آخر الأخبار

دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام واستدعاء لذكرى انفصال الجنوب.. هل يتم طباعة اخرى في دارفور؟

شارك الخبر

أثار قرار الحكومة السودانية بشأن التبديل الجزئي للعملات الوطنية مخاوف من تفاقم الانقسام في البلاد. يأتي هذا الإجراء في وقت حساس، حيث يواجه السودان تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، مما يزيد من القلق حول تأثيره على وحدة البلاد واستقرارها.

استند بعض المحللين إلى تجربة انفصال جنوب السودان في عام 2011 كتحذير من العواقب المحتملة لهذا القرار. في المقابل، أشار آخرون إلى إمكانية أن تلجأ قوات “الدعم السريع” إلى إصدار عملة جديدة كوسيلة للتعامل مع آثار وقف العملات القديمة التي ستظل في مناطق سيطرتها، مما قد يزيد من تعقيد الوضع المالي.

في سياق هذا القرار، لم تعد الأوراق النقدية من فئتي “ألف جنيه” و”500 جنيه” بطبعتهما القديمة سارية في سبع ولايات تحت سيطرة الجيش، بينما تواجه 11 ولاية أخرى، تقع كلياً أو جزئياً تحت سيطرة “الدعم السريع”، صعوبة في استبدال عملاتها القديمة. ومن المقرر أن تنتهي المهلة المحددة لاستبدال العملة في 23 ديسمبر الحالي، مما يثير تساؤلات حول كيفية تأثير ذلك على الاقتصاد المحلي.

يواجه سكان الولايات التي تسيطر عليها “الدعم السريع” صعوبات تعوق إمكانية استبدال عملاتهم القديمة. منذ أن أعلنت السلطات السودانية بدء التبديل الجزئي للعملات الوطنية في العاشر من هذا الشهر، أصبح السودان فعلياً “بلدًا بعملتين”. فلم يعد بإمكان الورقتين من فئتي “ألف جنيه” و”500 جنيه” بالطباعة القديمة أن تعتبران “صالحين للاستخدام” في 7 ولايات تحت سيطرة الجيش، بينما 11 ولاية أخرى، التي تقع كليًا أو جزئيًا تحت سيطرة “قوات الدعم السريع”، لن تتمكن من استبدال عملاتها القديمة بالطبعات الجديدة.

ويواجه سكان الولايات التي تسيطر عليها قوات “الدعم السريع” كليًا أو جزئيًا تحديات سياسية وأمنية تحول دون استبدال عملاتهم القديمة، حيث تفتقر هذه المناطق إلى بنوك أو مصارف تعمل. وفي الوقت نفسه، أعلنت “الدعم السريع” أن حيازة العملات الجديدة في مناطقها “ممنوعة”. بموجب الإجراءات الحكومية، فإن الفترة المخصصة لاستبدال العملة ستنتهي في 23 ديسمبر.

ويخشَى المواطنون في ولايات “العملة القديمة” أو بالأحرى الولايات التي تتبع “الدعم السريع” من فقدان مدخراتهم، في ظل توقف البنوك وضعف أو انقطاع شبكات الاتصالات، بالإضافة إلى أن التنقل بالعملات بين الولايات يُعتبر مغامرة مليئة بالمخاطر. طَوَّلت صفوف مُواطني الولايات السبع أمام البنوك لإيداع عملاتهم القديمة من فئات “ألف جنيه” و”500 جنيه”، وهما أكبر فئتين من الجنيه السوداني. وأعلن بنك السودان المركزي في ذلك الحين أن المواطنين لن يحصلوا على “نقود نقدية”، بل سيتوجب عليهم إيداع مدخراتهم في البنوك، حيث تم تحديد سقف للسحب بمقدار 200 ألف جنيه يومياً، أي ما يعادل تقريباً 100 دولار. يُذكر التبديل الجزئي للعملات بانفصال جنوب السودان في عام 2011، حين أُطلق مصطلح “دولة واحدة بنظامين”، الذي أفضى إلى إنشاء “دولتين” غير مستقرتين. والآن، قد يصبح السودان “دولة بعملتين”، مما يعزز مخاوف المحللين الذين تحدثوا إلى “الشرق الأوسط”، حيث أشاروا إلى أن هذه الخطوة قد “تمهد لتقسيم البلاد”. لا تعترف “الدعم السريع” بالعملة الجديدة، وتعتبرها “غير مُعفاة من المسؤولية” وفقاً لبيان رسمي. وتصفها بأنها “مؤامرة خبيثة” تهدف إلى تقسيم البلاد، وتزعم أن “الحركة الإسلامية” (المتحالفة مع الجيش) تقوم بتنفيذ مخطط لتفكيك السودان، حسبما ورد من اتهامات من جانب “الدعم”.

سياسات انفصال الجنوب

يعتبر المحلل محمد لطيف أن تغيير العملة يُعَدّ “قفزة فوق الخطوات” و”تأكيداً مبكراً على انقسام البلاد”. ويُشير إلى أن هذه “فكرة ساذجة” ستؤدي إلى إبعاد مناطق سيطرة (الدعم السريع) عن النظام الاقتصادي للبلاد، حيث إن الكتلة النقدية الأكبر تتواجد في مناطق الإنتاج مثل حزام الصمغ العربي ودارفور ووسط البلاد، مما يعني عملياً إقصاء الكتلة النقدية المؤثرة من دورة الاقتصاد السوداني. يشير لطيف إلى “صعوبة التنقل بين الولايات” كأزمة إضافية تتعلق بمسألة تبديل العملات، ويقول إن “من يحاول التنقل وهو يحمل أموالاً قد يتحول إلى مجرم، حيث إن المواطن الذي يتحرك من مناطق (الدعم السريع) يُتهم بالتعاون معها، فكيف إذا كان يحمل أموالاً؛ فإنه بالطبع سيتهم بنقلها لصالح (الدعم)”.

ويُحمّل لطيف “الحركة الإسلامية” المسؤولية عن “التأثيرات السلبية الناتجة عن طباعة العملة الجديدة”، ويعتبر هذه الخطوة “استمراراً لسياساتها التي أدت سابقاً إلى انفصال جنوب السودان”. ويشير إلى أن “الحركة الإسلامية راهنت على السيطرة على الجنوب أو التخلص منه، ونجحت في ذلك، وتغيير العملة الحالية لا يختلف عن تفكيرها ونظرتها تجاه المناطق المهمشة، التي تعتبرها غير مرغوب فيها”. اتهم لطيف أيضًا “الحركة الإسلامية” بأنها تسعى من خلال إجراءات تغيير العملة إلى “تحويل الانقسام إلى واقع، مما يعكس تفكيرها في إلغاء السودان القديم والبحث عن سودان جديد يتم فيه التخلص من العنصر الأفريقي أو العربي القادم من (عُمق) أفريقيا، باعتبار ذلك إنجازًا مهمًا”، على حد تعبيره.

عملة موازية

حذر المحلل الاقتصادي أحمد خليل، في حديثه لـ”الشرق الأوسط”، من أن “تغيير جزئي للعملة قد يؤدي إلى دفع (الدعم السريع) نحو طباعة عملة في المناطق التي تسيطر عليها، أو إلى اعتماد العملات القديمة، وحتى استخدام عملات من دول الجوار السوداني”. يعتقد خليل أن “تغيير العملة سيزيد من حالة الانقسام الحالية ويعمقها”، ويشير إلى أنه “قد يشجع على مناقشات تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة (الدعم السريع)، مما يعد خطوة كبيرة نحو تقسيم البلاد”.

ويقول خليل: “إذا قامت (القوات الدعم السريع) بطباعة عملة جديدة، فإن ذلك سيؤدي إلى تقسيم البلاد إلى منطقتين، إحداهما تحت سيطرة الجيش، والأخرى تحت سيطرة الدعم.” يشير خليل إلى أن هناك محادثات جارية لتشكيل “حكومة موازية”، حيث قال: “حالياً، يتم مناقشة التحديات التي تواجه هذه الحكومة، بالإضافة إلى سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. مسألة طباعة عملة واحدة تُعتبر من القضايا التي تُدرس بجدية في هذه النقاشات.”

ليس أولوية

يرى الخبير الاقتصادي ورئيس محفظة السلع الاستراتيجية الحكومية سابقاً، عبد اللطيف عثمان، أن تغيير العملة ليس “أولوية” في ظل ظروف الحرب، حيث يقول: “تتبع الدول سياسات اقتصادية تُعرف باقتصاديات الحرب، وتركز مواردها لدعم المجهود الحربي في الحروب الوطنية. أما في الحروب الأهلية، فتتغير طبيعة الاقتصاد لصالح الاستقطاب الداخلي والصراع الأهلي.” ويشير إلى أنه “كما توجد معارك عسكرية كبيرة واستقطابات على الصعيدين السياسي والعرقي والقبلي، هناك أيضًا صراع اقتصادي شديد. لذلك، من الأفضل أن نضع الأولويات بهدف تعزيز وحدة البلاد، وتجنب دفعها نحو الانقسامات القبلية والعرقية والجغرافية والاقتصادية”.

ويعتبر عثمان تغيير العملة بمثابة “إضافة الزيت إلى نيران الحرب”، ويعتبره دعماً لحالة الانقسام، ويؤكد: “فعلياً، هذا سيؤدي إلى تمهيد الطريق نحو الانفصال، أو تقسيم البلاد اقتصادياً كما تم تقسيمها عسكرياً”. يقارن عثمان تكلفة الطباعة التي يعتبرها مرتفعة للغاية، حيث تُقدّر بـ138 مليون دولار. ويشير إلى أن العائد منها ضعيف جداً. ويقول: “لا يوجد عائد أو فائدة واضحة من تغيير العملة، بل إن محاولة التحكم النسبي في السيولة داخل النظام المصرفي ستؤدي في النهاية إلى تسربها للخارج”. يؤكد عثمان على عدم وجود شمول جغرافي للخدمات المصرفية في السودان، كما يضيف إلى ذلك مشكلة “تعطل الأنظمة الإلكترونية وسوء الاتصالات”.

ويصل الخبير السوداني إلى استنتاج بأن “قرار استبدال العملة صحيح من حيث المبدأ، لكنه جاء في وقت غير مناسب؛ فهناك دول خاضت حروباً لفترات أطول، مثل سوريا، ولم يتم فيها تغيير العملة.” يرى عثمان أن المواطنين ضحايا لعملية تبديل العملة، حيث قال: “أصبح المواطن نقطة تقاطع لإطلاق النار ومنصة تصويب للطرفين، مما أدى إلى فقدان مدخراته جراء انهيار النظام المصرفي وتدهور سعر الصرف، كما سيفقد ما تبقى له بسبب تبديل العملة.” يقول عثمان: “إن العملة، كونها العنصر الأساسي في الاقتصاد والسلعة التي يتم تبادلها مع جميع السلع الأخرى، ينبغي ألا تُستخدم كسلاح أو أداة حرب بين الأطراف المتصارعة.”

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


إقرأ أيضا