نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مصادر استخباراتية سودانية وأربعة مسؤولين من دول غربية، أن هناك مفاوضات جارية بين طهران وموسكو مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان. وأشارت التقارير إلى أن هذه المفاوضات اكتسبت أهمية متزايدة بعد الهزائم التي تعرضت لها روسيا وإيران في سوريا، مما دفعهما للبحث عن موطئ قدم استراتيجي في السودان.
في تقرير نشرته الوكالة يوم الأربعاء 18 ديسمبر، تم تسليط الضوء على دور الطائرات المسيرة الإيرانية والأسلحة الروسية في النزاع المستمر في السودان. ووفقاً لدِرار أحمد دِرار، قائد إحدى الجماعات شبه العسكرية الداعمة للجيش السوداني، فإن البلاد تتلقى دعماً عسكرياً متنوعاً من إيران وروسيا، بما في ذلك الطائرات المسيرة والأسلحة، مما أدى إلى تغيير في ميزان القوى في الصراع.
يأتي هذا الدعم الخارجي في وقت تعاني فيه السودان من حرب أهلية مستمرة منذ 20 شهراً، مما أسفر عن واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم وترك الملايين على حافة المجاعة. النزاع الحالي بين الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، يسعى للسيطرة على البلاد التي تتمتع بساحل استراتيجي على البحر الأحمر، ويعتبر من أكثر النزاعات دموية في منطقة الساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة.
أدت الانقلابات العسكرية المتكررة في المنطقة إلى تعزيز العلاقات بين جيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى مع موسكو، بينما ابتعدت عن حلفائها الغربيين. وقد قامت روسيا بنشر مرتزقتها في هذه الدول. لكن لم تجذب أي من دول المنطقة القوى الأجنبية مثلما فعل السودان. وعلى عكس الهزيمة التي تعرضت لها روسيا وإيران مؤخراً في سوريا، فإن موسكو وطهران الآن في موقف قوي داخل السودان.
أسلحة روسية وإيرانية للجيش السوداني
بينما تواصل الحرب الأهلية في السودان، قامت روسيا ببيع ملايين البراميل من الوقود وآلاف الأسلحة ومكونات الطائرات للجيش السوداني، في حين أرسلت إيران شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المسيرة إلى السودان، مما ساعد الجيش على استعادة بعض المناطق في العاصمة الخرطوم. ساهمت هذه الأسلحة في تمكين الجيش السوداني من السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد من قوات الدعم السريع المتنافسة. وأفادت “بلومبيرغ” بأن ترسانة الجيش السوداني قد ازدادت بشكل ملحوظ، حيث تم إنشاء منشأة جديدة في القسم العسكري من مطار بورتسودان في وقت سابق من هذا العام. أكدت الوكالة الأميركية أن تزايد تدفق الأسلحة إلى السودان يدل على أن الحرب تُدار بشكل متزايد من الجو. وفقًا لتقييم أمني للأمم المتحدة اطلعت عليه “بلومبيرغ”، استخدم الجيش السوداني في 21 نوفمبر أسلحة مضادة للطائرات لإسقاط مجموعات من الطائرات المسيرة بالقرب من مدينتي عطبرة والدامر. وأضاف التقرير أن الطرفين المتنازعين يعملان بنشاط على تعزيز قواتهما، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، لدعم مواقعهما. ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن هناك مفاوضات تجري بين روسيا وإيران مع الجيش السوداني في الأشهر الماضية لإنشاء قواعد عسكرية في بورتسودان، مشيرة إلى أن أهمية هذه المفاوضات تكمن في المخاطر المتعلقة بفقدان روسيا لجسر جوي رئيسي نحو إفريقيا نتيجة احتمال فقدان قاعدتين عسكريتين لها في سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد. تأتي هذه المفاوضات أيضاً في وقت تواجه فيه إيران ضعفاً نتيجة الهجمات الإسرائيلية المستمرة على وكيلها. تمول الأطراف المتنازعة شراء الأسلحة من خلال عائدات بيع الذهب السوداني، التي تدر على الجيش السوداني أكثر من مليار دولار سنويًا. أفادت “بلومبيرغ” أن الصين لم تتخذ موقفاً لصالح أي طرف، لكن الطرفين يستخدمان طائرات مسيرة صينية. كما قامت الصين ببناء ميناء بتكلفة 140 مليون دولار في السودان، وهي تجري مفاوضات مع الجيش السوداني للاستثمار في مصفاة نفط جديدة وإعادة تأهيل أكبر مجزر في البلاد.
عودة العلاقات بين إيران والسودان
مع تصاعد الحرب، استأنفت إيران في أواخر عام 2023 علاقاتها الدبلوماسية مع السودان بعد انقطاع استمر 7 سنوات، حيث أرسلت دبلوماسيين إلى السودان وافتتحت سفارتها هناك. كانت العلاقات بين النظامين في طهران والخرطوم قوية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، حيث تشارك النظامان في تحالفتين أيديولوجيتين بعد وصول عمر البشير إلى الحكم عام 1989. وقد قدم النظام الإيراني الدعم لحكومة البشير في إنشاء جهازها الاستخباري. ذكرت “بلومبيرغ” نقلاً عن مسؤولين في الاستخبارات والدبلوماسية، أن طهران تقوم بنشاط بتزويد الجيش السوداني بالأسلحة والطائرات بدون طيار، فضلًا عن تزويدهم بصور الأقمار الصناعية والمعلومات الميدانية. وأشارت الوكالة إلى أنه خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو (تموز) من هذا العام، قامت شركة “قشم فارس إير”، وهي شركة طيران إيرانية تخضع لعقوبات أمريكية وترتبط بفيلق القدس، بتنفيذ حوالي 7 رحلات على الأقل بين إيران والسودان.
وفقًا لمنظمة “كونفليكت أوبزير فاتوري”، فإن أربعًا من هذه الرحلات انطلقت من مطار “مهر آباد” في طهران، حيث يعد هذا الموقع قاعدة تابعة للقوات الجوية الإيرانية. في أبريل الماضي، أفادت تقارير إعلامية بوجود طائرات مسيرة إيرانية في السودان. خلال عام 2023، اعتمدت القوات المسلحة السودانية على هذه الطائرات المسيرة لاستعادة المناطق المحيطة بالخرطوم التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع. أكد مسؤولون أميركيون أن الدعم الإيراني للجيش السوداني يُعقد العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تسعى للضغط من أجل الوصول إلى حل سلمي للصراع.