تصاعدت الخلافات داخل تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) عقب انتهاء اجتماعاتها في أوغندا قبل أيام، وعدم التفاهم حول تشكيل حكومة في المنفى لسحب شرعية الحكومة الحالية في بورتسودان، ضمن وسائل ضغط لوقف الحرب في السودان، مع وجود مقدمات لتشظي التحالف المدني الذي تأسس بعدها.
وقالت مصادر مطلعة في تنسيقية “تقدم” لـ”العرب” إن بعض كيانات الجبهة الثورية السودانية وقيادات من حزب الاتحاد الديمقراطي (الأصل) وبعض الشخصيات المستقلة ومجموعة من شباب دارفور، تجري مشاورات في كينيا حاليا لبحث إمكانية إعلان حكومة منفى، رغم الاتفاق على إحالة المطلب إلى لجنة سياسية للبت فيه، ما يعتبر بداية لانقسام بالتنسيقية قد يقود إلى انقسامات في صفوف قواها.
وفشل طرفا الخلاف الرئيسيان، وهما حركات الجبهة الثورية التي اتخذت موقفا محايدا من الحرب من جانب، وغالبية الأحزاب المدنية وفي مقدمتها حزب الأمة القومي ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك من جانب آخر، في المحافظة على سرية الاختلافات داخل أروقة “تقدم”، ما شكل ضربة للقوى المدنية بوجه عام، بعد أن كان يتم التعويل عليها لتشكل ضغطا حقيقيا لوقف الحرب، وبدا أنها خرجت بهذا الخلاف من معادلة الحل مع الاقتناع بأنها غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من التماسك إلى حين انتهاء الخطر المحدق بالجميع، بما فيها تلك القوى جراء استمرار الحرب.
وتضم الجبهة الثورية التي تنضوي داخل تنسيقية تقدم، كلا من حركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس يحيى، وحركة العدل والمساواة/ جناح سليمان صندل، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر/ حزب مؤتمر البجا المعارض بزعامة أسامة سعيد.
وهناك وجهات نظر بشأن تشكيل حكومة المنفى داخل “تقدم”، إحداها تعارض المقترح وترى عدم وجود شرعية محلية أو دولية لأي حكومة في السودان منذ انقلاب أكتوبر 2021 والتعامل مع الحكومة في بورتسودان يتم على أساس أنها حكومة أمر واقع وليس هناك ما يدعو إلى تشكيل أخرى لسحب تلك الشرعية غير الموجودة.
والثانية تقتنع بأن الحكومة في بورتسودان تتمتع بكل امتيازات الشرعية ولا بد من نزع هذه الشرعية عنها عبر حكومة تجد الاعتراف داخليا وخارجيا، فيما هناك خلاف بيني آخر يتعلق بمكان تواجد هذه الحكومة، وإذا كان من المفترض أن تبقى في الخارج أم في الداخل لممارسة عملها في المناطق التي لا يتواجد فيها الجيش، ويبقى فيها المواطنون بحاجة إلى من يقدم الخدمات إليهم.
وأكد القيادي بتنسيقية “تقدم” أحمد خليل أن مجموعة من المكونات الحزبية والحركات المسلحة قد تعلن انشقاقها الأيام المقبلة دون أن يكون ذلك مصحوبا بحالة عداء تام، والسبب يعود إلى إصرار هذه المجموعة على تشكيل حكومة في المنفى يجري الإعداد لها حاليا، وهذا خلاف مكتوم منذ أن جرى طرح مسألة تشكيل الحكومة قبل انعقاد المؤتمر التأسيسي للتنسيقية في مايو من العام الماضي وتم إرجاء النقاش حولها إلى حين تشكيل التنسيقية والتوافق على آليات عملها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن اجتماعات عنتيبي بأوغندا شهدت حشدا واسعا من المجموعات التي تصر على موقفها بشأن تشكيل الحكومة، وتم إدراجها ضمن ملفات النقاش التي صاحبها الإعلان عن إحداث إصلاحات داخل التنسيقية عبر تقديم مذكرات من التيار الثوري والمجتمع المدني ولجان المقاومة.
كما تطرقت النقاشات التي أجراها رئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد نور مع لجان المقاومة والقيادات الشبابية على هامش الاجتماعات، إلى الأمر ذاته.
وأشار خليل إلى أن بعض كيانات تنسيقية تقدم تُعد لعقد مائدة مستديرة للتوافق على شكل حكومة المنفى، وهو أمر لا يحظى باتفاق كامل، وأن المشكلة تتمثل في أن الخلافات ضربت أجسام الكيانات السياسية والحركات المسلحة معا، على أسس موضوعية لا تخلو من عرقية، ما يشي بأن الحرب ضربت القوى السياسية السودانية.
ولفت في حديثه لـ”العرب” إلى محاولات جارية للإثناء عن فكرة إنشاء حكومة المنفى دون توافق كامل، وليس من المتوقع أن تكلل بنجاح، كما أن وجود مجموعة في كينيا بهدف التخطيط لإقامتها يصعّب مهمة الوصول إلى تفاهمات بعد أن فشلت اجتماعات عنتيبي في إحداث اختراق سياسي.
وتخدم خلافات تنسيقية تقدم الأطراف الساعية لإطالة أمد الحرب، لأنها تخفف من الضغوط الواقعة عليها، وأن تشرذم القوى المدنية يقلص من فرص القوى المدنية لتحقيق مكاسب سياسية، حال جرى التوافق على وقف الحرب في أي وقت.
وعند اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) والفشل في إيقافها، كان هناك احتمال بأن تلعب القوى المدنية دورا بالمشاركة في المبادرات الإقليمية والدولية للتوصل إلى هدنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المواطنين في مناطق النزاع.
وعمدت قوى محسوبة على الجيش إلى ضرب بعض القوى المدنية، في مقدمتها “تقدم”، وتوجيه اتهامات لها بالتحالف مع الدعم السريع، ما أثر على التنسيقية التي وجدت نفسها مطالبة بالدفاع عن مواقفها، كما أن عملها بشكل مستمر من الخارج وصعوبة الأوضاع الداخلية خلقا جدارا عازلا بينها وبين مكونات شعبية عديدة.
ذكر المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم أن البعد القبلي ظهر واضحا في خلافات القوى السياسة، رغم أن ذلك لم يكن حاضرا من قبل، ما يشكل نواة لتفتيت القوى المدنية مع نشوب صراعات السلطة والتواجد في المركز، وأن الواقع أفرز مكونات خارج “تقدم” لها تأثير على الأرض، وأن التحالف الذي يقوده حمدوك لا يمثل كل المعارضين لاستمرار الحرب.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “بعبع” تقسيم البلاد وإن كان لا وجود له على أرض الواقع في السودان، ويصعب أن يتحقق في المستقبل، إلا أنه يشكل هاجسا شعبيا، وهو ما يجعل التعامل مع أي حكومة وعدم الاعتراف بشرعية حكومة بورتسودان لا يحظى برضاء شعبي، وحال جرى إرجاء تشكيل الحكومة فذلك لن ينهي التشظي داخل “تقدم” بعد أن بات واضحا وجود خلافات قوية، ومع مناقشة مسألة تشكيل الحكومة علنا وأن الشرخ سيحدث لا محالة.
ونوه بأن القوى المدنية التي توحدت لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير كان توافقها لضرورات إنهاء حقبته والخلافات التي نشبت على السلطة منذ تشكيل الحكومة المدنية أحدثت شرخا وصل إلى تفتت قوى الحرية والتغيير، وبدلا من أن تتوافق على إقرار القوانين الانتقالية وتشكيل المجلس التشريعي اختارت التحالف مع المكون العسكري، وهو ما كان مثار رفض من قطاع واسع من الثوار وحركتي عبدالواحد نور وعبدالعزيز الحلو، وخلافات “تقدم” امتداد لتباين نشب منذ الفترة الانتقالية.