آخر الأخبار

لماذا تفشل محادثات السلام في السودان

شارك الخبر

رغم كل الجهود المبذولة لإطلاق مفاوضات سلام تنهي أزمة السودان، لا تبدو الأزمة في طريقها إلى الحل على المدى المنظور. وتتطلب مفاوضات السلام عدة مراحل يرى مراقبون أنها لم تكن موجودة في جهود المفاوضات السابقة.

الخرطوم – في أغسطس 2024، جرت محادثات سلام رفيعة المستوى للتفاوض على وقف إطلاق النار الذي تشتد الحاجة إليه في السودان. ولكن للأسف، لم يخرج أي شيء ملموس من المحادثات التي عقدت في سويسرا واستضافتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وكانت هناك جهود سابقة لإحضار الأطراف المتحاربة الرئيسية في السودان: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، إلى طاولة المفاوضات ووقف الحرب.

وقد نجحت جهود كبيرة في جدة بالمملكة العربية السعودية في التفاوض على وقف إطلاق نار قصير الأمد بعد شهر على بدء الصراع في أبريل 2023، لكنها لم تسجل سوى نجاحات قليلة أخرى.

وفي الوقت نفسه، يستمر القتال، وقد نزح أحد عشر مليون شخص من أصل عدد سكان يبلغ حوالي 50 مليون نسمة، ونصف السكان يعانون من جوع حاد.

ويشرح فيليب كاستنر، وهو باحث في القانون الدولي والسلام قام بتحليل العديد من مفاوضات السلام والاتفاقيات المختلفة، في تقرير نشره موقع ذو كونفرسيشن، العقبات التي تعترض طريق السودان نحو التوصل إلى اتفاق سلام.

ويقول كاستنر إن التفاوض على السلام معقد بشكل لا يصدق، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل المحادثات تفشل في الكثير من الأحيان.

التفاوض على السلام ليس مسألة اتباع وصفة بسيطة، فهو نادرا ما يكون عملية خطية تمر بمراحل محددة جيدا

ويتمثل السبب الأول في أن أطراف الصراع لا تجلس في بعض الأحيان إلى طاولة المفاوضات لأنها غير مقتنعة بإمكانية الاستفادة من المحادثات. وهذا ما حدث مع محادثات السلام في سويسرا بشأن السودان. ففي حين أرسلت قوات الدعم السريع شبه العسكرية وفدا، فإن الطرف الرئيسي الآخر في الصراع، القوات المسلحة السودانية، لم تفعل ذلك.

وأما السبب الثاني فغالبا ما يكون دعم الجهات الفاعلة الخارجية للمفاوضات والضغط على الأطراف لمحاولة حل نزاعها سلميا غير كاف.

وفي حالة السودان، دعمت الجهات الفاعلة الدولية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة، فضلا عن العديد من القوى الإقليمية، رسميا المحادثات الأخيرة. لكن الواقع هو أن العديد من هذه الجهات الفاعلة تسعى إلى تحقيق مصالح متنافسة.

ونظرا لنفوذ الجهات الفاعلة الكبير على الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية، فإن هذه القوى تستطيع وينبغي لها أن تحاول بشكل أكثر استباقية التوسط بين أطراف الصراع.

وهذا من شأنه أن يشير إلى أن المجتمع الدولي يأخذ المعاناة في السودان على محمل الجد. والواقع أن الكارثة الإنسانية الحالية ينبغي أن تكون خطا أحمر وكحد أدنى، ينبغي أن تنتهي كل أشكال الدعم العسكري للأطراف المتحاربة.

وعلاوة على ذلك، لم يتم الاعتماد بشكل كاف على خبرة المنظمات غير الحكومية المتخصصة، التي لا تملك أي مصالح جيوسياسية محددة. فقد ساعدت مثل هذه المنظمات غير الحكومية في التوسط في الصراعات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في موزمبيق وإثيوبيا وإقليم آتشيه الإندونيسي. وتشكل هذه الخبرة المحايدة ضرورة أساسية لإدارة المواقف المعقدة مثل تلك التي تشهدها السودان.

ما الذي ينبغي أن يحدث

أطراف الصراع لا تجلس في بعض الأحيان إلى طاولة المفاوضات لأنها غير مقتنعة بإمكانية الاستفادة من المحادثات

إن التفاوض على السلام ليس مسألة اتباع وصفة بسيطة، فهو نادرا ما يكون عملية خطية تمر بمراحل محددة جيدا.

وعلى سبيل المثال، وعلى عكس ما يُفترض في الكثير من الأحيان، لا ينبغي بالضرورة أن يكون وقف إطلاق النار الخطوة الأولى. فقد جرت العديد من مفاوضات السلام، من البوسنة والهرسك إلى كولومبيا، في حين استمر القتال وأدت إلى إبرام اتفاق جوهري.

ومن المهم أيضا أن نفهم أنه لا يكفي التركيز فقط على المحادثات رفيعة المستوى، بل يجب بناء السلام على الأرض أيضا.

ولا يمكن استبعاد المجتمع المدني، بما في ذلك النساء. وفي السودان، أصبح الوضع مجزأ بشكل متزايد، حيث لا يتمتع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسيطرة مركزية على تحالفاتهم الواسعة.

ويمكن أن تزيد الاتفاقات المحلية بشكل كبير من أمن السكان في منطقة معينة. ويمكن أن تكون مثل هذه الاتفاقات أيضا فرصة لبعض المقاتلين لتسريح أنفسهم والعودة إلى الحياة المدنية، مما يساهم في بناء السلام بشكل مستدام.

في السودان، أصبح الوضع مجزأ بشكل متزايد، حيث لا يتمتع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسيطرة مركزية على تحالفاتهم الواسعة

ولكن بدلا من ذلك، تم استغلال التوترات العرقية وتفاقمها بسبب تجنيد المقاتلين على أساس عرقي.

وعلاوة على ذلك، فإن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العشوائي والاغتصاب، يذكرنا بالإبادة الجماعية في دارفور قبل عشرين عاما.

وتعني هذه المعاناة، إلى جانب تعقيد الصراع، أن المجتمع الدولي لا يستطيع أن يتحمل انتظار “اللحظة الناضجة”، عندما تتفق الأطراف المتحاربة على أنه من الأفضل التفاوض بدلا من القتال.

ومن الأخطاء الشائعة أن نأمل في مثل هذه الظروف المثالية للمفاوضات. وبدلا من ذلك، يتعين على الجهات الفاعلة التي تتمتع ببعض النفوذ على الأطراف أن تحاول باستمرار خلق نقاط دخول للمفاوضات وفرص للسلام. فكل مكسب صغير هو نجاح.

وتحتاج الأطراف المتحاربة إلى الموافقة على وقف الأعمال العدائية والممرات الإنسانية للسماح لمنظمات الإغاثة بالقيام بعملها وإنقاذ الأرواح. وبدلا من ذلك، اختارت هذه الأطراف مواصلة الحرب ومنع وصول المساعدات الإنسانية، مع عواقب وخيمة.

عقبات أخرى
حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة حاليا على السودان محدود للغاية ويتم تنفيذه بشكل سيئ

إن أحد العوائق التي تحول دون تحقيق السلام في السودان هو أن الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية لديها وسائل مالية كبيرة، وخاصة بسبب تجارة الذهب. وهذا يسمح لها بدعم الحرب. ومن ثم فإن تطبيق العقوبات الدولية لتجفيف هذا المصدر من الإيرادات أمر بالغ الأهمية.

وثانيا فإن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة حاليا على السودان محدود للغاية ويتم تنفيذه بشكل سيئ.

إن سهولة توفر الأسلحة والمعدات العسكرية في المنطقة هي علامة على وجود نظام دولي يمنح امتيازات لأرباح مصنعي الأسلحة والتجار على حساب أمن وحياة الناس.

ولذلك فإن المجتمع الدولي قادر ويجب عليه أن يفعل المزيد لمواجهة عسكرة المجتمعات بأكملها وتعزيز الأساليب السلمية لحل الصراعات.

وبعبارة أخرى، فإن بناء السلام يتطلب العمل على عدة مستويات. ورغم أننا نستطيع أن نتعلم من النجاحات والإخفاقات السابقة، فمن الأهمية بمكان أن نتجاوز عمليات صنع السلام الوطنية وأن نفكر بشكل إبداعي في السلام. وقد يكون هذا شاقا ويستغرق وقتا طويلا، ولكنه قد يؤدي إلى سلام أكثر استدامة.

وسوف يحتاج الناس المتضررون من الحرب وعواقبها الرهيبة، في السودان وأماكن أخرى، إلى هذا الالتزام.

العرب

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر


إقرأ أيضا