لها تاريخ حافل مع السلاطين وروائع العمارة الإسلامية، فضلا عن تعدد الأعراق وتنوع القبائل، على نحو يجعلها “فسيفساء حضارية” مثيرة للتأمل والإعجاب.
تشي بالعمق الحضاري للسودان وتبوح ببعض مكونات عبقريته الجغرافية، كبوابة عبور وتفاعل بين العرب وأفريقيا.
تلك هي الفاشر..عاصمة ولاية ” غرب دارفور”.
تقع الفاشر على مسافة ألف كيلومتر تقريبًا إلى الجنوب الغربي من العاصمة الخرطوم، وترتفع 700 متر فوق سطح البحر، وهي صاحبة الاسم الذي بات يتردد مؤخرًا في سياق حرب ذات طابع عنيف غير مسبوق في بلد السلام والوداعة، لكن الحقيقة أنها تمتلك جذورًا ضاربة في عمق التاريخ وخصوصية ثقافية لافتة، يتوقف عندها القاصي والداني.
اشتهرت الفاشر بمساهمتها في كسوة الكعبة الشريفة في حقب زمنية قديمة، وأصبحت محطة رئيسية في طريق الحجاج المتجهين إلى البيت الحرام قادمين من أنحاء أفريقيا، يتوقفون هنا لالتقاط الأنفاس ويحملون معهم كسوة الكعبة الشريفة، حدث ذلك بفضل تشييد السلطان علي دينار مصنعًا لإنتاج تلك الكسوة، إذ ظل يرسلها إلى مكة المكرمة لمدة 20 عامًا.
كما كانت محطة أساسية في رحلة أميليا إيرهارت، أول أمريكية تعبر المحيط الأطلسي، وهى تحاول الطيران حول العالم العام 1937، في مغامرة نسوية هي الأولى من نوعها.
يقال إن اسم ” الفاشر” يعني “مجلس السلطان” حيث اعتبرها كثير من الباحثين “سلطنة” عربية توالى على حكمها سلاطين وأمراء في حقب زمنية مختلفة، ومن هنا يُطلق عليها أحيانا “فاشر السلطان” و” الفاشر أبو زكريا”، نسبة إلى الأمير زكريا، والد السلطان علي دينار، صاحب الأيادي البيضاء في تطوير ملامح المدينة بشكلها المعاصر.
تأسست المدينة في منتصف القرن الخامس عشر على يد السلطان سليمان أحمد الذي يقال إن أصوله تعود إلى “بني العباس” حيث شيّد روائع المساجد وأخضع القبائل الأفريقية في دارفور للحكم العربي.
تحولت في نهايات القرن الثامن عشر إلى عاصمة “سلطنة الفور” على يد السلطان أحمد الرشيد، في حين اعتلى السلطان على دينار عرش دارفور 1916 ليصبح السطان الأخير في تلك السلالة..
ومن أبرز معالم المدينة، “قصر السلطان علي دينار”والذي بُني العام 1912 في قلب المدينة تحت إشراف مهندس تركي جاء من بغداد خصيصا لبناء القصر، بصحبة مهندسَين مصريين ونجّارَين يونانيين.
وهناك أيضا “مسجد الفاشر العتيق” الذي هدمه الإنجليز بسبب قربه من حاميتهم وخشيتهم أن يتحول لمركز انطلاق ثورة شعبية ضدهم، إلا أن السلطان علي دينار أعاد بناءه في موقع آخر من المدينة، محتفظا له بسماته الأولى من حيث العراقة والفخامة.
إرم نيوز