آخر الأخبار

هل سيتهرب المجتمع الدولي من التدخل بالقوة في السودان؟

شارك الخبر

 

في وقفته الثالثة على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين انصب اهتمام رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان على لوم المجتمع الدولي لجهة أنه يكيل بمكيالين ولم يتخذ موقفا عادلا من الحرب في بلاده ومن الجهات والدول التي تدعم ميليشيا “الدعم السريع” على حد وصفه، في حربها مع الجيش السوداني.

وقال البرهان: “إن الانتقائية وازدواجية المعايير باتت السمة الغالبة للعلاقات الدولية”. والملاحظ أن عبارة “ازدواجية المعايير” تكررت في الخطاب. وأكثر من ذلك، أبدى البرهان امتعاضا واضحا من المنظمة الأممية التي لم تصف الصراع في السودان بالوصف الصحيح، ولم تصنف “الدعم السريع” كـ”مجموعة إرهابية”، رغم الأدلة والبراهين التي قدمها البرهان نفسه في الدورة السابقة. وفي مقابل تأكيده على تقصير الأمم المتحدة، أرسل البرهان شكرا للجهات والمنظمات التي وصفت ما يجري في السودان بأنه “تمرد من ميليشيا على الدولة السودانية”، وفي مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي، وقمة البحيرات. البرهان في وقفته الثالثة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد عام ونصف العام من الحرب في بلاده جاء يطلب من المجتمع الدولي التدخل لإنهاء الصراع بشرط تبني المجتمع الدولي لروايته للحرب، رغم الترتيبات التي شرع فيها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع الكارثي في السودان. السودانيون والمجتمع الدولي قال المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريليو: “بالإضافة إلى المشاورات مع الأطراف، سمعنا من عشرات الآلاف من المدنيين داخل وخارج السودان، وكانت رسالتهم واضحة: إنهم يريدون إنهاء الرعب اليومي من القصف والمجاعة والحصار، والولايات المتحدة وشركاؤها ملتزمون بالاستجابة لهذا النداء”. وقد سبق تصريح بيريليو خطاب البرهان في الأمم المتحدة بأسابيع ما يشي بأن المجتمع الدولي لن يشتري رواية البرهان الرسمية عن الحرب ولا الدور الذي رسمه له في إنهاء الصراع “مغمض العينين”، كما أن واقع الحال في الأرض سيكون له دور حاسم في كيفية التعاطي وحدود التدخل الدولي في الصراع والحقائق المجردة على الأرض تشير إلى أن الرعب اليومي تفاقم، إذ لم يتوقف القصف المدفعي العشوائي على رؤوس المدنيين من قبل “قوات الدعم السريع” ولا عبر متفجرات طيران الجيش العشوائي على رؤوس المدنيين أيضا والمجاعة تسببت في موت الناس فعليا واتسعت دائرتها إضافة إلى موتهم بسبب الأمطار والسيول والفيضانات والأمراض الناجمة عنها في ظل انعدام الرعاية الطبية أما جهود الحل السلمي وإنهاء الحرب فلا تزال “مكانك سر” وجعجعة بلا طحين. احتدام القتال… القدرة على السيطرة منذ أن وصل البرهان إلى نيويورك يوم الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول الجاري اندلعت المواجهات على أشدها في العاصمة السودانية الخرطوم عندما تحرك الجيش في عدة محاور مهاجما تجمعات “قوات الدعم السريع” بعد أن عبر الجسور التي تربط مدن العاصة الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، في محاولة لاستخدام عنصر المفاجأة بعد الهدوء الذي ساد الموقف العملياتي الشهور الأخيرة. ويبدو من نتائج المعارك بحسب شهود عيان أن “قوات الدعم” كانت على قدر من الاستعداد الأمر الذي حدّ من العملية العسكرية الواسعة. وبحسب المصادر، تراجع الجيش الذي هاجم وسط الخرطوم إلى ارتكازاته في أم درمان، بينما تقدم مسافات قليلة في مناطق الخرطوم بحري. والمفارقة المهمة أن الإعلام الرسمي للجيش لم يصدر بيانا يوضح فيه حقيقة المعارك وسط حملة لإثبات الانتصارات ونفيها من قبل جنود الطرفين المتقاتلين أنفسهم مسنودة بناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي داعمين لهذا الطرف أو ذاك. غير أن الخبراء العسكريين ينظرون إلى أن عملية الجيش وعلى الرغم من أنها خطة عسكرية سليمة فإنها تأخرت كثيرا وفقدت عنصر المباغتة منذ لحطاتها الأولى بينما ينظر إليها محللون سياسيون وعسكريون على حد سواء على أنها إعلاء للسيطرة والقدرة على القتال تحسبا للتدخل الدولي أو رفعا للسقوف التفاوضية حال انتظمت في أي وقت. جنيف: المساعدات وحدها لا تكفي مفاوضات السلام الأخيرة التي شهدتها العاصمة السويسرية جنيف أغسطس/آب الماضي كان هدفها المباشر والمعلن “وقف العدائيات” لإنهاء الحرب في السودان إلا أن غياب الجيش السوداني جعلها تنتهي على أنها مشاورات بلا بيان ختامي يتم توقيعه من الأطراف المتحاربة على الرغم من أن الولايات المتحدة سعت لتفادي هذا المصير، ورضخت لكل شروط الجيش السوداني عبر تدخلات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مهاتفة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أكثر من مرة ولكن البرهان تمادي في التمنع مستبطنا الرغبة في المزيد من المكاسب مع يقينه أن الولايات المتحدة وحلفائها لا يملكون كروت ضغط كافية ومؤثرة حال إفشال المفاوضات بمقاطعتها كليا. ومن جانبه ردد الجانب الأميركي، وعبر المبعوث الخاص، أن المفاوضات كانت ناجحة، وقال بيريليو في تصريحات صحافية عقب نهاية المفاوضات: “رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، كان واضحا في رغبته بإيصال الغذاء والدواء للشعب السوداني، فضلا عن موافقة (قوات الدعم السريع) على طرق إنفاذ المساعدات”. إلا أن رأي كثير من المراقبين أن الموافقة على دخول المساعدات وحدها لا تكفي ولكنها مجدية وفعالة في ظل قتال مستعر وبيئة أمنية منهارة وربما الأسابيع التي أعقبت “جنيف” كانت كافية للتأكيد على أن مخاوف المراقبين- الذين يتلخص رأيهم في أن إنهاء الحرب ووقف العدائيات هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة المدنيين السودانيين وحمايتهم وإيصال المساعدات إليهم- هو الرأي الصحيح. والواقع يشير إلى أن الحرب استعرت وزاد عنفها وضحاياها من المدنيين أكثر مما كانت عليه قبل مفاوضات جنيف. ولما كان أمر حماية المدنيين إحدى المهام الرئيسة للأمم المتحدة فقد باتت آمال كثير من السودانيين معلقة عليها لتوفير الحماية لهم من عنف الحرب، ولا يمانع البعض في استخدام المجتمع الدولي بندقية أكثر قوة وفعالية من بندقية المتحاربين في السودان. “جنيف”: تحضير للقادم يمكن أن ينظر إلى مفاوضات جنيف على أنها تحضير لما هو قادم من دور دولي أكثر تأثيرا في إنهاء الأزمة، وفي ذات السياق صدر بيان وصف بالنادر من الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء 18 سبتمبر، موجها للأطراف المتحاربة في السودان مطالبا بوقف التصعيد العسكري فورا لصالح المدنيين ومهددا بفرض مزيد من العقوبات. وينظر إلى تحالف “متحدون” نفسه على أنه جزء من تحضير مؤتمر جنيف للمجتمع الدولي للعب دوره في حماية المدنيين السودانيين، وذلك ما ألمح له المبعوث الأميركي توم بيريليو عندما قال “نتحضر للجمعية العامة للأمم المتحدة” والتي من المفترض أن يكون البرهان من بين الحاضرين فيها، وفعليا حضر البرهان وذكر تعهدات تتناقض إلى حد كبير مع موقفه من جنيف إلا في ما يتعلق بـ”الفيتو” المتصل بالجهات والدول المشاركة في التفاوض، في إشارة إلى الجهات والمنظمات المتهمة بدعم “قوات الدعم السريع”، رغم أنه لم يذكر ذلك صراحة في رفضه المشاركة في مفاوضات جنيف. لجنة تقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان في حرب السودان أكدت المؤكد، وهو أن طرفي الحرب متورطان في انتهاكات حرب وجرائم ضد الانسانية وأن “الدعم السريع” ترقى جرائمها إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وأوصت اللجنة التي تم تكوينها بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبل عام، أوصت في تقريرها النهائي بتدخل دولي مباشر لحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة. ومن المؤكد أن مجلس حقوق الإنسان بدوره سيقوم برفع التقرير مشفوعا بالتوصيات وأسماء المتسببين في هذه الانتهاكات إلى مجلس الأمن وتقرير لجنة تقصي الحقائق. نعم هناك دافع أخلاقي ومسوغ قانوني لاتخاذ المجتمع الدولي خطوات عملية فاعلة لحماية المدنيين في السودان وإنهاء الصراع الدائر، فالوقائع ومن بينها العملية الواسعة التي شنها الجيش السوداني الأيام الماضية لإخراج “الدعم السريع” من الخرطوم تشير إلى أن الحرب يمكن أن تطول أكثر من توقعات الجميع وتطول معها معاناة السودانيين وتهديداتها للأمن والسلم العالميين. هل هناك تدخل عسكري؟ هذا السؤال بات مطروحا في أوساط السودانيين بشدة، وينظر إليه من قبل البعض (أي التدخل) على أنه الحل الوحيد في ظل التصعيد العسكري والعنف المتنامي على الأرض بجانب التعنت في قبول الحلول السلمية وانهيار مؤسسات الدولة الخدمية. ولعل هذه المعطيات وغيرها تجعل فرضية التدخل العسكري قائمة بطريقة ملحة رغم التعقيدات التي تكتنف هذه الخطوة من مجلس الأمن، وأولى هذه التعقيدات عدم تمرير قرار يفضي إلى تدخل عسكري لوجود “الفيتو” الروسي والصيني الذي يعد حليفا تاريخيا لقادة الجديش السوداني ومساندا لهم في رفض هذه الخطوة من باب انتهاكها للسيادة على الأقل أو كون أنها تبقي على “قوات الدعم السريع” طرفا موازيا للجيش يمكن أن يسمح بهذا التدخل بل ويتعاون معه في مناطق سيطرته والتي من بينها أجزاء شاسعة في العاصمة الخرطوم التي تقع في وسط البلاد مما يجعل تأثير ذلك على أطراف البلاد الأخرى واسعا. ولكن قطعا سيعتمد الجيش في خط دفاعه الأول على ميثاق الأمم المتحدة بحماية السيادة الوطنية وتحديدا على الفقرة 4 و7 من المادة 2، حيث تقضي الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة بأن يمتنعَ أعضاءُ الهيئة في علاقاتهم الدولية عن التهديدِ باستعمال القوّة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلالِ السياسي لأي دولةٍ أو على أي وجهٍ آخرَ لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. وبحسب خبراء سوف تمثل هذه الفقرة حجر الزاوية في رفض أي تدخل بالقوة لإنهاء الصراع بعد تغليف الرفض بمبدأ سيادة السودان. أما الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق فإنها تقضي بأن من المبادئ التي تعمل الأمم المتحدة وأعضاؤها وفقاً لها، عدم التدخلِ في المسائل المتعلقة بالاختصاص الداخلي للدول. ويفسر الجيش السوداني حرب 15 أبريل/نيسان على أنها نزاع داخلي بعد تمرد فصيل من الجيش عليه أو محاولة انقلابية داخلية في محاولة للاستيلاء على السلطة. ومع ذلك يشير الخبراء إلى أن المادة 2 لم تحم العراق من الغزو في 20 مارس/آذار 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية دون تفويض من مجلس الأمن بحجة امتلاكه أسلحة دمار شمال وكذلك لم تحم سيادة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية في مارس 1999 عندما شن حلف شمال الأطلسي غارات جوية على صربيا دون تفويض من مجلس الأمن بدعوى الحؤول دون وقوع كارثة إنسانية في إقليم كوسوفو، وهي ظروف إنسانية شبيهة بما يحدث على الأرض في السودان. أرض السودان والقوات الأممية تغليف رفض التدخل الدولي في السودان بمبدأ السيادة قديم، ولكن لم يكتب له النجاح في بعض المرات وخاصة في حقبة الإخوان المسلمين المتهمين اليوم بإشعال الحرب وبأنهم أصحاب المصلحة في استمرارها. ومن بين قرارات مجلس الأمن التي تمخض عنها دخول قوات أممية الأراضي السودانية وأشهرها العملية المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور المعروفة بقوات “اليونيميد” بالقرار رقم (1769) في 31 يوليو/تموز 2007 وقوام هذه القوة بلغ قرابة (20) ألف جندي وتعد من أكبر بعثات قوات حفظ السلام في العالم. واستجاب مجلس الأمن الدولي بموجب قراره رقم (1990) بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2011، للوضع العاجل في إقليم أبيي بالسودان، بتأسيس بعثة القوة المؤقت في أبيي، المعروفة اختصارا باسم “يونيسفا” وهي قوات للفصل بين الجيش السوداني وجيش جنوب السودان بسبب النزاع على تبعية المنطقة الغنية بالنفط لأحد البلدين. وقوام قوة “يونيسفا” أكثر من 3 آلاف جندي. باختصار، ومما سبق، سنجد التدخل الدولي في السودان ليس ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا