آخر الأخبار

الشرف الضائع: قراءة في وثيقة قبائل الشرق!

شارك الخبر

( الراكوبة)

اطلعتُ أمس على وثيقة صادرة عن جماعات قبلية من شرق السودان، موجَّهة إلى والي كسلا، تحت عنوان: *”وثيقة الشرف القبلية”.* جاءت الوثيقة بمبادرة جهة تُسمى *”مبادرة أبناء الشرق في الخدمة العامة لتعزيز السلم المجتمعي”،* وتضمنت تسعة بنود تعلن فيها تلك الجماعات براءتها من قوات الدعم السريع، وتنفي أي علاقة تربطها بها. كما تبرأت من أي فرد ينتمي إلى هذه القوات ممن وصفتهم الوثيقة بـ”مرتكبي العدوان، الداعمين، المشاركين، المحرّضين، والمؤيدين للدعم السريع”. وأكدت الوثيقة على تطبيق مبدأ *”العزل الاجتماعي”* ضد من وصفتهم بالخونة والعملاء، إلى جانب فرض العقوبات المنصوص عليها في الأعراف القبلية.

أقرت الكيانات القبلية في الوثيقة أيضاً مسؤوليتها عن حفظ أمن واستقرار مناطقها وحدود الوطن، كما دعت إلى إحياء *”الدفع الشعبي”* لدعم القوات المسلحة بالمال والرجال، وكل ما تحتاجه. وأعلنت عن صلح عام يؤجل الخلافات القبلية، باستثناء الخلافات المتعلقة بمن أسمتهم “حواضن الدعم السريع”.

*لكن، أين الشرف في هذه البنود؟*
ما الذي يمكن أن يكون مشرفاً في وثيقة كهذه؟ الحقيقة أنها ليست سوى *وثيقة عار وخزي وامتهان للكرامة.* إذ تُجسد هذه الوثيقة خضوعاً مهيناً لكيان سياسي مارق أشعل الحرب في السودان، وأهان شعبه، وعلى رأسهم نُظار القبائل وعُمدها ومُكوكها. أولئك الذين باتوا أدوات يُحركها التنظيم الإسلاموي الدموي عن بُعد، ليجعل منهم مجرد دُمى يتحكم بها، سواء عبر الابتزاز أو التخويف.

*نظار وعُمد بلا إرادة*
إن نظار القبائل وعمدها ووكلاء الكيانات في شرق السودان أثبتوا، من خلال هذه الوثيقة، أنهم أضعف من أن يتحملوا مسؤولياتهم بشجاعة. لقد تحولوا إلى أدوات بيَد الكيزان وأجهزة الاستخبارات العسكرية، ينساقون خلف توجيهاتها دون أدنى مقاومة. ولنا أن نتذكر جميعاً كيف لعب الناظر محمد الأمين ترك دوراً مشبوهاً حين استُخدم كأداة من قبل حزب المؤتمر الوطني المخلوع وأجهزته الأمنية. قاد حينها إغلاق الطريق الحيوي الخرطوم – بورتسودان ، وأغلق الموانئ، ونشر خطاب الكراهية والعنصرية. وكانت أفعاله على وشك إشعال حرب قبلية في شرق السودان، لولا إرادة الله وحكمة زعماء القبائل الأخرى، الذين حالوا دون ذلك.

خلال تلك الفترة، أشعل الكيزان وأجهزة استخبارات الجيش صراعاً بين النوبة وبني عامر، إلى جانب الحباب، في القضارف وكسلا وخشم القربة وبورتسودان. ورغم أن تلك الفتنة خمدت بعد انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021 – لأسباب معلومة- فإنها كانت مجرد مرحلة من مراحل التلاعب بمصير البلاد.

*واقع اليوم*: نزاعات تحت الطلب
اليوم، في ظل الانفلات الأمني، وتسليح القبائل، وضعف الدولة، اختفت النزاعات القبلية مؤقتاً في شرق السودان، ليس بفضل جهود الحكومة أو مبادرات السلام، بل لأن صُنّاع الفتن أنفسهم انشغلوا بالصراعات الداخلية التي أشعلوها، وأولهم التنظيم العسكري الاسلامي داخل الجيش وجهاز أمنهم ومخابراتهم. ومع ذلك، لا تزال سيطرتهم على زعماء القبائل قائمة، إذ يُجبرونهم على التوقيع على وثائق مثل هذه.

في هذه الوثيقة تحديداً، يُكرّس نظار القبائل فكرة العزل الاجتماعي، مستهدفين من ينعتهم الكيزان بـ”حواضن الدعم السريع”، أي أفراد القبائل العربية الدارفورية المقيمين في شرق السودان، الذين وُصِفوا بأنهم “أعداء”. بهذا المعنى، تُعتبر الوثيقة أداة خطيرة تُرسخ نزاعات قبلية جديدة، قد تعود لتشتعل في أي لحظة.

*أي شرف هذا؟*
إن الشرف يعني السمو والعلو ورفعة المقام، وحُسن الأفعال والأخلاق كما تعارفت عليه الانسانية والمكونات الاجتماعية. فأين هو الشرف في أن يوقّع زعماء القبائل على وثيقة كُتبت تحت الضغط أو الإملاء؟ هذه الوثيقة ليست سوى *وثيقة عار وخزي،* لا تمت للشرف بصلة، سوى في الاسم الذي أُطلق عليها زوراً وبهتاناً.

ختاماً، هؤلاء النظار والعمد الذين باتوا أدوات بيد تنظيم سياسي شيطاني، قد باعوا شرفهم الحقيقي بتوقيعهم على هذه الوثيقة. ومن المؤسف أنهم يواصلون، بوعي أو بغير وعي، ترسيخ الانقسامات، وتأجيج النزاعات، وإهانة كرامة قبائلهم وشعوبهم.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


إقرأ أيضا