الإرادة لأطراف الصراع نحو وقف الحرب، وأي مساع دون أن يكون أساسها وقف الحرب ليست لها فائدة، والتركيز يجب أن ينصب على الاتفاق على إنهاء الحرب ثم التفاوض حول الحلول السياسية، مع ضرورة وجود رغبة مشتركة من الجيش وقوات الدعم السريع على هذا المسار، لافتا إلى أن جولات التفاوض إذا جرى الاتفاق عليها ستكون أصعب من جولات المعارك المستمرة بين الطرفين.
وشدد على أن الأوضاع الآن مهيأة للضغط من أجل السلام، فمع اقتراب الحرب من عامها الثاني حدث فتور لدى الكثير من المقاتلين الذين لن يستطيعوا الاستمرار في المعارك فترات طويلة، كما أن الموارد التي يتسلح منها كل طرف لم تعد كافية مثلما الوضع عند اندلاع الحرب، كما أثرت العقوبات الدولية سلبا على القدرات العسكرية.
العرب