منعت السلطات في دولة مجاورة للسودان بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق من لقاء السودانيين لتقييم الآثار السلبية للحرب.
وقرر مجلس حقوق الإنسان في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان للتحقيق في جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي وإثباتها وإثبات الوقائع والظروف والأسباب الجذرية لها، بما في ذلك تلك المرتكبة ضد اللاجئين، والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فضلا عن الأطراف المتحاربة الأخرى.
وقال سودانيون في تلك الدولة لـ”الراكوبة” إن السلطات أبلغت البعثة بعدم عقد لقاءات مع السودانيين على أراضيها، بدعوى أن الوضع الداخلي لا يسمح بذلك في الوقت الحالي، فيما أكدت المصادر ذاتها أن البعثة التقت فقط بعدد من السودانيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية.
وشككت المصادر في وجود تنسيق بين سلطات تلك الدولة والسفارة السودانية لمنع اللقاءات، رغم الانتهاكات الواسعة التي يتعرض لها السودانيون على أراضي تلك الدولة التي تستضيف مجموعة كبيرة من السودانيين الرافضين للحرب.
وعلى صعيد متصل، عبر أعضاء بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق حول السودان عن مخاوفهم المتزايدة بشأن الأثر السلبي للصراع على المدنيين، وذلك بعد لقاء جمع حوالي 200 شخص من مختلف ولايات السودان خلال زيارة إلى يوغندا في الفترة من 1 إلى 18 ديسمبر. وقد أظهرت هذه الزيارة مدى تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، حيث تزايدت أعداد اللاجئين الفارين من النزاع المستمر.
في بيان صحفي، أكدت البعثة أنها قامت بزيارة موقع استقبال اللاجئين في كيرياندونغو، الذي يستضيف أكثر من 50 ألف لاجئ، معظمهم من السودان وجنوب السودان. خلال هذه الزيارة، التقى الخبراء بلاجئين من مناطق مختلفة مثل الخرطوم والنيل الأزرق ودارفور والجزيرة وكردفان والنيل الأبيض، حيث استمعوا إلى قصصهم وتجاربهم في مواجهة الظروف القاسية التي يعيشونها. ويشير التقرير إلى أن الصراع قد دخل مرحلة جديدة تتجه نحو الشرق، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
وفي تصريح له، قال محمد شندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق، إن ملايين اللاجئين السودانيين يعيشون في ظروف صعبة في المخيمات والمستوطنات في الدول المجاورة، بدلاً من أن يتمكنوا من المساهمة في إعادة بناء وطنهم. وأشار إلى أن هؤلاء اللاجئين يفتقرون إلى وسائل العيش والوظائف، مما يجعلهم في حالة انتظار يائسة للعودة إلى وطنهم، في ظل استمرار الصراع الذي يهدد حياتهم ومستقبلهم.
أشار البيان إلى أن الزيارة قد أضاءت على الحوادث المهمة، بما في ذلك حصار مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها في شمال دارفور منذ أبريل 2024. وقد جمعت بعثة تقصي الحقائق شهادات مؤلمة حول الدمار الهائل والقتل والاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى. وقد صاحب الحصار قصف مستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، مما أثر سلباً على المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، مما أدى إلى ظروف إنسانية مأساوية. أشار البيان الصحفي إلى أن الخبراء استمعوا إلى التحديات الكبيرة التي واجهتها النساء السودانيات ومعاناتهن قبل وصولهن إلى يوغندا. وقد ذكرت عدة نساء زيادة حالات الإجهاض، في حين تعرض آخرون لقصف جوي أو هجمات على الأسواق، سواء أثناء عملهم كبائعين أو أثناء سعيهم للحصول على الإمدادات الأساسية لأسرهم. كما أفادت النساء بتعرضهن للتحرش الجنسي، بما في ذلك من قبل أفراد يرتدون زي قوات الدعم السريع ويتحدثون لغات أجنبية. وتحدثت العديد من النساء عن رغبتهم في المساهمة في بناء مستقبل السودان وعدم ترك مصير البلاد في يد الرجال المتقاتلين. قالت منى ريشماوي، عضو في بعثة تقصي الحقائق: “إن النساء والأطفال في السودان ليسوا فقط الضحايا الرئيسيين لهذا الصراع العبثي، بل هم أيضًا يحملون مفتاح الحياة السلمية والكريمة لجميع السودانيين”.
وأضافت: “يجب أن يكون لهم دور في أي مفاوضات كأطراف متساوية”. وأشار البيان إلى أن الخبراء استمعوا أيضًا إلى الصعوبات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة الذين تعرضوا للتهجير من دون القدرة على الوصول إلى الدعم أو الخدمات الضرورية. وقد سرد الأفراد ذوو الإعاقة الحركية المعاناة الكبيرة التي واجهوها خلال هروبهم من مناطق النزاع من دون وجود أماكن ملائمة أو مساعدة. كما تعرض ذوو الإعاقة السمعية للعنف عند نقاط التفتيش، حيث تم اتهامهم بالتجسس لصالح الجانب الآخر. تحدث الخبراء مع عدد من السودانيين الذين فروا من ولاية الجزيرة، حيث وصفوا حالات الاغتصاب والعمل القسري وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي ارتكبت في الغالب من قبل قوات الدعم السريع.