تشهد الحركة الإسلامية السودانية خلافات عميقة ومتزايدة تنذر بانقسام حاد وربما مفاصلة نهائية بين مكوناتها. وظهرت هذه الخلافات إلى العلن منتصف نوفمبر الماضي، إثر اجتماع سري عقده مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، أسفر عن تعيين أحمد هارون رئيسًا للحزب خلفًا لإبراهيم محمود. إلا أن هذه الخطوة قوبلت برفض قاطع من مجموعة المكتب القيادي التي يتبع لها إبراهيم محمود، والتي اعتبرت اجتماع مجلس الشورى فاقدًا للشرعية، وبالتالي فإن جميع القرارات الصادرة عنه باطلة وغير ملزمة بالنسبة لها.
بلغت الأزمة ذروتها أمس الأول، بعد أن أقر مجلس شورى الحزب في بيان تعيين هارون، معلنًا أنه سيبدأ دورة رئاسته اعتبارًا من اليوم.
جدير بالذكر أن حزب المؤتمر الوطني، الذي يُعد الجناح السياسي للحركة الإسلامية السودانية، تم حله بقرار من الحكومة المدنية الانتقالية في أواخر عام 2019، بعد ثلاثين عامًا من حكمه للبلاد.
تداعيات الخلافات
تطورت الأحداث فجأة عقب فترة صمت وهدوء قاربت الشهر بعد وساطات أعقبت عاصفة 14 نوفمبر التي ضربت أوساط الحركة الإسلامية بعد تعيين أحمد هارون في رئاسة الحزب. إذ أصدر عثمان يوسف كبر، رئيس مجلس شورى الحزب المكلَّف، بيانًا أمس الأول أعلن فيه تفعيل قرارات اجتماع عطبرة وإنهاء تكليف إبراهيم محمود من رئاسة الحزب، وتجديد تفويض أحمد هارون رئيسًا للحزب.
وأشار بيان رئيس مجلس الشورى إلى انتهاء مهلة الـ21 يومًا المقررة في اجتماع عطبرة (14 نوفمبر) بشأن مباشرة هارون لمهامه في رئاسة الحزب، وبالتالي يصبح هارون رئيسًا جديدًا للحزب اعتبارًا من اليوم.
ويُحظى هارون بدعم مجموعة من قيادات الإسلاميين، منهم: الرئيس المعزول عمر البشير، علي عثمان طه، علي كرتي، أسامة عبد الله، وعثمان يوسف كبر.
ردود فعل المكتب القيادي على تعيين هارون
بدورها، أصدرت مجموعة المكتب القيادي التي يتبع لها إبراهيم محمود بيانًا أمس الأول أعلنت فيه رفضها جميع قرارات اجتماع 14 نوفمبر، بما فيها قرار تعيين هارون “لمخالفته للنظام الأساسي ولوائح الحزب”، منوهة إلى أن كل ما صدر في عطبرة لا يعنيها في شيء، وأن إبراهيم محمود يظل هو الرئيس المكلف للحزب، وأن جميع هياكل الحزب بالقطاعات المركزية وهياكل الولايات ستظل تمارس مهامها واختصاصاتها كالمعتاد.
ويقف خلف إبراهيم محمود عددٌ من الإسلاميين، أبرزهم: نافع علي نافع، محمد عطا، الحاج آدم، السميح الصديق، وعبد الغفار الشريف.
مجموعات الإسلاميين
بحسب مصادر شديدة الصلة بالإسلاميين، فإن انقسام الإسلاميين وإن بدا شكليًا كانقسام مجموعتين، إلا أنه في الحقيقة انقسام أدى إلى ثلاث مجموعات. مجموعة عمر البشير وأحمد هارون مختلفة عن المجموعتين الأخريين ولكنها مندمجة مع مجموعة علي عثمان طه/كرتي لعدة أسباب، منها الرغبة في إزاحة مجموعة نافع التي تتهمها مجموعة البشير/هارون بأنها ساهمت في إضعاف الحزب داخليًا، مما أدى إلى سقوط نظامهما في أبريل 2019. وعلى هذا الحد من التراضي بين المجموعتين أصبحا يعملان كمجموعة واحدة، وقد اتفقا على أن تتولى مجموعة البشير/هارون شؤون الحزب (المؤتمر الوطني)، فيما تتولى مجموعة علي عثمان/كرتي شؤون الحركة الإسلامية، بينما اتفقا على العمل مجتمعين ضد مجموعة نافع/إبراهيم محمود.
مجموعات أخرى خارج نقطة الضوء
هناك شخصيات ومجموعات تم إبعادها لعدة أسباب، مثل صلاح قوش، الذي وإن كان قريبًا من مجموعة علي عثمان طه/كرتي، فإن هذا القرب بسبب الاصطفاف القبلي والعرقي الذي انتهت إليه الحركة الإسلامية. ولكنه – قوش – لا يحظى بثقة أي مجموعة، هذا رغم عمله مع المجموعة الأخيرة وتقديم بعض الخدمات لها للأسباب آنفة الذكر. أيضًا هناك إبراهيم غندور، الذي كان يرأس الحزب، وقد أصبح الآن خارج دائرة القرار، بلا أي نفوذ ولا أحد يواليه. حتى مجموعة المثقفين الإسلاميين مثل عبد الوهاب الأفندي وأمين حسن عمر والمحبوب عبد السلام رفضوا الاصطفاف خلفه وتركوه وحيدًا. هذا بالإضافة إلى قيادات يقدر عددها – بحسب المصادر – (9) لم يتسنَّ لنا معرفة أسمائهم، متهمين بأن لها علاقات بقوات الدعم السريع.
موقف البرهان من الصراع
أجمع من تحدثنا إليهم في هذا التقرير بأن البرهان، الحالم بالبقاء في الحكم، يلاعب كل التيارات في الساحة، بما فيها الإسلاميون، لكسب ودهم جميعًا.
قال لنا مصدر يعرفه عن قرب، إن البرهان بطبعه لا يؤمن بأي شيء في هذه الحياة حتى يضحي من أجله، ولهذا فهو يقف دائمًا مع الطرف الرابح الذي يمكن أن يصعد به.
وقالت المصادر إن اجتماع قيادات الحزب والحركة الإسلامية الذي انعقد في عطبرة تم تأمينه بواسطة أجهزة أمنية وعسكرية رسمية بمعرفة البرهان، وقد طلب أن تكون مدة الاجتماع ساعة واحدة فقط لأسباب أمنية، ولهذا انفضّ الاجتماع مبكرًا. وقالت المصادر إن البرهان يتوجس من علي عثمان طه، بنصيحة من صديقه ومرشده الفريق معاش عمر زين العابدين، وهو أحد قيادات التنظيم الإسلامي العسكري داخل الجيش، وتربطه علاقات سرية وطيدة مع نافع علي نافع. ولأن البرهان يستند عليه في ضمان العلاقات مع الإسلاميين، فإنه غالبًا ما يعمل بنصائحه أو يدعي العمل بها.
بداية انقسام الإسلاميين أم نهايتهم
مصادر عديدة ومراقبون سياسيون تحدثنا إليهم اعتبروا أن ما يحدث في أوساط الإسلاميين ليس انقسامًا طبيعيًا سينتهي إلى مجموعتين مختلفتين تمارسان عملهما وفق هذا المنظور، بل هو أكبر من ذلك، وربما ينتهي إلى صدام عنيف بينهما يُفضي إلى تدميرهما معًا. وهذا ما يقلق عددًا من شيوخ الإسلاميين الكبار، مثل إبراهيم أحمد عمر، الذي ينشط في عمل وساطة لرأب الصدع وتوحيد صفوف الإسلاميين مرة أخرى في تيار واحد.
مراقب سياسي تحدثنا إليه قال إن الإسلاميين بحكم تربيتهم وتعاليمهم السياسية لا يعرفون معنى العيش باحترام وسط الخلافات، فالاختلاف في تعاليمهم يعالج بالدماء. وأضاف: “لذلك سيغرقون في الدماء فيما بينهم وينتهون جميعهم، ويعيش السودان بعدهم في سلام واستقرار وديمقراطية.”
وأخيرا ما يشهده الإسلاميون في السودان من انقسامات وصراعات داخلية قد تقود إلى نهايتهم السياسية، يحمل في طياته فرصة حقيقية للسودان. إذ يمكن أن يفسح المجال أمام بناء دولة أكثر استقرارًا وحرية، تُدار بأسس ديمقراطية بعيدًا عن مناخ القمع والفساد وهيمنة الأيديولوجيات الإقصائية التي عطلت مسار التنمية لسنوات طويلة. ومع تفكك نفوذ الإسلاميين، قد يجد السودان طريقه نحو سلام مستدام، حيث تُتاح الفرصة لتكاتف القوى الوطنية من أجل تحقيق تطلعات الشعب في السلام والحرية والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم.
بوابة السودان