وجاء في الدعوة أن “فريق المتخصصين المؤهلين تأهيلاً عالياً يطلب مقاتلين يرغبون في الذهاب إلى أفريقيا الدافئة والمشمسة، وعلى استعداد لتجريب مهاراتهم القتالية وصقلها”.
تقدم “فاغنر” للمتقدمين راتباً شهرياً قدره 240 ألف روبل (2400 دولار)، ولكن لن تكون هناك أوامر وميداليات حكومية – فقط “إشادات داخلية”.
الأشخاص الذين لديهم المهارات اللازمة للتحكم في الطائرات من دون طيار هم الأكثر طلباً، ويمكن لهؤلاء أن يتقاضوا راتباً يصل إلى 300 ألف روبل (3000 دولار).
فجّرت الخسائر التي منيت بها المجموعة شبه العسكرية الروسية “فاغنر” في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، جدلاً واسعاً في روسيا حول مصير هذه الشركة الأمنية الخاصة وعناصرها الذين خاضوا أشرس المعارك في شرق أوكرانيا، قبل أن يتعاظم الخلاف بقرنه بينهم وبين وزارة الدفاع الروسية ويعلنوا تمردهم عليها، مما حدا بالكرملين لسحبهم من هناك وتشتيت صفوفهم وتكليفهم بمهمات خارجية مشكوك بشرعيتها، لا سيما في القارة السمراء، ليصبحوا أذرعاً روسية خفيّة ملطخة بالدماء والذهب والمطامع الدفينة، في أصقاع الأرض التي تختزن الكثير من الثروات والمواد الخام الباطنية التي تحتاجها الصناعات العسكرية والمدنية، في البلاد الواقعة تحت نير حصار وعقوبات غربية قاسية لا مثيل لها في التاريخ.
فقد أفادت وكالة “بلومبيرغ” يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن ما لا يقل عن ستة مقاتلين من شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة قتلوا في مالي على يد مسلحين من الجماعات الإرهابية، في كمين نصبته “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، المرتبطة بتنظيم “القاعدة” يوم 21 نوفمبر في منطقة موبتي.
وهاجم المسلحون المرتبطون بـ”القاعدة” قافلة تابعة لمجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود. كما دمر المسلحون مركبات عدة من القافلة. وأعلنت الجماعة رسمياً مسؤوليتها عن الهجوم.
وبحسب مسؤول أمني مالي، كان مقاتلو “فاغنر” يحرسون نقطة تفتيش في الجزء الأوسط من البلاد، حين تعرضوا للهجوم ما أدى إلى مقتل عدد منهم.
وفي نهاية يوليو (تموز) 2024، واجهت قوات “فاغنر” العسكرية الخاصة قتالاً عنيفاً ضد المسلحين في منطقة تينزاوتين في مالي، ونتيجة ذلك فقد 23 جندياً وتم أسر عدد آخر. وذكرت وكالة “رويترز” أن من بين المقاتلين محاربين قدامى شاركوا في اشتباكات في أوكرانيا وليبيا وسوريا.
“فاغنر” في أفريقيا!
وبناءً على البيانات المفتوحة ورسائل المسلحين والأقارب والمقابلات مع أقارب عائلات “فاغنر” وتحليل تسجيلات الفيديو من مكان الحادث باستخدام برنامج التعرف إلى الوجوه، تم تحديد هوية 23 مقاتلاً مفقوداً من مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة وتم أسر اثنين آخرين في منطقة مدينة تينزاوتين في مالي.
وقالت مارغريتا غونشاروفا، والدة فاديم إيفسيوكوف البالغ من العمر 31 سنة، إن ابنها واجه عقوبة تتعلق بالمخدرات، وفي عام 2022 أصبح مقاتلاً في الشركات العسكرية الخاصة، وقاد قوة من 500 شخص في معارك أوكرانيا. وقالت المرأة إن إيفسيوكوف، بعد عودته من منطقة الحرب، عمل خياطاً، وفي أبريل (نيسان) الماضي توجه سراً إلى أفريقيا للانضمام إلى قائده السابق على رغم محاولاتها ثنيه عن ذلك.
وزارة الدفاع الروسية ووزارة الخارجية ومجموعة “فاغنر” التزمت الصمت المطبق حول الخسائر في أفريقيا، ولم تستجب لطلبات وكالات الأنباء للتعليق على هذه القضية.
وقام جنود من مجموعة “فاغنر” بتأمين مختلف الهياكل والحقول في مالي ودول أفريقية أخرى لأعوام عدة. وفي 28 يوليو، أفادت حركة التمرد في مالي بأنه في منطقة تنزاوتين بالقرب من الحدود مع الجزائر، أقدم الانفصاليون الطوارق على قتل وإصابة العشرات من جنود الحكومة وجنود “فاغنر”، كما أسروا العديد منهم. وأكدت اللجنة العسكرية الخاصة وقوع خسائر في صفوف مقاتلي الجماعة والقوات المسلحة المالية، لكنها لم تذكر العدد الدقيق للقتلى أو الجرحى أو الأسرى. وأفادت السلطات المالية بمقتل اثنين من جنودها وإصابة 10 آخرين.
وقال مسؤول محلي لوكالة “الصحافة الفرنسية” إن “ما لا يقل عن 15 من مقاتلي ‘فاغنر‘ قتلوا وأسروا”. لكن مصادر روسية غير رسمية تحدثت عن مقتل 84 مسلحاً من قوات “فاغنر” و47 جندياً حكومياً خلال القتال. وأعلن مصدر لوكالة “تاس” الروسية مقتل مدير قناة “غراي زون” القريبة من “فاغنر” نيكيتا فيديانين في الاشتباك.
وحددت “رويترز” هوية 23 مقاتلاً من مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة الذين فقدوا في مالي بعد كمين بالقرب من بلدة تنزاوتين على الحدود مع الجزائر، ويتم احتجاز اثنين آخرين من قبل مقاتلي الطوارق المحليين. وتبين أن معظمهم من المحاربين القدامى، وقد شاركوا سابقاً في حملات عسكرية في ليبيا وسوريا وأوكرانيا.
في 29 يوليو، قال الممثل الرسمي لمديرية الاستخبارات الرئيسة في أوكرانيا، أندريه يوسوف، إن “المتمردين الماليين تلقوا من أوكرانيا جميع المعلومات اللازمة التي سمحت لهم بتنفيذ عملية عسكرية ضد الشركات العسكرية الروسية الخاصة. وقال لاحقاً إنه لم يتحدث عن تورط استخبارات بلاده في الهجوم.
وكتبت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن أوكرانيا تقوم بتدريب الطوارق على استخدام الطائرات من دون طيار. وذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية أن مدير الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، كان يخطط لهجوم على شركة “فاغنر” في مالي منذ العام الماضي.
وعلى هذه الخلفية، قطعت مالي والنيجر علاقاتهما الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتقدمتا مع بوركينا فاسو بطلب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، متهمة كييف بـ”دعم الإرهاب”. وقد رفضت كييف مثل هذه الاتهامات. وأكدت وزارة الخارجية الأوكرانية أنها تلتزم بمعايير القانون الدولي، وحرمة سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها.
ومن جهتها، أعلنت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قرار أوكرانيا فتح “جبهة ثانية” في أفريقيا.
وبعد محاولة التمرد التي قام بها مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين عام 2023، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن السلطات المالية أقامت اتصالات رسمية مع موسكو، لذلك واصل المدربون الروس العمل هناك.
البحث عن “فاغنر”
على إثر الخسائر التي منيت بها المجموعة في أفريقيا، انشغلت شبكات التواصل الاجتماعي خلال الشهرين الأخيرين مرة أخرى بالبحث عن مصير “فاغنر” وقواتها، وكتبت القنوات الروسية شبه العسكرية على تطبيق “تيليغرام” أن الشركة ستنضم إلى هياكل الحرس الروسي، وأنها فتحت باب التجنيد مرة أخرى في ثلاث مدن كبيرة هي بيرم ونوفوسيبيرسك وموسكو. في حين تحدثت قنوات مقربة من الكرملين عن التحاق عدد من مقاتلي “فاغنر” بصفوف قوات “أحمد” الشيشانية بعد مصرع قادة المجموعة في حادث تحطم طائرة غامض صيف 2023.
خلال العام ونصف العام الأول من الهجوم الروسي على أوكرانيا، تحول مؤسس “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، من سحابة رمادية غامضة إلى أحد الوجوه الأكثر شهرة في الحرب. بدا للنظرة الأولى أن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لرجل الأعمال: فقد اعترفت الدولة علناً بدور “طبّاخ بوتين” وصديقه في النجاحات العسكرية وسمحت له بتجنيد المساجين والمحكومين وكل المجرمين فضلاً عن أسرى الحرب.
وكانت “فاغنر” وما زالت تتمتع بسمعة طيبة في الشارع الروسي باعتبارها الوحدة الأكثر كفاءة. لكن انتقادات بريغوجين للقيادة العسكرية ووزارة الدفاع، أدت إلى صراع واسع النطاق مع وزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، وهيئة الأركان العامة. واتهم بريغوجين الوزير ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، بتعمد عدم إعطاء ذخيرة لعناصر مجموعته الذين اقتحموا مدينة باخموت الأوكرانية ودفعوا فيها نحو 10 آلاف قتيل وحولوها في النهاية إلى أنقاض.
العدّ التنازلي!
وعقب مقتل قادة “فاغنر” ومؤسسيها، يفغيني بريغوجين وديمتري أوتكين وفاليري تشيكالوف، في حادث غامض حين تحطمت طائرة مدنية كانوا يستقلونها، بعد شهرين بالتمام والكمال من تمردهم على وزارة الدفاع والكرملين في صيف عام 2023، أصبح مصير الشركة وعناصرها وضباطها غير واضح. وينتشر جزء من “جيش بريغوجين” في معسكرات عسكرية في بيلاروس، والجزء الآخر في أفريقيا، وبعض قادتها توزعوا في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما في دول “بريكس” كمبعوثين سريين لبوتين.
تشير وصية بريغوجين، المؤرخة في عام 2023، إلى أن جميع الممتلكات يجب أن تذهب إلى ابنه بافيل، الذي كان مقاتلاً في مجموعته العسكرية الخاصة، لكنه لم يكن جزءاً من دائرة القادة. وبين الحين والآخر، تنشر وسائل الإعلام أخباراً على مستوى إشاعات عن عودة “الفاغنريين” إلى أوكرانيا، أو أنهم ينتقلون إلى هياكل وزارة الدفاع، أو أنهم يغادرون إلى شركات عسكرية خاصة جديدة. من الصعب تأكيد أو دحض هذه التقارير، لأن التفاعل مع وسائل الإعلام في شركة “فاغنر” كان دائماً تحت السيطرة الصارمة ليفغيني بريغوجين، لكن القادة الباقين على قيد الحياة هم أشخاص غير معروفين ولا مشهورين.
تواصل شركة “فاغنر” العمل في أفريقيا، فإن “هذا المكان مجرد حلم”، كما يقول المسلحون أنفسهم، ولكن لا يمكن “الذهاب للحمامات الشمسية” و”القيام بأعمال الرجال السرّيين” إلا من خلال شركة “فاغنر” وأذرعها السرّية.
تنقسم دعوات التجنيد التي تصدرها قناة “إنلويدينغ فاغنر” على “تيليغرام” بعد تمرد بريغوجين ووفاته إلى نوعين: إما صور بأعلام الشركة من مدن مختلفة في روسيا، أو دعوات “للعمل” في أفريقيا.
وجاء في الدعوة أن “فريق المتخصصين المؤهلين تأهيلاً عالياً يطلب مقاتلين يرغبون في الذهاب إلى أفريقيا الدافئة والمشمسة، وعلى استعداد لتجريب مهاراتهم القتالية وصقلها”.
الجيش الخاص بحاجة إلى رجال أعمارهم تتراوح بين 22 و55 سنة لا يتعاطون المخدرات وغير مصابين بمرض الأيدز أو التهاب الكبد الوبائي.
تقدم “فاغنر” للمتقدمين راتباً شهرياً قدره 240 ألف روبل (2400 دولار). وبناءً على نتائج العمل، يتم توفير المكافآت والتأمين ومدفوعات الإصابات والوفيات في المعركة. ولكن لن تكون هناك أوامر وميداليات حكومية – فقط “إشادات داخلية”، بحسب ما روى مراسل “سيرفير ريالي” عندما حاول هو نفسه الالتحاق بإحدى الشركات العسكرية الخاصة التابعة لـ”فاغنر”.
وأوضح المجند: “نحن لا نتعاون مع أي تشكيلات ونقوم بأنشطة مستقلة في البلدان الساخنة. حتى الآن لا يوجد أي اتصال على الإطلاق بـ ‘مينكا‘ (أي وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي) وأفريقيا تحتاج إلى متخصصين من الطهاة إلى الطيارين”.
الأشخاص الذين لديهم المهارات اللازمة للتحكم في الطائرات من دون طيار هم الأكثر طلباً، ويمكن لهؤلاء أن يتقاضوا راتباً يصل إلى 300 ألف روبل (3000 دولار).
الآن تقوم “فاغنر” باستخدام ثلاثة أرقام هواتف على الأقل، يتم عرض اثنين منها باسم “فاغنر” والثالث باسم “ليتش رونا”.