جمال عبد القادر البدوي
كشف والي ولاية جنوب دارفور المكلف بشير مرسال حسب الرسول عن وجود خمس مهابط سرية لدعم المليشيات بالسلاح في ولاية جنوب دارفور، من بينها مطار نيالا ومدرج الـ “يوناميد” ومهابط أخرى، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن هبوط الطائرات التي تزودها بالأسلحة لا يزال مستمراً، وأن تقريراً بتلك التهديدات جرى رفعه إلى الأجهزة العليا في الدولة.
لم يكن فرض قوات الدعم السريع على معظم ولايات إقليم دارفور منذ الشهر السادس للحرب مجرد انتقال لمسرح العمليات من مهد شرارة الحرب الأولى في الخرطوم إلى دارفور، إذ رافق ذلك تصاعد لعمليات التجييش القبلي وتدفقاً متزايداً للأسلحة والإمدادات العسكرية عبر الحدود السودانية الغربية المنفتحة على كل من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ودول جوار الغرب الأفريقي، فهل تحول إقليم دارفور إلى مرتع لوجيستي وعسكري لقوات الدعم السريع؟ وما تأثير ذلك في مستقبل مسار الحرب السودانية؟
مطارات سرية
وكشف والي ولاية جنوب دارفور المكلف بشير مرسال حسب الرسول عن وجود خمس مهابط سرية لدعم الميليشيات بالسلاح في ولاية جنوب دارفور، بينها مطار نيالا ومدرج الـ “يوناميد” ومهابط أخرى، مشيراً في تصريحات إلى أن هبوط الطائرات التي تزودها بالأسلحة لا يزال مستمراً، وأن تقريراً بتلك المهددات جرى رفعه إلى الأجهزة العليا في الدولة.
ولفت مرسال إلى استمرار تهريب الذهب والصمغ والمحاصيل من مطار نيالا إلى خارج البلاد، وفق قوله، داعياً إلى وضع حد لما سماها بالمهزلة، ومبدياً تفاؤله في أن يقود تحرك المستنفرين الذين يجري تدريبهم الآن في ولايات عدة لتحرير الولاية، متهماً بعض المنظمات بإهدار أموال المانحين، ولافتاً إلى وجود 58 منظمة في الولاية بصورة غير مرضية، على حد وصفه.
وأكد والي جنوب دارفور إيقاف 124 من رجال الإدارة الأهلية، فضلاً عن 257 موظفاً من المتعاونين مع الميليشيات، وفقاً لقرار صادر من وزارة الحكم الاتحادي، كما دونت هيئة الدفاع عن حقوق الضحايا بلاغات ضد المتورطين في قتل الأبرياء ونهب الممتلكات، وأنها ستلاحق الهاربين عبر الإنتربول.
محاولات التجفيف
وفي محاولة لتجفيف عمليات الإمداد البشري ووقف عمليات الاستنفار لمصلحة “الدعم السريع” الذي كانت تقوم به عدد من قيادات الإدارات الأهلية، وجهت السلطات السودانية حكام الأقاليم والولايات إلى إعفاء كل رؤساء وقيادات الإدارات الأهلية، إضافة إلى إيقاف العاملين والموظفين المتعاونين مع الميليشيات عن العمل إلى حين التحقيق معهم والبت في أمرهم.
وفي المنحى نفسه جدد الطيران الحربي للجيش ظهر أمس الإثنين قصفه العنيف لمطار مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بضربات أخرجته عن الخدمة، وجاءت الغارات الجوية، وفق مصادر محلية، بعد هبوط طائرة شرعت في تفريغ حمولتها داخل المطار.
وبحسب المصادر فليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الطيران الحربي للجيش هذا المطار، إذ تعرض للقصف قبل 45 يوماً، لكن قوات الدعم السريع أعادت تأهيل المدرج.
نفي واتهامات
من جانبها نفت قوات الدعم السريع تلقيها أي عون خارجي أو دخول أي مقاتلين أجانب من خارج البلاد للقتال في صفوفها، سواء عبر استغلال مطارات أو حدود الإقليم.
وأكد مصدر مسؤول في “الدعم السريع” أن آلاف الشباب لا يزالون يواصلون الانضمام إليها في القتال طوعياً، بينما معظم الأسلحة والذخائر والعربات المقاتلة التي بحوزة قواتهم الآن من الغنائم التي حصلوا عليها من مخازن حاميات الجيش التي استولوا عليها في ولايات دارفور الأربع، إضافة إلى معسكراته الأخرى التي دخلوها، بما فيها مجمع الصناعات الدفاعية في الخرطوم.
واتهم بيان لقوات الدعم السريع طيران الجيش بارتكاب مجازر جديدة أمس بقصفه سوقاً بمنطقة كبكابية شمال دارفور أودى بحياة 100 مواطن وجرح المئات، إضافة إلى قصف آخر استهدف أحياء سكنية في مدينة أم روابة شمال كردفان.
وفي بيان آخر قالت القوات إن مدينة نيالا تعرضت لأربع هجمات جوية حولت المدينة إلى بؤرة ملتهبة سقط على إثرها مئات القتلى والجرحى، وأثارت الذعر وسط السكان.
ا لشريان الرئيس
من جانبه أوضح المتحدث باسم القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش الرائد أحمد حسين أن إقليم دارفور أصبح الشريان الرئيس لتعزيز ميليشيات الدعم السريع ومرتزقتهم بالإمدادات العسكرية واللوجستية والبشرية عبر مطارات ومهابط سرية في ولاية جنوب دارفور، واتهم حسين المجتمع الدولي بعدم التحرك لمواجهة تدفقات ودخول الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى الإقليم بهذا الشكل، على رغم أنه يعد انتهاكاً صارخاً لقراري مجلس الأمن رقم (1591) بحظر بيع أو توريد الأسلحة ودخولها إلي دارفور، وكذلك القرار (2736) الصادر في يونيو (حزيران) الماضي، والذي يطالب “الدعم السريع” بوقف هجماتها وحصارها للفاشر.
وأضاف المتحدث أن “الجيش والقوات المشتركة يخططان للتعامل مع هذا الوضع بالعمل على تنظيف كل مدن الإقليم، بخاصة مدينة نيالا في وقت قريب”.
أما بالنسبة إلى الإمداد وحشد المقاتلين الذي تقوم به إدارات أهلية متعاونة مع “الدعم السريع”، فيؤكد حسين استمرار عمليات الاستنفار التي تقوم بها بعض الإدارات الأهلية الداعمة للميليشيات، ولكن بدرجة أقل مما كانت عليه سابقاً، إذ يلاحظ انخفاض أعداد المستنفرين بسبب حال الارتباك واليأس التي أصابتها نتيجة ارتفاع أعداد قتلاها على أسوار مدينة الفاشر.
تواصل حدودي
وفي السياق ذاته أوضح المتخصص في فض النزاعات عبدالمجيد محمود أن إقليم دارفور بطبيعته وتداخلاته القبلية مع دول الجوار وتاريخه الطويل في الصراع ظل مصدراً خصباً لتدفقات السلاح والمقاتلين من المناطق الملتهبة المجاورة منذ الحرب الليبية – التشادية خلال النزاع على إقليم أوزو، ولذلك فليس جديداً أن يشكل أكبر بؤر ومراتع الدعم اللوجستي الذي يغذي الحرب الشرسة الحالية.
ويشير متخصص النزاعات إلى أن استيلاء “الدعم السريع” على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور، معظمها حدودية مع تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، يتيح لها مسالك ممتدة للتواصل واستجلاب الدعم المادي والبشري، ويجعل من محاولات حصارها وقطع إمداداتها في دارفور أمرأ صعباً، إضافة إلى إمكان شروعها في استغلال الموارد ومناجم الذهب التي تسيطر عليها، وتصديرها لتمويل شراء السلاح.
مكاسب السيطرة
ولذلك، وفق محمود، فإن “الدعم السريع” تعتبر أن معركة الفاشر بالنسبة إليها حاسمة وإستراتيجية لأن إكمال سيطرتها على كل الإقليم سيؤمن لها حرية استقبال الإمداد اللوجستي عبر مطاراتها وحدودها، كما يحقق لها في الوقت نفسه مكاسب ترتبط ببقائها وتمكنها من ممارسة الأنشطة التي تخدم أغراضها كافة.
ويتابع المتحدث أنه “على رغم الضربات السابقة التي وجهها سلاح الطيران إلى بعض مطارات الإقليم، فإن عمليات الإمداد لا تزال مستمرة، بل وظهر نشاط جديد متزايد باستئناف عمليات التعدين الأهلي في مناجم جنوب دارفور الخاضعة لسيطرة ‘الدعم السريع’ ربما توظف عائداتها لتمويل شراء السلاح والإمدادات”.
ويوضح محمود أنه “لم يعد خافياً أن دولة تشاد تلعب دوراً كبيراً في تمرير الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع من خلال إتاحة مطاراتها ومعابرها الحدودية لنقل العتاد الحربي، وقد فتحت منذ وقت بمكر مطار أم جرس لاستقبال الإمدادات العسكرية لـ ‘الدعم السريع’ وفق أدلة قدمها الجيش”.
آلاف المقاتلين
وعلى نحو متصل أوضح المتحدث باسم التحالف السوداني ضمن القوات المشتركة محمد السماني أن إقليم دارفور يعتبر أحد أهم روافد “الدعم السريع” بآلاف المقاتلين المرتزقة، وتسهيلات دخول العتاد الحربي من دول الغرب الأفريقي.
وأشار السماني إلى معابر برية عدة وسبعة مهابط جوية سرية بعضها شمال مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، إضافة إلى مطار البعثة الأممية السابقة (يوناميد) ومناطق أخرى شمال منطقة الحمرة بالإقليم توفر الإمدادات والوقود وقطع الغيار.
واعتبر متحدث التحالف أن استمرار الدعم اللوجستي بالعتاد والمقاتلين عبر دارفور أحد أهم أسباب إطالة أمد الحرب، متهماً جهات خارجية بتنسيق عمليات الإسناد اللوجستي سمى منها دولة تشاد وأفريقيا الوسطى والجنرال خليفة حفتر في ليبيا.
قاعدة مفتوحة
من جانبه يرى المراقب العسكري بشير عبدالرؤوف أن قوات الدعم السريع تهدف من وراء الاستيلاء على كل عواصم دارفور إلى تحويل الإقليم لقاعدة لوجستية واسعة ومفتوحة، في محاولة لإعادة بناء قوتها من جديد، إما تأهباً لوضع الانفصال أو لالتقاط الأنفاس استعداداً لجولة جديدة من الحرب.
ويعتقد عبدالرؤوف أن إصرار “الدعم السريع” على بسط سيطرتها على دارفور تقع خلفه ملامح دولة جديدة قوامها القبائل ذات الأصول العربية في غرب السودان، لافتاً إلى أن فصل دارفور أو إقامة سلطة منفصلة فيه سيشكل بداية لموجة جديدة من العنف العرقي، مما يجعلها حرباً وجودية بالنسبة إليها.
وكانت الحكومة السودانية أوضحت على لسان وزير الثقافة والإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة جراهام عبدالقادر أن هناك عشرات الرحلات جرى تنفيذها لنقل الذخائر والمعدات العسكرية، إضافة إلى إنشاء مستشفى ثان لعلاج جرحى قوات الدعم السريع>
قتال مستعر
وتكتسب مدينة الفاشر التي لا تزال تشهد قصفاً متبادلاً ومعارك عنيفة متجددة، أهمية عسكرية وسياسية خاصة لكلا الطرفين، فضلاً عن كونها مركزاً للعمليات الإنسانية للمنظمات الأممية والدولية، ومحطة التقاء قوافل المساعدات القادمة إلى إقليم دارفور.
وتجاور ولاية شمال دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش والقوات المشتركة على المستوى المحلي كلاً من الولاية الشمالية شمالاً وولاية شمال كردفان من ناحية الشمال الشرقي، وولاية غرب كردفان شرقاً وولاية جنوب دارفور من الجنوب الشرقي، وولاية غرب دارفور، وخارجياً كلاً من ليبيا من الشمال الغربي وتشاد غرباً.
ومنذ منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حرباً شرسة انطلقت شرارتها من داخل العاصمة السودانية، وسرعان ما تمددت نيرانها إلى 13 ولاية من أصل ولايات البلاد الـ 18، وعلى رأسها إقليم دارفور غرب البلاد وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض في الوسط ونهر النيل شمالاً، ثم إقليم النيل الأزرق شرقاً وجنوب كردفان، مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
اندبندنت عربية