آخر الأخبار

هل باتت أخبار الحرب السودانية رهينة الـ"ترند"؟

شارك الخبر

إسماعيل محمد علي

في ظل هذا الواقع كيف ينظر المتخصصون بهذا المجال إلى مدى تأثير “صناع المحتوى” في تشكيل اتجاهات الرأي العام السوداني، وفي مسار الحرب وطول أمدها؟

أحدث توقف الصحف السودانية مع اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 فراغاً كبيراً في جانب المعلومات والأخبار المتعلقة بتطورات المشهد السوداني، مما فتح الباب لهواة صناع المحتوى لسد هذا الفراغ من خلال صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، وجعل كثيراً من المواطنين يقعون تحت السيطرة الكاملة لهؤلاء الصناع الذين لا يتقيدون بالموثوقية والمعايير المهنية المعروفة.

في ظل هذا الواقع كيف ينظر المتخصصون بهذا المجال إلى مدى تأثير “صناع المحتوى” في تشكيل اتجاهات الرأي العام السوداني، وفي مسار الحرب وطول أمدها؟

امتصاص الصدمة

ترى المتخصصة في الإعلام الاجتماعي إسراء النقراشي أن “سيطرة صفحات وهمية وشخصيات أو مجموعات ذات توجهات مشبوهة أو صاحبة أجندة في ما يدور داخل السودان مسألة طبيعية، من منطلق أن الحرب وضعت مجموعات كبيرة من السودانيين أمام وضع جديد كلياً، ليس على المستوى الشعبي فحسب وإنما على المستوى الرسمي كذلك، إذ واجهت الدولة المركزية في البلاد هزة عنيفة أفقدتها التوزان موقتاً واحتاجت إلى أشهر عدة لامتصاص الصدمة على مستويات عدة ليس من بينها الإعلام”.

وأضافت النقراشي “من المؤسف أن معظم وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون خرجت عن الخدمة تماماً، ولم تعد حتى الآن لأسباب عدة، كما لم تستطع امتصاص الصدمة بسبب ضعف المؤسسية وعدم الجاهزية والاستعداد بخطة طوارئ للتشغيل عن بعد أو حتى من الولايات البعيدة من الحرب، فهذا الغياب عن تقديم خدمة المعلومات لا بد من أن يملأ بأصوات وآراء ومحتوى جديد حتى وإن لم نتفق معه”.

وأردفت “لا أتفق مع القول إن ’أشباح الإنترنت‘ الفاعلة الآن لديها أدنى تأثير في استمرار الحرب أو وقفها، فهذه الحرب ستستمر لأن بعض شروط وقفها لم تتوافر بعد، صحيح قد يؤثر المحتوى الذي تبثه بعض الصفحات المنتشرة على منصة ’فيسبوك‘ وغيرها في تشكل رأي مع أو ضد الحرب، لكن حتماً لا ’الدعم السريع‘ ولا القوات المسلحة السودانية يتخذان القرارت بناء على آراء متابعي تلك الصفحات”.

ونوهت إلى أن من الصعوبة بمكان قياس الرأي العام المناهض أو المؤيد للحرب في ظروف السودان الحالية من خلال أدوات القياس والبحث المعروفة، لكن إذا أردنا معرفة هل الشعب السوداني مع إيقاف الحرب أم استمرارها فيمكننا متابعة أخبار استعادة المدن وتحريرها الذي تم أخيراً، إذ تنطلق الاحتفالات ويسعى الجميع إلى العودة لمدنهم وقراهم وترك أماكن النزوح.

وختمت المتخصصة في الإعلام الاجتماعي بقولها “من السابق لأوانه الآن إخضاع الصفحات والشخصيات الافتراضية لأي نوع من الدراسة أو البحث الرصين أو حتى تصنيفها في أي من قوالب النشر المعروف، لأن الإعلام القائم على التفاعل الفوري في ’فيسبوك‘ و’إكس‘ و’تيك توك‘ هو إعلام ربحي يقوم بإحصاء عدد المتابعين لكسب أموال، وفي الوقت ذاته هناك مئات الشركات التي تقوم بتأجير المتابعين لتضخيم الصفحات ومتابعيها لكسب مزيد من الدولارات”.

فوضى وانفلات

في السياق أوضح أستاذ الإعلام في الجامعات السودانية النور عبدالله جادين أن “الرأي العام السوداني الآن كله منصب على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت العنصر الأكثر تأثيراً في المتلقي سواء بالحقائق أم بالإشاعات”.

وتابع جادين “صحيح هناك صناع محتوى لهم تأثير كبير في الغالبية العظمى من السودانيين، لكن التأثير الأكبر يتمثل في الإشاعات التي تبثها أطراف الحرب وداعميهم، والغريب في الأمر أن الشعب السوداني ولحد كبير فقد الإحساس بالتفريق بين الأخبار الحقيقية والكاذبة، وللأسف يرجع ذلك إلى الآثار النفسية للحرب، إذ نجد الناس تتلقف الأخبار بخاصة المثيرة والصاخبة ويتداولونها بسرعة كبيرة في مختلف الوسائط”.

وزاد “يلحظ من خلال تداول الأخبار منذ اندلاع الحرب قبل 19 شهراً أنه لا توجد ضوابط أخلاقية أو مهنية للنشر، ونظراً إلى طبيعة الوضع الأمني والعسكري والسياسي في البلاد الآن يصعب ضبط الخطاب الإعلامي والفضائي، فضلاً عن صعوبة تطبيق قانون المعلوماتية وجرائم الإنترنت، مما زاد من الفوضى والانفلات المعلوماتي وعمليات التضليل واستخدام الفوتوشوب والفيديوهات والصور القديمة والأجنبية التي قد لا تمت للواقع بصلة”.

ورأى أستاذ الإعلام أن غياب الصحافة السودانية الملتزمة والمنضبطة بالقانون وضعف المحتوى الإعلامي لوسائل الإعلام التقليدية مثل الإذاعة والتلفزيون جعل كثيراً من السودانيين ينصرفون عنها، ويتجهون إلى الإعلام الجديد الفوري الموجود في الأيدي عبر أجهزة الجوال.

مشهد عبثي

من جانبه يشير المتخصص في الإعلام الإلكتروني حسين حسن حسين إلى أن “المشهد الإعلامي السوداني عبثي بكل ما تحمله الكلمة من معان، بعد أن أصبحت المعلومات بل والتهويمات تستقى من هواة البث المباشر (اللايفات) في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب المشاهد المقززة التي يوثقها طرفا الحرب بدم بارد، وتشتمل على انتهاكات واضحة يحاسب عليها القانون الدولي كونها تتنافى مع المبادئ الإنسانية والفطرة السودانية المجبولة على الخير والسماحة”.

وأضاف “إذا أخذنا الإعلام الرسمي سنجد أن ما يقدمه هو إعلام تحشيدي يعتمد على دغدغة المشاعر ودق طبول الحرب وبث الأغاني والأناشيد الحماسية، والاعتماد في التحليل السياسي على من يؤيدون الحرب ويقدمون التبريرات لاستمرارها، ويزيفون حقائق الواقع الميداني على النحو الذي يرضي الماسكين بدفة الإعلام”.

وواصل “في جانب ’الدعم السريع‘ يبدو الأمر أكثر هزلية، فهناك من يدعون أنهم ملائكة وما يقال عن انتهاكاتهم ليس صحيحاً، في حين أن السودان بلد تعرف فيه الحقائق بنصاعة أكثر مما يتصور المزيفون، إلا إذا كان خطابهم موجهاً للخارج الذي بالتأكيد يمتلك أدواته لمعرفة مجريات الأحداث، ومن العجيب أن المتورطين في الحرب ينشرون مقاطع لجرائم سيحاكمون عليها طال الزمن أم قصر”.

AFP__20241105__36LK32Y__v1__Preview__SudanConflict.jpg
حتماً لا “الدعم السريع” ولا القوات المسلحة السودانية يتخذان القرارت بناء على آراء متابعي الـ”سوشيال ميديا” (أ ف ب)

وبين حسن أن “صناع المحتوى المغرض منقسمون بين طرفي الحرب، وأصبحوا يسيطرون على المشهد بما يقدمونه من معلومات مضللة تركز على دغدغة المشاعر وتقديم ما يريد أن يسمعه المتابعون من انتصار لهذا الطرف أو ذاك، وتسطير بطولات زائفة ومفارقة لحقائق الواقع”.

وأردف “لا يمكن إنكار تأثير هواة البث المباشر في المتلقين إلى حد أن بعضهم يرفض أي تشكيك في صدقيتهم، ويتداولون ما يبثونه من معلومات مضللة على أنها حقائق، ويبنون عليها تصوراتهم حول سير الحرب ونتائجها، بل هناك من بنى عليها قرار العودة لمواطنهم سواء من داخل الوطن أم خارجه، وقد تضرر كثيرون من الذين عادوا فوجدوا أنفسهم في أتون الحرب”.

واستطرد “هناك قليلون تصدوا لزيف هؤلاء، واستطاعوا إلى حد كبير كشفهم، ووجدوا قبولاً من جمهور عريض، إلا أنهم يبقون أقلية وقدراتهم محدودة في مواجهة هؤلاء الهواة من صناع المحتوى المضلل والمدعومين من طرفي الحرب من خلال تزويدهم بالمعلومات ليقوموا بتشكيل اتجاهات الرأي العام، وفي تصورهم أن المتلقين قطيع يمكن توجيهه، ومما يؤسف له أن ذلك بالفعل أحدث تأثيراً واضحاً، وأصبح لصناع هذا المحتوى المغرض والموجه جمهور عريض ومتابعة واسعة، وهذا ما يجعل الحرب إعلامية بامتياز”.

ونوه إلى أن الجرأة بلغت بهؤلاء الهواة مبلغاً بعيداً، وأصبح منهم من يصدر تعليماته لكبار المسؤولين وينتقد أداءهم ويتدخل في الخطط العسكرية ويبشر بانتصارات لم تحدث إلا في خياله، وهو يبحث في المقام الأول عن ’الترند‘ الذي يعني مزيداً من جلب المال، مبيناً أن الضحية في هذا المشهد هي الحقيقة التي يبحث عنها المواطن المغلوب المصطلي بنيران الحرب وتجاذبات هواة البث الحي المسيطرة على المشهد.

ودعا المتخصص في الإعلام الإلكتروني الإعلاميين السودانيين كافة على مختلف تبايناتهم إلى خلع عباءاتهم الضيقة ومساندة الوطن الجريح الذي يتسرب من بين أيادينا، وحتى لا نبكي عليه كثيراً ونحن الذين فرطنا فيه ولم نحافظ عليه، وذلك من خلال مواجهة الزيف الإعلامي الذي يترجم في الواقع إلى نار تأكل الأخضر واليابس.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


إقرأ أيضا