آخر الأخبار

هل يفتح تهديد «أفورقي» الباب لتدخلات دولية في حرب السودان؟

شارك الخبر

في الأيام الماضية، صرح رئيس دولة إريتريا، “أسياس أفورقي”، بإمكانية تدخل بلاده بشكل مباشر في حرب السودان لصالح الجيش السوداني، إذا اقتربت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع من ولايات الشرق. وأضاف أفورقي في تصريحات صحفية: “إذا وصلت هذه الحرب إلى هذه الولايات، فإن إريتريا لن تقف مكتوفة الأيدي، وستصبح طرفًا في الحرب بكل ما تملك من جيوش وإمكانيات، لأن أمنها القومي سيكون مهددًا”.

تخوف أفورقي

يرى مراقبون أن إعلان أفورقي عن احتمال التدخل في حرب السودان يعكس تخوفه من وصول الحرب إلى دولته، التي تعاني من حروب سابقة. ويعتقد البعض أن أفورقي ينظر إلى ولايات شرق السودان – القضارف وكسلا وبورتسودان والنيل الأزرق – باعتبارها عمقًا استراتيجيًا لدولته.

تقارب العلاقات

شهدت العلاقات السودانية الإريترية تقاربًا منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث فتحت إريتريا أراضيها لتدريب قوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤود بهدف تأمين شرق السودان في حال وصول الحرب إليها. وزار البرهان أواخر نوفمبر الماضي إريتريا وأجرى مباحثات مع أفورقي تناولت علاقات البلدين وتطور الأوضاع في السودان، وجهود إحلال الأمن والاستقرار.

فتحت إريتريا أراضيها لتدريب قوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤود

وأطلع البرهان أفورقي على آخر المستجدات في السودان، والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المواطنين، والتدمير الممنهج للدولة السودانية ومؤسساتها، وفقًا لنص إعلام مجلس السيادة.

عدم ثقة بالبرهان

في المقابل، يرى مصدر دبلوماسي أن إريتريا لا تثق بالبرهان، وهو ما أشار إليه أفورقي للوفد الصحفي السوداني الذي زار بلاده مؤخرًا. وأوضح الدبلوماسي أن ما يحدث في الشرق حاليًا يعد فوضى منظمة، يمكن أن تكون قنبلة قابلة للانفجار بسبب استخدام الجيش للمكونات الاجتماعية، واصفًا هذه الوضعية بأنها “لعبة خطرة” قد تستغلها أطراف إقليمية لمصلحة الدعم السريع. وأشار المصدر إلى أن قوات الأورطة بقيادة الأمين داؤود ليست قوات سودانية خالصة، بل تتداخل بشكل كبير مع جيش إريتريا.

وأضاف المصدر أن أفورقي اجتمع في 3 ديسمبر 2024 مع محمد الأمين ترك، بغرض تطمينه أن قوات الأورطة لا تنتشر خصمًا على قضايا البجا. كما يرى الدبلوماسي أن الحل يكمن في أن يأخذ الجيش زمام المبادرة ويترك “ملشنة الحروب الداخلية”، أي تفريخ المزيد من المليشيات، وأن يتحول إلى جيش محترف وقومي يحمي الحدود، ويترك السلطة للقوى المدنية، عبر بوابة وقف الحرب.

تخوف ترك

وأعلن رئيس مجلس البجا والعموديات المستقلة، محمد الأمين ترك، عن تخوفه من تشكيل “الأورطة الشرقية”. وقال في أكثر من مناسبة إن هذه القوات جاءت لإضعاف مكون البجا، معتبرًا أن القوات مشكلة من قوميات لها عداء تاريخي مع البجا، مما دفعه إلى الإعلان عن فتح معسكرات لتجنيد مقاتلين من مكون البجا. هذه الخطوة أدت إلى تدخل الرئيس الإريتري أفورقي، حيث طلب من ترك زيارة أسمرا، ليطمئنه بأن القوات لن تكون ضد البجا.

بر الأمان

وفقًا لرئيس تحرير صحيفة (التيار) السودانية، عثمان ميرغني، الذي زار أسمرا ضمن وفد صحافي سوداني الشهر الماضي، أبلغهم الرئيس الإريتري بأن بلاده “تنظر إلى الحرب الدائرة بوصفها حربًا إقليمية تستهدف السودان”، مطالبًا بالتعامل معها بجدية أكبر. وقال أفورقي: “ما كان يجب السماح بقيامها (الحرب) ابتداءً، سواء كان ذلك سلمًا أو حربًا، وعدم السماح باستمرارها لأكثر من عام ونصف العام، وكان يجب توجيه ضربة استباقية لـ(الدعم السريع)”.

وأضاف ميرغني على حسابه الشخصي على “فيسبوك”، أن أفورقي أبلغهم بأهمية أن تبلغ الدولة السودانية ما سماه “بر الأمان”، معتبرًا أن ذلك “أولوية الأولويات”. وأوضح أفورقي أن “الدولة السودانية تواجه تحدي البقاء أو الفناء، وإنقاذها من هذا المصير يتطلب اتحاد كلمة الشعب السوداني مع الجيش”.

تدخل دول الإقليم

من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، بكري الجاك، أن وصول الحرب إلى شرق السودان سيؤدي إلى تدخل دول الإقليم، مما قد يحول الصراع إلى صراع حول مياه النيل والنفوذ السياسي.

وقال الجاك في تصريح صحفي الثلاثاء الماضي: “حتى ديسمبر الماضي، لم تكن الحرب قد أثرت على البلاد بهذا المستوى بسبب توسع رقعة الحرب. وطالما لا يوجد اتفاق لوقف إطلاق النار أو التزام بوقف العدائيات، للأسف الشديد أي مكان في السودان يصبح مشروعًا للطرفين، ولا توجد منطقة آمنة”.

بكري الجاك

وأضاف: “واقع الحرب أصبح معقدًا، والآن أصبحت الحرب مجالًا للتدخلات الخارجية في السودان، لأن الحروب تفتح الباب للتدخلات بشكل أوسع. للأسف، الحرب في السودان تتجه إلى الخروج من يد طرفي الصراع، وقد تتحول إلى حرب بالوكالة في منطقة القرن الأفريقي”.

وتابع: “قبل أيام سمعنا تصريحات لرؤساء بعض الدول حول تدخلهم في الحرب لصالح أحد طرفي الصراع”. وزاد: “لا نريد أن يكون السودان مسرحًا للصراع الدولي، فاستمرار الحرب يقود البلد إلى المحرقة الشاملة التي لا تبقي ولا تذر”. وأردف قائلاً: “ليس لدينا شك في أن الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية إذا استمرت ستة شهور أخرى”.

انكسار الجيش

وبدوره، يرى المختص في الشؤون الإريترية، إدريس سليمان حليفة، أن تدخل النظام الإريتري في السودان يأتي لاعتبارات عدة، منها الحيلولة دون انكسار الجيش السوداني أمام قوات الدعم السريع، لا سيما في الاتجاه نحو الولايات الشرقية. وهذا يشكل تهديدًا مباشرًا للنظام الإريتري، يتمثل في تدفق اللاجئين الفارين من الحرب، الذين سيشكل وجودهم بأعداد كبيرة تهديدًا أمنيًا يعجز النظام عن ضبط الحدود والتحكم في المنافذ والمعابر على امتداد الحدود.

وقال إدريس في مقال نشره بموقع إذاعة أرينا الدولية إن الاعتبار الثاني هو قطع الطريق أمام قوات الدعم السريع للوصول إلى الحدود السودانية الإثيوبية، حتى لا تتمكن من إيجاد طريق آخر للحصول على الدعم اللوجستي لعملياتها العسكرية في أواسط السودان عبر إثيوبيا التي تربطها علاقة جيدة مع قوات الدعم السريع.

واستقبلت إثيوبيا مطلع العام الجاري الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” استقبال الرؤساء، كما شهدت عاصمتها أديس أبابا الاجتماع التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، وكان رئيس وزرائها آبي أحمد أول من نادى بفرض حظر على طيران الجيش السوداني العام الماضي. وفي ظل توتر العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا، يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى تشكيل جبهة مناوئة على الحدود الإريترية الإثيوبية السودانية.

وتابع حليفة: “أما الاعتبار الثالث فيتمثل في رغبة إريتريا في استمرار هشاشة وضع السودان كي لا يشكل خطورة على النظام في المستقبل. وهذا لا يتأتى إلا من خلال تفتيت وحدة المجتمع السوداني وتماسكه عبر إذكاء الخلافات المستعرة بين مكوناته، بحيث لا تقوم لهذه الوحدة قائمة. وهذا ما يفسر فتح معسكرات التدريب في إريتريا لمكونات شرق السودان المتنافسة، رغم اختلافاتها الداخلية”.

وأردف قائلاً: “أما الاعتبار الأخير، وهو الأبعد، فقد يخالف أسياس أفورقي بعض من قناعاته الثابتة، ويسعى إلى استقرار السودان بدلاً من زعزعته إذا ما رأى أن هناك تهديدًا آخر خطيرًا يهدد عرش سلطته”. وبين هذا وذاك، يظل شرق السودان بالنسبة للرئيس أفورقي، كما يقول فتحي عثمان، مثل قلم الرصاص المبري من الجهتين، حيث يمكن استخدام أي منهما لتحقيق هدفه، سواء كان زعزعة أو استقرارًا.

التغيير

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


إقرأ أيضا