تتنافس العديد من الحكومات الإقليمية على فرض نفوذها مع تصاعد حدة القتال، حيث تقود أبوظبي أحد الأطراف في المعركة، بينما تقف مصر في الطرف الآخر، مما أدى إلى عواقب كارثية على 48 مليون سوداني، بعضهم يعيش الآن في قبضة المجاعة.
هذه المصالح المتنازع عليها تتمثل في السيطرة على ممرات الشحن في البحر الأحمر، وأحد أكبر احتياطيات الذهب في إفريقيا، والمياه المتنازع عليها لنهر النيل، فيما تتجه الحرب في السودان تدريجيا إلى حرب إقليمية.
وأظهرت مقاطع الفيديو المهتزة التي التقطت بهواتف محمولة في سهول دارفور القاحلة بالسودان كغيرها من المشاهد التي تظهر من الحرب الأهلية الوحشية في البلاد حيث يظهر فيها رجال بزي عسكري مموه يقفون بجانب صناديق أسلحة، يستعرضون غنائم معركتهم.
ثم يقوم أحد الرجال بتقليب أوراق وممتلكات شخصية تخص الأسرى الذين تم أسرهم حديثًا ويقول بلهجة عربية متأثرة بلكنة محلية من قبيلة الزغاوة، بينما يحمل جواز سفر صادر على بعد حوالي 7000 ميل عن حكومة كولومبيا “انظروا إلى هذا، إنهم ليسوا سودانيين”، ثم يضيف “هؤلاء هم الذين يقتلوننا”.
تُظهر هذه الفيديوهات ادلة واضحة على أن الحرب في السودان بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع المتمردة قد تحولت إلى ساحة معركة لقوى أجنبية متعددة، مستقدمةً مقاتلين وأسلحة من أماكن بعيدة مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا.
شركة مقرها أبوظبي
أصبحت المرتزقة أداة ذات أهمية متزايدة الآن لتحقيق التفوق الاستراتيجي، وقد تم التعاقد مع المقاتلين الكولومبيين الذين تم القبض عليهم الشهر الماضي في دارفور في وقت سابق من هذا العام من قبل شركة مقرها أبوظبي تُدعى مجموعة خدمات الأمن العالمي (Global Security Services Group)، وفقًا لمقابلات أجريت مع أكثر من عشرة مسؤولين دوليين ومقاتلين كولومبيين سابقين، بالإضافة إلى مراجعة لملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الشركات.
تصف الشركة نفسها بأنها المزود الوحيد للخدمات الأمنية الخاصة المسلحة لحكومة أبوظبي، وتدرج ضمن عملائها وزارات شؤون الرئاسة والداخلية والخارجية في الدولة الخليجية.
قدمت الشركة نفسها في أوغندا، حيث قامت مجموعة خدمات الأمن العالمي (GSSG) بتدريب القوات المحلية على عمليات مكافحة الإرهاب وحماية الشخصيات المهمة، على أنها تعمل نيابة عن الحكومة الإماراتية، وفقًا لما ذكره متحدث باسم الجيش.
ولم ترد مجموعة خدمات الأمن العالمي وممثلو الشركة على الاتصالات الهاتفية أو الرسائل الإلكترونية أو رسائل LinkedIn التي تطلب التعليق.
نقل المجندون الكولومبيون إلى الأراضي الليبية التي يسيطر عليها زعيم الحرب خليفة حفتر قبل العبور إلى معقل قوات الدعم السريع في دارفور. وقد حظي حفتر منذ فترة طويلة بدعم الإمارات وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن أبوظبي تقوم أيضًا بشحن أسلحة ومواد حربية أخرى إلى قوات الدعم السريع، وهو ما أكده أيضًا خبراء الأمم المتحدة.
وتُعتبر أبوظبي الوجهة الرئيسية لمعظم صادرات السودان الرسمية وغير الرسمية من الذهب، وقد أعرب المسؤولون الإماراتيون عن قلقهم إزاء ما يرونه دعمًا من قوى إسلامية للجيش السوداني.
ونفت وزارة الخارجية الإماراتية تقديمها الدعم أو الإمدادات لقوات الدعم السريع أو أي طرف آخر في الحرب، وقالت إنها تواصل الدعوة إلى حل سلمي للصراع، ولم ترد على أسئلة مفصلة بشأن صلاتها بالشركة.
على الجانب الآخر من الصراع، تقف مصر، التي تسعى للحصول على دعم السودان في مواجهتها مع إثيوبيا بشأن سد عملاق على النيل.
ونفت وزارة خارجيتها شن غارات جوية في السودان لمساعدة الجيش السوداني، ويقول كبار المسؤولين العرب بشكل خاص إن مصر نشرت طائرات خفيفة لتقديم الدعم، وألقت قنابل على مواقع قوات الدعم السريع في دارفور وولاية سنار بوسط البلاد، حيث استعاد الجيش السوداني مؤخرًا عددًا من البلدات من قوات الدعم السريع.
تخضع دارفور لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وقد دعت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا الحكومات الأجنبية إلى البقاء بعيدًا عن الصراع الذي بدأ في أبريل 2023.
لكن القتال تصاعد، مما أدى إلى خلق ما يُعتبر الآن على نطاق واسع أكبر أزمة إنسانية في العالم، وبحسب بعض التقديرات، قُتل ما يصل إلى 150 ألف شخص، ويعاني نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، من مستويات أزمة الجوع، وأُجبر واحد من كل أربعة سودانيين على ترك منازلهم، كما أُعلنت المجاعة في مخيم بدارفور يستضيف ما بين 500 ألف ومليون نازح، والذين تعرضوا في الأيام الأخيرة أيضًا لهجمات من قوات الدعم السريع.
وتهدد الأدوار البارزة للمرتزقة والحكومات الأجنبية بتمديد المعاناة على المدنيين في السودان.
بفضل مخزونها الكبير من قدامى المحاربين في حرب المخدرات الذين دربوا على أسلحة أمريكية، كانت كولومبيا منذ فترة طويلة هدفًا لمجندي شركات الأمن والمرتزقة الأجنبية.
أرسلت أبوظبي، عبر متعاقدين عسكريين، كولومبيين للقتال في الحرب الأهلية في اليمن قبل عقد من الزمان، وفي سبتمبر الماضي، بدأت شركةُ تجنيد مسجلةٌ في بوغوتا بكولومبيا تُدعى وكالةُ الخدمات الدولية (International Services Agency)، والمعروفة اختصارًا بـ A4SI، في نشر إعلانات على موقعها الإلكتروني تبحث فيها عن مشغلي طائرات بدون طيار، ومتخصصين في الأمن السيبراني، وحراس شخصيين للعمل في إفريقيا.
في الوقت نفسه، جرى تداول إعلان وظيفي مختصر في مجموعات الدردشة الخاصة بقدامى المحاربين الكولومبيين، يعرض رواتب تتراوح بين 2600 و6000 دولار شهريًا للمتقدمين ذوي الخبرة العسكرية للعمل في الشرق الأوسط وإفريقيا.
واستضافت الشركة لقاءات تعريفية في مدن مختلفة عبر كولومبيا، بما في ذلك في منتصف أكتوبر في مدينة ميديلين، حيث تجمع حوالي 80 من العسكريين والشرطة السابقين الكولومبيين للاستماع إلى عرض من مجند يسعى لنشر قوة مكونة من 200 فرد إلى إفريقيا.
ووفقًا لمتعاقدين عسكريين كولومبيين على دراية بجهود التجنيد، كانت شركة A4SI تبحث عن قناصة ومترجمين من الإسبانية إلى الإنجليزية.
وقّع العشراتُ من الجنود السابقين عقودًا مع شركة مجموعة خدمات الأمن العالمي (GSSG)، التي عملت مع A4SI لعدة سنوات، حسبما قال المتعاقدون.
ولم ترد شركة A4SI على المكالمات أو الرسائل الإلكترونية التي تطلب التعليق، ولم يجب أحد عند زيارة مكتبيها في بوغوتا.
ووفقًا لمسؤولين شمال أفارقة، يُقدَّر عدد الكولومبيين الذين مروا عبر ليبيا لدعم العمليات في السودان بحوالي 160 شخصًا.
وأفاد مسؤولون من الشرق الأوسط وإفريقيا أن المتعاقدين الكولومبيين هم جزء من جهود أبوظبي لدعم حليفها قوات الدعم السريع بعد أن فقدت مواقع لصالح الجيش السوداني وحلفائه المصريين حول العاصمة الخرطوم وفي وسط السودان.
كما اشترى الجيش السوداني طائرات بدون طيار من إيران، التي سبق لصحيفة وول ستريت جورنال أن ذكرت أنها تسعى لبناء قاعدة بحرية على ساحل السودان المطل على البحر الأحمر.
وتسيطر قوات الدعم السريع الآن على معظم مناطق دارفور وتقترب من السيطرة على مدينة الفاشر المحاصرة.
لكن العقود التي وقعها الكولومبيون مع شركة مجموعة خدمات الأمن العالمي (GSSG) لم تذكر السودان أو الانتشار في منطقة حرب نشطة، وفقًا لما قاله متعاقدون عسكريون كولومبيون وجنود متقاعدون، وقال أحد المتعاقدين: “لقد تم خداعهم عمليًا”.
ويقول قدامى المحاربين الكولومبيين ومسؤولون من الشرق الأوسط وأفريقيا إن المجندين سافروا إلى الإمارات من كولومبيا.
سافر كريستيان لومبانا مونكايا، العريف المتقاعد الذي ظهرت مستنداته في مقاطع الفيديو من دارفور، من بوغوتا إلى دبي في 6 أكتوبر وبقي هناك لعدة أسابيع، وفقًا للأختام على جواز سفره والصور المنشورة على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الإمارات، ارسل الكولومبيون إلى مطار في بنغازي، وهي مدينة في شرق ليبيا يسيطر عليها خليفة حفتر، زعيم الحرب الليبي، ثم إلى قاعدة جوية قديمة بالقرب من الحدود السودانية، وفقًا للمسؤولين من الشرق الأوسط وأفريقيا وكذلك قدامى المحاربين الكولومبيين المطلعين على العمليات.
في الثاني والعشرين من نوفمبر، ظهرت علامات على وجود المتعاقدين الكولومبيين مرة ثانية، عندما نشر متحدث باسم قوة حماية دارفور المشتركة، وهي تحالف من الجماعات المسلحة تقاتل ضد قوات الدعم السريع إلى جانب الجيش السوداني، مقاطع الفيديو المشوشة للقافلة التي اُعترضت من قبلهم على حسابه في فيسبوك.
وقال إن قوات التحالف قد استولت على عدة مقاتلين أجانب، بعضهم قتل، إلى جانب المركبات والأسلحة، واتهم أبوظبي بتنظيم حركة المقاتلين والأسلحة عبر دارفور.
وأظهرت إحدى الفيديوهات علامات تحمل أسماء بلغارية على صندوق يحتوي على قذائف هاون عيار 81 ملم وقالت وزارة الاقتصاد البلغارية، التي تشرف على تصدير الأسلحة من البلاد، إنها لم تصدر أي تصاريح لبيع الأسلحة إلى السودان.
وناقش وزير خارجية كولومبيا مشاركة المتعاقدين الكولومبيين في الحرب مع نظيره في حكومة السودان المدعومة من الجيش في الثالث من ديسمبر، وقالت الوزارة إنها تعمل من خلال القنوات الدبلوماسية لإعادة الجنود السابقين إلى وطنهم، الذين قالت إنهم تم خداعهم للمشاركة في العملية.
ولم يتمكن أحد من الوصول إلى كريستيان لومبانا مونكايا أو أفراد عائلته للتعليق، ولم يتضح ما إذا كان قد نجا من الهجوم على القافلة.