(الراكوبة – بوابة السودان)
تزامنًا مع اشتداد المعارك في مدينة الفاشر وما يتردد عن اقتراب سقوط الفرقة السادسة مشاة، آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور، تتزايد المخاوف على حياة النازحين في معسكر زمزم، الذين يعيشون أوضاعًا إنسانية مأساوية. فالحرب الدائرة حول المعسكر تعيق وصول المساعدات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وإعلان المجاعة.
ويقع معسكر زمزم على بُعد 12 كيلومترًا جنوب الفاشر، وقد أُنشئ عام 2004 بواسطة منظمات انسانية دولية ليؤوي الفارين من التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي نفّذها النظام السابق، والتي أسفرت عن ملاحقة رموزه من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين، بالإضافة إلى أحمد هارون، الذي عُيّن بواسطة الحركة الإسلامية مؤخرًا رئيسًا لحزبها (المؤتمر الوطني)، و”علي كوشيب”، الذي انتهت مرافعات محاكمته في لاهاي الأسبوع الماضي.
عسكرة المعسكر المدني
وصرّح المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيرييلو، في تصريحات صحفية، بأن القوات المشتركة – التي تضم حركات ومليشيات دارفورية مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني – تستخدم معسكر زمزم للنازحين لأغراض عسكرية. ووصف بيرييلو هذا الإجراء بأنه انتهاك للقانون الدولي الإنساني.
وفي تغريدة عبر منصة (X)، ناشد بيرييلو القوات المشتركة الحفاظ على الطابع المدني للمعسكر، محذّرًا من استخدامه في العمليات العسكرية، لما يشكّل ذلك من تهديد مباشر لحياة عشرات الآلاف من سكان المعسكر ويجعلهم عرضة للهجمات العسكرية.
وكان مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية قد كشف، في تقرير نُشر بداية نوفمبر الماضي، عن إنشاء مواقع دفاعية داخل معسكر النازحين. وأوضح التقرير، المستند إلى صور الأقمار الصناعية والبيانات الحرارية، أن هذه التحركات تشير إلى احتمالية وقوع هجمات عسكرية وشيكة في محيط المعسكر.
النازحون والعمليات العسكرية
ونشر حساب مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية على منصة X تقريرًا جديدًا يوم أمس الأول، أشار فيه إلى احتمالية تعرض معسكر زمزم للقصف من مدفعية قوات الدعم السريع، مع الإشارة إلى حركة نزوح من المعسكر. ولكن مصدر مطلع بالدعم السريع نفى بشكل قاطع قيام قوات الدعم السريع بقصف المعسكر، مؤكدًا أن قواته تخوض حربًا ضد الجيش والمليشيات المتحالفة معه في الفاشر وترد على هجماتهم. وأضاف المصدر أن الجيش والقوات المشتركة، خاصة حركة مناوي، أصبحوا يستخدمون معسكر زمزم في العمليات العسكرية، متخذين من النازحين المدنيين دروعًا بشرية.
وأوضح المصدر أن “معسكر زمزم قد حولته استخبارات الجيش والقوات المشتركة إلى قاعدة حربية ومركز دعم لوجستي، حيث يُستخدم كموقع انطلاق للمنصات القتالية، بالإضافة إلى كونه مركزًا للإمداد العسكري يتم من خلاله نقل الأسلحة والوقود لفرقة الجيش”.
المدنيون كأدوات في حرب الجيش
بينما تتهم بعض الأطراف قوات الدعم السريع بقصف معسكر زمزم للنازحين، تشير أطراف أخرى إلى أن الجيش يستخدم المدنيين كأدوات في سعيه لهزيمة الدعم السريع.
ويقول مراقبون إن الجيش يعتمد على خطة تهدف إلى استدراج قوات الدعم السريع للقتال ضد السكان المدنيين، وذلك من خلال طريقتين: الأولى، حدثت في قرى ولاية الجزيرة، وتمثلت في إنشاء معسكرات تدريب عسكرية وسط المدنيين داخل القرى، حيث تم تسليح بعض المواطنين ببنادق خفيفة ثم الانسحاب من المنطقة بعد تحويلها لمنطقة عسكرية، مما جعل المدنيين أمام قوات مدربة وشرسة كقوات الدعم السريع. أما الطريقة الأخرى، فهي ما يحدث الآن داخل معسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور، وتتمثل في دخول القوات المشتركة واستخبارات الجيش وتحويل المعسكر إلى ثكنة عسكرية ومنصة لإطلاق العمليات الحربية، مما يجعله هدفًا عسكريًا.
ووصف مراقبون ما يقوم به الجيش والكتائب والمليشيات المتحالفة معه بأنه تصرف غير أخلاقي واستخدام مروع للمدنيين في صراع عسكري.
وتجسد الأزمة في معسكر زمزم الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه النازحون في دارفور، حيث تحول المعسكر من ملاذ آمن للهاربين من ويلات الحروب إلى ساحة قتال.
وإن تصاعد الانتهاكات ضد المدنيين، وتحويل مساكنهم إلى ساحات حرب، واستغلالهم كدروع بشرية، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي. يتطلب الوضع تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لحماية النازحين، وقف الانتهاكات، وضمان انسحاب القوات المشتركة من المعسكر.
إن معاناة سكان زمزم المستمرة تبرز الحاجة الملحة لوضع حد لهذه الحرب الكارثية.