نزال نزع الشرعية عن حكومة الأمر الواقع التي يقودها الجيش السوداني منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي من مدينة بورتسودان الساحلية، معركة ينوي خوضها التحالف المدني الأبرز في البلاد- تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) عبر دراسته مؤخرا مقترح تشكيل “حكومة منفى” وسط حالة من التباين حول الأمر داخل التحالف نفسه.
وعلى مدى ثلاثة أيام انعقدت في مدينة عنتبي بأوغندا في الفترة من 3 إلى 6 ديسمبر الجاري، اجتماعات الهيئة القيادية لتحالف تقدم المناهض للحرب، والذي يقوده رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية عبد الله حمدوك، ويضم قوى سياسية ومدنية.
وفي ختام اجتماعاته الجمعة الماضية أحال التحالف ثلاث قضايا رئيسية هي “الجبهة المدنية، والعملية السياسية، ونزع الشرعية عن حكومة بورتسودان إلى آلية سياسية مصغرة داخل التحالف للمزيد من التشاور.
تباين
وكان البيان الختامي لاجتماعات (تقدم) في أوغندا أشار في هذا الصدد إلى أن “سلطة بورتسودان للادعاء بأنها تمثل الشرعية وهو ادعاء باطل لا سند دستوري ولا سياسي ولا شعبي له. وتابع البيان: “استخدمت هذه الشرعية الزائفة لتقسيم السودان وهو الأمر الذي تجلى في إجراءات تغيير العملة وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية وحرمان المواطنين من حقوقهم الدستورية”.
“لا شرعية إلا لثورة ديسمبر المجيدة، ويجب نزع أي شكل من أشكال الشرعية الزائفة والتصدي لها بكافة الوسائل المتاحة وهو ما ستعكف الآلية السياسية بـ(تقدم) على مناقشة خياراته من أجل الحفاظ على وحدة السودان أرضًا وشعبًا وتحقيق السلام الدائم والشامل واستكمال ثورة ديسمبر المجيدة). يؤكد البيان.
تباينت وجهات نظر وآراء مكونات التحالف إزاء مقترح تشكيل حكومة منفى تنزع الشرعية عن حكومة الأمر الواقع التي يقودها الجيش من بورتسودان.
ووفقا لمصادر داخل تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية- تقدم، تحدثت لـ(عاين)، فإن التباين داخل التحالف على ثلاثة اتجاهات، الأول يدعو إلى تشكيل جبهة مدنية عريضة رافضة للحرب وداعية للسلام تضم القوى المدنية التي أشعلت شرارة ثورة ديسمبر المجيدة، والثاني يدعو إلى عقد مؤتمر المائدة مستديرة يضم جميع الفاعلين السياسيين دون استثناء والثالث يسعى إلى استعادة شرعية ثورة ديسمبر من خلال تشكيل حكومة مدنية سواء داخل البلاد، أو في الخارج.
الجبهة الثورية التي تضم قوى مدنية ومسلحة داخل التحالف، أبرز الداعمين لتشكيل حكومة المنفى.
الجبهة الثورية التي تضم قوى مدنية ومسلحة داخل التحالف، أبرز الداعمين لتشكيل حكومة المنفى.
“نحن المؤيدون لهذه الفكرة لا ندعو إلى حكومة في المنفى، بل ندعو إلى حكومة على الأرض، تعيش مع الشعب السوداني، تشاركهم معاناتهم، وتسعى جاهدة لتخفيف أعباء الحياة عنهم”. يقول نائب رئيس حركة العدالة والمساواة السودانية بقيادة سليمان صندل، آدم حسبو لـ(عاين).
ويبرر حسبو، تأييد حركته المنقسمة عن حركة العدل والمساواة جناح وزير المالية في حكومة بورتسودان جبريل إبراهيم، والتي يقاتل جنودها مع الجيش السوداني، لتشكيل حكومة المنفى بأن “حكومة بورتسودان لا تتمتع بأي شرعية داخل السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر. دليلاً على ذلك، جمد الاتحاد الأفريقي عضوية السودان حتى الآن. كما أن هذه الحكومة ترفض جميع مبادرات الحل السلمي، وتتعمد إفشالها مثل (مبادرات المنامة، جنيف، جدة)، مما أدى إلى تدهور الحالة الإنسانية وتشريد الملايين”.
“يجب أن نعمل على انتزاع هذه المنابر الدولية لصالح الحكومة السودانية التي نسعى لتشكيلها على الأرض”. يضيف حسبو.
ويشدد: “لا يمكن التنازع على الشرعية دوليًا ما لم تكن هناك حكومة شرعية على الأرض، وهذا مبدأ دولي راسخ.
جميع الخيارات المطروحة، سواء كانت حكومة في المنفى، أو على الأرض
رئيس الحزب الاتحادي الموحد
يتفق رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت، والحزب عضو في تحالف (تقدم)، مع حسبو، ويقول: “ندعم مبدئيًا مقترح تشكيل حكومة، على أن تُدرس تفاصيل هذا المقترح دراسة معمقة بواسطة لجنة من الخبراء في مجالات الحكم والإدارة والاقتصاد والعلاقات الدولية. ونشمل في هذا الدعم جميع الخيارات المطروحة، سواء كانت حكومة في المنفى، أو على الأرض، بما في ذلك عودة حكومة ثورة ديسمبر المجيدة برئاسة عبد الله حمدوك، باعتباره رئيس الوزراء الشرعي الذي أُطيح به”.
ويضيف عصمت في مقابلة مع (عاين): “يأتي دعمنا هذا، في إطار مقاومتنا لمشروع تقسيم البلاد الذي تسعى إليه جماعة الإخوان المسلمين والمؤتمر الوطني وواجهاتهما، إذ لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام حرمان الغالبية العظمى من الشعب السوداني من حقوقه الدستورية”.
تاريخيا، حكومات المنفى، تنشأ عادة في ظل ظروف استثنائية مثل الحروب الأهلية أو الاحتلال الأجنبي أو الانقلابات العسكرية. وتسعى هذه الحكومات جاهدة للحفاظ على الشرعية السياسية للدولة والعمل على استعادة السلطة.
الأمثلة على هذه الظاهرة تشمل الحكومة التبتية في المنفى التي يقودها الدالاي لاما والتي تعمل من الهند منذ عام 1959 بعد احتلال الصين للتبت، والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي تدعي سيادتها على الصحراء الغربية وتدعمها الجزائر. كما ظهرت حكومات مؤقتة معارضة في سوريا وفنزويلا خلال أزماتهما السياسية.
وتواجه هذه الحكومات تحديات كبيرة تتمثل في الحصول على اعتراف دولي واسع النطاق، وتأمين التمويل اللازم، وتنسيق الجهود بين مختلف الفصائل المعارضة، فضلاً عن التساؤلات حول شرعيتها القانونية.
تجارب الحكومات في المنفى أثبتت فشلها ولم تكن ذات جدوى، وقد تؤدي إلى مزيد من تعقيد الأوضاع
الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني
على الجانب الآخر، يرى الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، أن “تجارب الحكومات في المنفى أثبتت فشلها وعدم فعاليتها. لذلك، نرى أن هذه التجارب لن تكون ذات جدوى، وقد تؤدي إلى مزيد من تعقيد الأوضاع.”
ويقول شريف وهو قيادي أيضا في تحالف (تقدم): “طرحت بعض التنظيمات ضمن تنسيقية قوى المدنية الديمقراطية آلية لتشكيل حكومة موازية لحكومة البرهان في مدينة بورتسودان، وهو أمر أثار نقاشًا مطولًا بين مكونات التنسيقية”.
يشدد شريف في مقابلة مع (عاين): “موقفنا في حزب المؤتمر السوداني واضح، ويتمثل في أن البرهان لا يمتلك أي شرعية سياسية، وذلك لعدة أسباب. أولها: انقلاب 25 أكتوبر وما تبعه من إجراءات إدانة من المجتمع الدولي والإقليمي، مثل تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي. هذا الإجراء يؤكد انهيار الدستور وتأسيس سلطة انقلابية”.
حلول سلمية
ويتابع الأمر الثاني: “في إطار المساعي لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر وحرب 15 أبريل، تم توقيع الاتفاق الإطاري. وفي وقت التوقيع، وقع البرهان بصفته قائدًا للقوات المسلحة، ووقع محمد حمدان دقلو بصفته قائدًا لقوات الدعم السريع. وبما أن الطرفين وقعا على الاتفاق بعد انقلاب، فإنهما يفتقدان إلى الشرعية”.
ولتعزيز رؤيته المناوئة لقيام حكومة في المنفى، يقول عثمان: “يجب علينا العمل على التواصل مع المجتمع الدولي لمنع منح أي شرعية للبرهان أو لأي طرف آخر شارك في الانقلاب. نعتقد أن الحلول السلمية هي الأفضل”.
وتابع: “نرى أنه من الأفضل أن نخاطب العالم بأن الطرفين المتصارعين لا شرعية لهما، وأن الشرعية الحقيقية لدى الشعب السوداني، والذي يمنحها لنفسه عبر أدوات معروفة، مثل الثورات الشعبية التي شهدناها في 1964 و1985 و2019م”.
أما الطريق الآخر للشرعية -بحسب شريف- فهو عبر انتخابات ديمقراطية أو عبر توافق وطني بعد الثورة لإعادة بناء الدولة السودانية. هذا هو ما نطمح إليه، وهو الحل السياسي الذي نعتقد أنه سيؤدي إلى إنهاء الحرب وإعادة الشرعية إلى السودانيين عبر توافق وطني شامل بين القوى المدنية والسياسية والعسكرية لإعادة بناء الدولة.”
لا يجد الناشط السياسي، منذر مصطفى مبررا لتشكيل حكومة في المنفى. ويقول لـ(عاين): “واجه السودانيون ظروفاً صعبة إبان حكم الإسلاميين، ولم تشكل المعارضة آنذاك حكومة في المنفى؛ لأنها أدركت أن ذلك مضيعة للوقت، ويساهم في شرعنة النظام الحاكم وتقسيم البلاد”.
الهدف من تشكيل حكومة في المنفى هو في الأساس تقسيم البلاد، وبناء تحالفات مع أطراف متضادة لتحقيق هذا الهدف الانفصالي
ناشط سياسي
“الهدف من تشكيل حكومة في المنفى هو في الأساس تقسيم البلاد، وبناء تحالفات مع أطراف متضادة لتحقيق هذا الهدف الانفصالي. وهذا الهدف معلن على نحو صريح من قبل قوات الدعم السريع، التي تسعى إلى إنشاء إمارة في منطقة حزام الصمغ العربي، وهو مشروع يتماشى مع التنافس الدولي على الموارد الطبيعية النادرة”. يقول منذر.
ويتابع: “إذا تشكلت حكومة منفى، فإنها ستصبح هدفًا لكل القوى السياسية التي تؤمن بالوحدة الوطنية وتعمل عليها، وستتعرض لهجوم مباشر. قد يؤدي ذلك إلى تغيير كبير في خريطة التحالفات العسكرية والسياسية في المرحلة القادمة، مما قد يؤدي إلى تصاعد حدة الصراع المسلح وتراجع دور القوى المدنية بشكل كبير، ما يشكل تهديدًا كبيرًا للمسار الديمقراطي، ويهدد بتحويل الصراع إلى حرب مفتوحة”.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، أعرب عن قلقه البالغ إزاء التقارير التي تشير إلى مساعٍ من بعض الأطراف السودانية لإعلان هياكل حكم جديدة بشكل أحادي. وحذر بيريلو في تغريدة على منص (x) من أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة السودانية وتزيد حدة الانقسامات، مما يهدد بـ”تفكك السودان” ويزعزع الاستقرار في المنطقة.
عاين