آخر الأخبار

حرب السودان تؤجج الاستقطاب ولا أفق لمشروع سياسي

شارك الخبر
مصدر الصورة

أظهرت النقاشات التي تدور في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي بين مختلف فئات وأطياف الشعب السوداني حول قضايا البلاد المختلفة، بخاصة مستقبلها السياسي بعد انتهاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، عمق الخلافات والتباين الواضح في المواقف التي بدأت تتشكل من منطلق الموقف من الحرب المندلعة حالياً في البلاد، فكيف ينظر المراقبون لملامح المشروع السياسي المستقبلي للسودان في ضوء ما يحدث من استقطاب حاد، وما مآلات ذلك على استقرار البلاد؟

حالة سكر

قال الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبدالسلام إن “الحرب الدائرة يؤججها الاستقطاب الأيديولوجي، فهناك جماعة تريد إحراق السودان من أجل الحكم، إذ لم يكفها حكم البلاد لمدة 30 عاماً، بل سعت بكل قواها إلى مقاومة أي مشروع للإصلاح وهو معلوم أنه صراع سلطة، فما يحدث الآن أن هناك جنرالين يحكمان البلاد، وكل واحد منهما في معيته مجموعة من القوى السياسية ترسم له خريطة الخلاص من الخصم ولو كان الثمن الدمار الشامل لمكتسبات الوطن من بنى تحتية وتراث وأرواح وغيرها”. وأضاف “لا يوجد أحد في الطرفين على رغم الشعارات التي يناديان بهما حريص على البلاد، فالاثنان همهما اعتلاء كرسي السلطة ولذلك لا أتوقع نتيجة حاسمة لهذه الحرب بالضربة القاضية، إذ ستستمر سجالاً وسيطول أمدها مما يعني مزيداً من المعاناة للمواطن السوداني، ما لم تحصل معجزة في تفكير الجانبين واجتماعهما على طاولة واحدة على أن يقدما السودان بعيداً من أطماعهما وهواهما في السلطة”.

وزاد “هؤلاء القادة العسكريون في حالة سكر بالسلطة التي جاءت لهم بسبب التشظي الذي لازم البلاد، وعلى رغم فقدهم عديداً من المساحات والمواقع في ولايات استراتيجية خلال هذه الحرب، فإنهم ما زالوا يتشدقون بالسلطة بل ويبشرون السودانيين بمستقبل الفترة الانتقالية بعد انتهاء الحرب التي ستكون برئاستهم السيادية، فهم يقولون إن أي حكم مدني انتقالي قادم سيكونون الأساس فيه، فللأسف هم يفرضون أنفسهم بالقوة والجبروت وليس من خلال رؤية ومشروع سياسي، وهذه مشكلة لأن هناك طرحاً سياسياً كبيراً يتعلق بالسلطة المدنية التي تتمثل مهمتها في القضاء على الفساد وإزالة التمكين ومحاكمة المجرمين، ومؤكد أن هذا الطرح يجعل الطرف الآخر يتمسك أكثر بقناعاته: إما الموت وإما الحياة على خراب السودان”.

ولفت الأمين السياسي في حزب المؤتمر الشعبي إلى أنه “من الضروري أن نتواضع كسودانيين ونتفق على مشروع سياسي يلتف حوله الجميع على أساس أن الديمقراطية هي الطريق للحكم من خلال انتخابات حرة نزيهة، ولكي نصل إلى هذا الخيار هناك خطوات مهمة، فلا بد من عمل إصلاحات سياسية ودستورية في ظل وفاق سياسي وإلا ستستمر معاناتنا”.

تفويض شعبي

من جهته قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية عبدالجليل الباشا “هذه الحرب المشؤومة دخلت مرحلة تفتيت المجتمع وربما تقسيم السودان إلى دويلات، إن لم نقل إزالته من خريطة الوجود، وبات من الواضح أنها تستهدف المواطن السوداني بالدرجة الأولى، بالنظر إلى حالات الانتهاكات التي تعرض لها بخاصة النساء اللاتي عانين من العنف الجنسي والجسدي، ناهيك بعمليات الاعتقال والتعذيب والنهب والنزوح واللجوء وغيره”.

وتابع الباشا “مع صور المعاناة التي لا توصف في حق المدنيين وما أحدثته الحرب من تدمير للبنى التحتية والخدمية، فضلاً عن تفشي خطاب الكراهية والعنصرية الذي يهدد تماسك اللحمة الوطنية، نجد أنه ما زال هناك من يدعو إلى استمرار هذه الحرب ليتخذ من جماجم الشعب السوداني سلماً لبلوغ السلطة، لذلك من المهم في هذه المرحلة وحدة الصف الوطني المنادي بوقف الحرب ورفع المعاناة عن كاهل أهل السودان من خلال رؤية شاملة تنهي هذا القتال وتخاطب آثاره وأسبابه الجذرية للحيلولة دون ترحيل الأزمة للأجيال القادمة، والتأسيس لتحول مدنى ديمقراطي شامل مع ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي والاقتصادي لتتفرغ لمهامها الدستورية المتمثلة في حماية البلاد وأمنها القومي من خلال جيش مهني واحد معافى من كل تشوهات الماضي”.

ومضى مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية في القول “صحيح أن إعلام الحركة الإسلامية لعب دوراً في شيطنة القوى المدنية بهدف القضاء على ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، لذلك نجد أن عداء الإسلاميين للقوى المدنية أكبر من عدائهم لقوات ’الدعم السريع‘ التي تقاتلهم في الميدان”.

شراكة انتقالية

في سياق آخر، أفاد المتخصص في مجال العلوم السياسية في الجامعات السودانية الزمزمي بشير بأنه “من المؤكد أن مستقبل السودان السياسي بعد الحرب سيكون مليئاً بالتحديات في ظل الدمار الذي لحق بكل مؤسسات الدولة ومناحي الحياة المدنية والعسكرية، فضلاً عن حال الفوضى العارمة التي شهدتها البلاد، مما يؤثر في جميع الخطوات المستقبلية بخاصة في الجانب السياسي، لذا فإن لم تكن هناك قوى سياسية فاعلة ومتناغمة ومرتبة بأجندتها وأولوياتها سيكون السودان في حال خراب وفوضى”. وأردف “في تقديري أن مرحلة ما بعد نهاية الحرب تحتاج من السودانيين السمو على الانتماءات الحزبية والقبلية وغيرها، وأن يكون السودان هو الهدف الأسمى، وأن تعمل كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفئات الشعب السوداني من أجل صون وإعمار البلاد”.

وأشار بشير إلى أن ملامح المشروع السياسي القادم تعتمد على من يكون له القدرة على توفير فواتير الإعمار في التعليم والصحة والطرق والجسور وغيرها وهي فواتير مكلفة جداً، فضلاً عن أنها تحتاج إلى مؤتمرات وقاعدة معلومات دقيقة وخبرات عملية وعلمية وتجارب سابقة في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. وواصل “في نظري أن أكبر تحد سيواجه المشهد السوداني هو مستقبل العملية السياسية وهل الجيش سيكون خارج منظومة الحكم أم داخله، فحسب الواقع الماثل لا بد أن تكون هناك فترة انتقالية تقوم على شراكة عسكرية مدنية غير حزبية ترتكز مهامها في إخراج البلاد من آثار هذه الحرب، على أن يتم الترتيب لانتخابات عامة بعد المرحلة الأولى من الإعمار”.

ولا يعتقد بشير أن الوضع القادم يسمح بأن يبحث السودانيون عن مزيد من الحريات كما طالبت ثورة ديسمبر، “فالأمر أصبح مختلفاً تماماً عما كان في السابق، وذلك بأن تكون هناك دولة سودانية أم لا، إذ لم يعد جانب الشعارات مجدياً سواء كانت من اليمين أو اليسار، فالشعب السوداني ذاق الويلات فهو في حال نزوح ولجوء داخل البلاد وخارجها يعاني الجوع والمرض والبؤس”.

وتوقع المتخصص في مجال العلوم السياسية أن “تفرز هذه المرحلة قيادات شبابية جديدة في المشهد السياسي السوداني، وأن يكون من ضمنها كل من حمل السلاح دفاعاً عن العرض والمال والوطن فترة الحرب، لكن بالتأكيد أن المشروع السياسي القادم سيكون محفوفاً بكثير من التعقيدات بخاصة في جانب الصراع الذي سيمتد بين الجانبين العسكري والمدني، ومع ذلك أرى أن براعة العقلية السودانية ربما تساعد في تجاوز هذه المرحلة”.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا