بقلم : لنا مهدي
منذ اندلاع الحرب السورية، كانت روسيا ركيزة أساسية في دعم نظام بشار الأسد سياسيًا وعسكريًا، حيث مكّنته من البقاء في السلطة رغم الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة. ومع ذلك، تشير التحولات الأخيرة إلى تراجع موسكو عن تقديم دعمها المباشر للأسد، مما يعكس تغييرات في أولوياتها الاستراتيجية. هذا التحول يثير تساؤلات حول استعداد روسيا لتطبيق نهج مشابه مع حلفائها الآخرين، خصوصًا عبد الفتاح البرهان في السودان، الذي يواجه أزمة داخلية تهدد استقراره ومستقبل بلاده. السودان: محور استراتيجي لروسيا في إفريقيا تمثل السودان نقطة ارتكاز رئيسية في الاستراتيجية الروسية داخل القارة الإفريقية. أهمية السودان تنبع من موقعه الجغرافي، إذ يُعد بوابة للبحر الأحمر، مع ميناء بورتسودان الذي تطمح روسيا لتحويله إلى قاعدة بحرية تعزز حضورها العسكري والاقتصادي في المنطقة. إلا أن الحرب الدائرة بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) دفعت البلاد إلى حالة من الفوضى السياسية والعسكرية، مما يهدد الطموحات الروسية ويجعل دعم موسكو للبرهان محل تساؤل. دروس من التجربة السورية قدمت تجربة روسيا في سوريا دروسًا واضحة بشأن كلفة دعم أنظمة تعاني من أزمات داخلية حادة. على الرغم من نجاح موسكو في الحفاظ على الأسد، إلا أن التدخل العسكري والسياسي كان مكلفًا للغاية ولم يحقق فوائد استراتيجية مستدامة. في السودان، تواجه روسيا تحديات مشابهة، حيث يعاني البرهان من صراع داخلي طويل الأمد مع قوات الدعم السريع، مما يعرّض المصالح الروسية للخطر. شركات التعدين الروسية، وعلى رأسها مجموعة “فاغنر”، تجد نفسها في بيئة غير مستقرة تهدد استمرارية عملياتها، الأمر الذي يجعل روسيا أكثر ميلًا لمراجعة دعمها للبرهان إذا استمر في عجزه عن تحقيق الاستقرار. الخسائر العسكرية وتأثيرها على الموقف الروسي الخسائر العسكرية التي يتكبدها البرهان أمام قوات الدعم السريع تُلقي بظلالها على ثقة روسيا في قدرته على حماية مصالحها. تمدد الدعم السريع في مناطق استراتيجية بالسودان يزيد من صعوبة استعادة البرهان السيطرة، ما يُضعف موقفه أمام موسكو كحليف يُعتمد عليه. بالنسبة لروسيا، يتوقف دعمها لأي نظام على مدى قدرته على تأمين بيئة مستقرة تحمي استثماراتها، خصوصًا في قطاعات التعدين والذهب. إذا استمر البرهان في التراجع عسكريًا، فقد تبدأ موسكو في البحث عن حلفاء بديلين داخل المشهد السوداني. تنافس إقليمي ودولي يُعقّد الوضع الوضع في السودان يتداخل مع صراعات النفوذ الإقليمي والدولي. القوى الإقليمية، تتنافس لتعزيز نفوذها في السودان، في حين تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تقويض الوجود الروسي في إفريقيا كجزء من استراتيجيات أوسع لعزل موسكو. إذا وجدت روسيا أن دعم البرهان قد يضعها في مواجهة مباشرة مع هذه القوى، أو إذا أصبح عبئًا سياسيًا ودبلوماسيًا، فقد تتجه إلى تقليل دعمها له تدريجيًا، حفاظًا على مصالحها طويلة الأمد في المنطقة. سياسة براغماتية وبدائل محتملة السياسة الخارجية الروسية تُعرف بمرونتها البراغماتية، حيث لا تتردد موسكو في إعادة تقييم تحالفاتها إذا لم تحقق مصالحها. مع استمرار عجز البرهان عن حسم الصراع الداخلي وتأمين المصالح الروسية، قد تتجه موسكو إلى إعادة ترتيب أوراقها في السودان. هذا قد يشمل دعم أطراف أخرى أكثر استقرارًا أو حتى الدخول في مبادرات دولية تضمن استمرار نفوذها في البلاد دون تحمل التكاليف الباهظة لدعم حليف يعاني من أزمات متفاقمة. خاتمة: هل تُكرر روسيا سيناريو الأسد مع البرهان؟ بينما لا تزال روسيا ترى في السودان نقطة استراتيجية بالغة الأهمية، فإن عجز البرهان عن فرض الاستقرار وحماية المصالح الروسية يهدد استمرار دعمه من قِبل موسكو. إذا استمرت خسائره العسكرية أمام قوات الدعم السريع، فإن روسيا قد تجد نفسها مضطرة لتغيير موقفها والبحث عن حلفاء جدد أكثر كفاءة. كما حدث مع النظام السوري، قد تتبنى موسكو نهجًا تدريجيًا في تقليص دعمها للبرهان، مع محاولة ضمان مصالحها من خلال قنوات جديدة وشركاء بديلين داخل السودان.