آخر الأخبار

تبعات النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلند

شارك

إقليم تشانتا بوري الحدودي- بعد 19 يوما من المواجهات على الحدود الكمبودية التايلندية، وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، ونزوح مئات الآلاف من السكان على جانبي الحدود، وقّع وزيرا الدفاع التايلندي سوتين كلونغسانغ والكمبودي تيا سيها، صباح اليوم السبت، على اتفاق وقف لإطلاق النار بين البلدين.

وتوصل الطرفان للاتفاق بعد 3 أيام من اجتماعات اللجان الحدودية المشتركة في معبر بان باكاد الحدودي بين البلدين، داخل إقليم تشانتا بوري التايلندي، وعلى بعد عشرات الأمتار من الحدود مع كمبوديا.

وكانت الاجتماعات تسير بشكل متقطع وفي ظل أجواء وصفت بالمتوترة، انتهت إلى مسودة اتفاق عدلت 6 مرات، حيث دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ظهر اليوم السبت، وسيظل قيد المراقبة لمدة 72 ساعة قادمة، قبل الإفراج عن الأسرى الكمبوديين لدى الجانب التايلندي.

بنود الاتفاق

يقضي اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين بوقف الأعمال العدائية، وألا يتم استهداف المدنيين أو البنى التحتية، وأن يعود سكان المناطق الحدودية في أقرب وقت ممكن إلى منازلهم ومصالحهم "في أمان وكرامة".

كما اتفق الطرفان على عدم تغيير مواقع انتشار الجيشين على الحدود، وأن يحتفظ كل طرف بموقعه الحالي بدون تعزيزات أو بنى تحتية أو تحصينات عسكرية إضافية، وألا تتخطى طائرات أو مسيرات أي دولة المجال الجوي للدولة الأخرى، مع عدم الإقدام على أي تحركات استفزازية أو تحريضية.

كما اتفقا على تكثيف التواصل بين وزارتي الدفاع على مختلف المستويات الميدانية والعليا، مع العمل المشترك على المسح الميداني في شأن السلامة من الألغام خلال مهمة ترسيم الحدود، والتعاون وفق خطة عملية لمواجهة الجرائم العابرة للحدود، كالاحتيال المالي الإلكتروني وتهريب البشر، والتنسيق الإعلامي بين الدولتين منعا لانتشار إشاعات أو أخبار كاذبة.

إعلان

ويتضمن الاتفاق الإقرار بأهمية دور مراقبي رابطة " آسيان"، التي سعت لخفض التصعيد بين الدولتين، بعد مطالبات أميركية وأوروبية وصينية وروسية.

مصدر الصورة الحدود الكمبودية التايلندية تمتد إلى 817 كيلومترا (الجزيرة)

توتر حدودي

توترت العلاقات الكمبودية التايلندية بشكل متقطع في الفترة ما بين عامي 2008 و2011، لكن المواجهات الأخيرة تعتبر الأسوأ والأطول نسبيا مقارنة بمواجهات سابقة، والتي كان آخرها في يوليو/تموز الماضي، وانتهت بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار ثم بيان مشترك وقع في العاصمة الماليزية كوالالمبور.

وتتجاوز آثار هذا التوتر الواقع السياسي بين البلدين وتمتد إلى جوانب اقتصادية وإنسانية تؤثر في حياة مئات الآلاف من التايلنديين والكمبوديين ممن يعتمدون على التجارة والتواصل بين الشعبين.

فالحدود الكمبودية التايلندية تمتد لـ817 كيلومترا من أقصى حدود المثلث مع لاوس وحتى الجنوب عند خليج تايلند، الذي يعد نقطة إستراتيجية للبلدين، وعلى امتداد هذه الحدود هناك 15 معبرا حدوديا بريا، يتنقل عبره في بعض المواسم عشرات الآلاف من المواطنين بشكل يومي.

كما تعبر الحدود مئات الشاحنات التي تنقل النفط والمنتجات التايلندية من أجهزة إلكترونية ومنزلية عامة ومواد غذائية وزيوت، ويقدر رجال أعمال تايلنديين تحدثوا للجزيرة نت أن 80% من حجم استهلاك كمبوديا في فترات سابقة كان يستورد من تايلند، إذ تتفاوت التجارة البينية ما بين 450 و580 مليون دولار شهريا، كما أن معظم صادرات تايلند تتجه إلى كمبوديا، وتصدر الأخيرة بعض الملابس والمنسوجات.

مصدر الصورة أصحاب مزارع في إقليم تشانتا بوري الحدودي شرق تايلند يعتمدون على العمالة الكمبودية في مزارعهم (الجزيرة)

تبعات اقتصادية وتجارية

أكد أصحاب محلات تجارية ورجال أعمال تحدثوا للجزيرة نت أن الأثر الاقتصادي لهذا الصراع استمر منذ نهاية المواجهات في يوليو/تموز الماضي، وأن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإعلان كوالالمبور بعد ذلك لم يُعد التواصل التجاري بين البلدين، ما يعني أن التبادل التجاري بين الشعبين قد توقف لنحو 5 أشهر.

ويقول باملونغ لوجلين وأتنناجاي رئيس غرفة التجارة والصناعة في إقليم ساكياو إن الصراع يمتد أثره على كل أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة من محلات تجارية ومطاعم عائلية إلى كبار المصدرين.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن التأزم قد يدفع الكمبوديين إلى البحث عن منتجات دول أخرى مثل فيتنام أو ماليزيا أو الصين، خاصة أن لكمبوديا حدودا برية طويلة مع فيتنام من جهة الشرق، وإطلالة على خليج تايلند توصلها بسهولة بسواحل ماليزيا.

وهذا يعني، في نظره وحسب ما يرى باعة آخرون، أن ما كان قرارا فرضته الجغرافيا وظروف المواجهات على شكل "مقاطعة اقتصادية" من جانب تايلند لكمبوديا، قد يتحول إلى أثر سلبي على أصحاب الأعمال السياحية والتجارية والزراعية في المناطق الحدودية.

ويقول رئيس الغرفة إنه "حتى مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، فإن استعادة الأمور حالها السابق في التواصل التجاري سيستغرق وقتا، حتى يتم إعادة ترتيب الأمور الأمنية والحدودية، لا سيما المناطق التي شهدت توترا متصاعدا، في ظل الحديث عن زراعة ألغام، وتغير المواقع العسكرية للجيشين، ومزاعم من الجانبين بشأن خرائط ترسيم الحدود بينهما.

مصدر الصورة تحذيرات من السفر إلى المناطق الحدودية نشرتها سفارات دول أجنبية ساهمت في تراجع الحركة السياحية والتجارية (الجزيرة)

وتقدر العمالة الكمبودية في تايلند بنحو نصف مليون شخص على الأقل، حسب أرقام منشورة قبل الصراع، يعملون في المصانع والمزارع ومختلف الأعمال التجارية.

إعلان

ويتحدث أصحاب مزارع في إقليم تشانتا بوري الحدودي شرق تايلند للجزيرة نت بأنهم يعتمدون على العمالة الكمبودية في مزارعهم، لا سيما في موسم حصاد الفواكه، ويتطلع العمال الكمبوديون الذين غادروا تايلند في ظل التوتر للعودة إلى أعمالهم بعد أن هدأت الجبهات، بينما يترقب آخرون تجديد رخص عملهم في تايلند.

من ناحية أخرى اضطر الكثير من الفلاحيين التايلنديين لترك حقولهم، ولهذا أقر مجلس الوزراء التايلندي معونة لنحو 460 ألف عائلة تايلندية تقدر الحكومة أنها تضررت بمستويات مختلفة من هذا الصراع، تصرف لتلك العوائل معونة مالية، حسب أيام نزوحها، إضافة إلى التكفل بتوفير أماكن النزوح والوجبات اليومية لهم.

مصدر الصورة نسبة السياح تراجعت بشكل ملحوظ على الرغم من فترة الاعياد السنوية (الجزيرة)

آثار تخطت الحدود

تنقلت الجزيرة نت عبر بضعة أقاليم حدودية تايلندية محاذية لكمبوديا شهدت مواجهات ساخنة خلال الفترة الماضية، ابتداء من إقليم سورين، ثم سي ساكيت، وساكياو، ثم إلى أوبون راتشا ثاني، حيث بدا الركود الاقتصادي لافتا في المحلات التجارية والفنادق والمطاعم، وامتد ذلك حتى إلى المناطق التي لم تشهد مواجهات مثل إقليم تشانتا بوري الذي تم اختياره ليكون مكانا لإجراء المحادثات.

ويشتكي أصحاب الفنادق من كساد تسبب في خسارات كبيرة لهم، منهم أنور فاروق مدير فندق ومطعم "حلال" في إقليم تشانتا بوري، الذي تحدث للجزيرة نت، عن تأثر كبير في حركة السياح التايلنديين والأجانب، موضحا أن هذا يحصل حتى لمن هم بعيدون عن المناطق الحدودية ولا تصلهم أصوات القصف ولا صواريخه.

ويعود ذلك في نظر أصحاب الفنادق إلى حالة الذعر التي بثها الصراع في بلد سكانه غير معتادين على مثل هذه الظروف، ثم عدم إدراك كثير من الناس أن المواجهات لا تغطي كل مساحة الأقاليم الحدودية، كما ساهم تداول أنباء إجلاء سكان المناطق الحدودية في خشية السياح التايلنديين، أو غيرهم من الأجانب، الاقتراب من هذه الأقاليم.

مصدر الصورة تبادل المشتقات النفظية عبر الحدود كان محظورا خلال أشهر التوتر بين البلدين (الجزيرة)

وفي الطريق باتجاه الشمال الشرقي لتايلند، نحو الحدود مع لاوس، المجاورة للبلدين المتنازعين، زارت الجزيرة نت إقليم موكداهان للوقوف على أثر هذه الحرب على التجارة الإقليمية مع دول أخرى غير كمبوديا.

وكانت تايلند قد منعت تصدير النفط إلى كمبوديا، عندما بدأت المواجهات، كما أغلق أحد المعابر بين تايلند ولاوس، بحجة شكوك لدى مسؤولين تايلنديين بأن النفط أو السلع الأخرى تعبر إلى كمبوديا عبر الأراضي اللاوسية، وهو ما انعكس بدوره على أصحاب شاحنات المحروقات والسلع المنقولة بين البلدين.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا