حول هذه التوصيات أقول:
استطالت معاناة الشعب السوداني خلال الـ 17 شهرا المتواصلة من الحرب، تشرد فيها الملايين داخل وخارج السودان فيما يعاني 25 مليوناً من السودانيين من درجات متفاوتة من الجوع، ومات كثيرون بالفعل، وسط انتشار الأوبئة والأمراض والاعتقالات والتضييق. أننا نرحب بأي جهود تضـع حداً لهذه المعاناة والمأساة الإنسانية الأخطر على مستوى العالم.
وثق التقرير للانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت، وكشف عن الفظائع والجرائم البشعة التي وقعت على الشعب السوداني جراء هذه الحرب، مما أعطى قضية الانتهاكات اهتماما متزايداً، ووضعها في إطارها الحقوقي والأخلاقي بعيداً عن الاستغلال السياسي والدعاية الحربية والانحياز لإدانة انتهاكات طرف دون الآخر.
ظل موقف حزب الأمة القومي على الدوام داعماً للتدخل الدولي الحميد ومحذرا من التدويل الخبيث للقضية السودانية، والذي يجعل من السودان ساحة لصراع المحاور الإقليمية وتنافس النفوذ الدولي. إننا نؤكد ضرورة التدخل الحميد القائم على وساطة تسهل الوصول إلى اتفاق سلام، وتراقب تنفيذه، وتنسق وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين بالسرعة المطلوبة، وتعمل على حماية المدنيين بالحد من العنف وانتشار الأسلحة، ودعم إغاثة وعودة النازحين واللاجئين، ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان والحد من الانتهاكات، ودعم استعادة وتعزيز الحكم المدني الديمقراطي، ودعم برامج التنمية وإعادة الإعمار بموجب القانون الإنساني الدولي دون المساس بالسيادة الوطنية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول كمبادئ أساسية حاكمة.
ما ذهب إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أن الإفلات من العقاب هو أحد الأسباب الرئيسة لعقود من الانتهاكات المستمرة هو كبد الحقيقة، لكن توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية سيكون له تعقيدات سياسية، وقد يدفع جنرالات الحرب للتمسك باستمرارها ورهن مصير البلاد كلها بمصيرهم، عطفاً على أن عدم تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي لم تتمكن بعد مضي قرابة عقدين من الزمان من القبض على المتهمين في جرائم دارفور على رأسهم الرئيس المعزول يشير إلى تطاول هذا المسار، لذلك فإن مسار إنشاء آلية قضائية لمحاكم هجين من شأنه أن يوفق ما بين تحقيق العدالة وعدم الإفلات من العقاب واستعادة الاستقرار، وهو مقترح تقدم به سابقا رئيس حزب الأمة القومي الراحل الإمام الصادق المهدي لتحقيق مقاصد العدالة وإنصاف الضحايا، وفي ذات الوقت يفتح الباب أمام المستقبل الوطني.
في ذات الاتجاه، فإننا ندعم بقوة مقترح وضع مقاربة شاملة للعدالة الانتقالية بناء على حوار شامل ومشاورات حقيقية، ولا بد أن تنطلق هذه المقاربة من مبادئ وأسس الحقيقة والمصالحة والإنصاف وعدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم وجبر الضرر وتعويض الضحايا وفق آليات الدعم النفسي والمادي.
تمديد أجل البعثة مهم للغاية وسط استمرار القتال والانتهاكات مع مواصلة الطرفين في القتال وفشل مفاوضات سويسرا في التوصل لإطلاق نار؛ بسبب رفض مشاركة الجيش فيها.
خلاصة القول؛ لا مخرج من هذه الأزمة المعقدة بكل أبعادها الإنسانية والحقوقية والسياسية إلا عبر حل سياسي شامل يخاطب جذور الصراع وقضايا اليوم التالي للحرب، وبمشاركة القوى المدنية والقوى العسكرية في عملية سلام عادل وشامل تضمن خروج العسكريين من السياسة والاقتصاد، وتؤسس لجيش مهني قومي واحد، وترسخ لعملية إصلاح سياسي وإصلاح مؤسسي، وتحقق العدالة وتضمن كفالة حقوق الإنسان، وتعزز المواطنة المتساوية وإدارة التنوع، وبلا شك فإن دور المجتمع الإقليمي والدولي مطلوب وضروري في الضغط على المتحاربين لوقف الحرب، وإغاثة الشعب السوداني وحماية المدنيين، ودعم جهود وحدة الصوت المدني الديمقراطي.
نقلا عن التغيير