آخر الأخبار

بعد دعم ترامب.. بشارة بحبح يكشف كواليس السياسة الأميركية والإفراج عن الأسير الأميركي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

روى مؤسس ورئيس مؤسسة "الأميركيون من أجل السلام العالمي" بشارة بحبح قصة تحولاته السياسية والفكرية التي عكست في جوهرها تحولات الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، وهي قصة تعلّم راويها درسه القاسي من الوعود السياسية، فقرر أن يحوّل الأصوات الانتخابية إلى ورقة ضغط لا تُمنح إلا مقابل التزامات مكتوبة لا شفوية.

وفي حديث مطوّل للجزيرة نت، يكشف بحبح عن رؤيته لمستقبل القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الحوار مع الإسرائيليين هو الخيار الوحيد الواقعي في ظل غياب قوة عسكرية فلسطينية مؤثرة. قائلا "ما المضاد للحوار؟ العمل العسكري؟ ليس لدى الشعب الفلسطيني أي عمل عسكري". ويضيف بحبح -بصراحة قد تبدو قاسية على آذان بعضهم- أن تدمير غزة الكامل وتشريد أهلها ليس نتيجة يمكن الاحتفاء بها أو البناء عليها.

ويستمر رئيس مؤسسة "الأميركيون من أجل السلام العالمي" في طرح رؤية قد تثير جدلا واسعا تقوم على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بقوات أمن داخلية فقط، لكنها دولة ذات سيادة كاملة على مواردها البشرية والطبيعية، ويراها رؤية واقعية في ظل موازين القوى الحالية.

ولعل أبرز ما يميز موقف بحبح السياسي، هو تحوله من داعم متحمس للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ناقد حذر، ولعل هذا ما دفعه إلى تغيير اسم منظمة "العرب الأميركيون من أجل ترامب" التي أسست لدعم المرشح الجمهوري في الانتخابات الأخيرة إلى "الفلسطينيون الأميركيون من أجل السلام"، مبينا أن ذلك حدث عندما تحدث ترامب عن تحويل غزة إلى "ريفييرا" بما يوحي بمشاريع استثمارية لا تخدم أهل القطاع.

ورغم هذا التوتر، يظل بحبح مقتنعا بأن ترامب هو الوحيد القادر على الضغط على إسرائيل لتحقيق السلام، خاصة أن ترامب يعرف كيف يتعامل مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغم غياب المحبة الحقيقية بينهما، حسب قول بحبح.

إعلان

وفي واحدة من أكثر اللحظات حساسية، لعب بحبح دورا محوريا في الإفراج عن الأسير الأميركي عيدان ألكسندر المحتجز لدى المقاومة الفلسطينية، حيث نجح في المهمة التي فشل فيها آخرون، ومع ذلك يكشف عن خيبة أمله عندما أعلن ألكسندر نفسه بعد إطلاق سراحه عزمه على العودة للجيش الإسرائيلي، مبينا "أنا قمت بذلك لوقف الحرب على غزة. أما مصيره فبيده هو".

وبحبح من مواليد القدس القديمة، حيث عاش طفولته في غرفة واحدة مع 9 أفراد يشكلون عائلته اللاجئة، عندما كانت أصوات حبات المطر على سقف "الزينكو" تملأ ليالي الشتاء الطويلة، والأطباق تحتل زوايا الغرفة لتجميع الماء المتسرب من شقوق السقف.

ويختصر الأكاديمي خريج هارفارد رحلته كلها بجملة تحمل وزن نصف قرن من الغربة والنجاح والألم والأمل، من سماع الأذان في القدس القديمة إلى رائحة البهارات في سوق العطارين ، مع ذكريات حية رغم كل السنوات والمسافات، إذ يقول "بعد 50 عاما في أميركا لا يزال الحنين إلى القدس كما هو".

الموقف من الانتخابات الأميركية: درس قاس وحسابات جديدة

عندما يتحدث بشارة بحبح عن الانتخابات الأميركية يبدو واضحا، أن ثمة تحولا جذريا في طريقة تعامل الجاليات العربية والإسلامية مع الانتخابات الأميركية، إذ يقول بنبرة حاسمة تعكس تجربة طويلة في دهاليز السياسة الأميركية "هذه المرة تعلمنا درسنا، إذا أردنا أن نمنحهم أصواتنا فيجب أن نأخذ المقابل، وأن يكون هذا المقابل مكتوبا لا شفويا".

ويشرح تلك النتيجة المستخلصة بأن تأرجحه في التصويت بين الجمهوريين والديمقراطيين ليس عشوائيا أو انتهازيا، بل مبني على حسابات دقيقة ومصالح واضحة. "سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين، إذا أرادوا دعمنا كعرب ومسلمين فعليهم أن يكتبوا لنا ماذا سيفعلون في المقابل، يكتبونه على ورق حتى نراه ونريهم إياه لاحقا". مبينا أن الانتخابات النصفية المقبلة في عام 2026 ستكون اختبارا جديدا لهذه الإستراتيجية.

وعن تأثير الأصوات العربية والإسلامية في الانتخابات الأميركية يقول إن "أهميتنا تكمن في الانتخابات الرئاسية أكثر من أي شيء آخر، لأن الولايات المتأرجحة فيها وجود عربي ومسلم كبير يؤثر بشكل حاسم".

ويضرب بحبح مثالا من الانتخابات الأخيرة: "لو نظرت إلى العام الماضي وقارنت الأصوات التي تأرجحت بين الرئيس السابق جو بايدن عام 2020 والرئيس الحالي دونالد ترامب عام 2024، ونظرت إلى الأصوات العربية، لوجدت أن هناك تناسبا مباشرا بينهما، فعدد الأصوات التي حصل عليها ترامب من بايدن يطابق عدد الأصوات التي تحولت من الجانب العربي والمسلم".

العلاقة بترامب: من الحماسة إلى التحفظ

لكن العلاقة بإدارة ترامب شهدت منعطفا دراماتيكيا دفع بحبح إلى اتخاذ قرار رمزي بالغ الدلالة، إذ غيّر اسم منظمة "العرب الأميركيون من أجل ترامب" التي أسسها لدعم المرشح الجمهوري عام 2024 إلى "الفلسطينيون الأميركيون من أجل السلام".

ويوضح بحبح أن تغيير الاسم كان لسببين: "الأول أن الحملة الانتخابية انتهت، والثاني عندما ذكر ترامب أنه يريد أن يحوّل غزة إلى ريفييرا، وكان الانطباع السائد أنه يقصد ريفييرا لصالح آخرين وليس لأهل غزة. حينها قلت: لا، أنا أرفض هذا الكلام، ومن هذا المنطلق غيّرت الاسم".

إعلان

ويذكر بحبح أن ترامب نجح في الانتخابات بناءً على وعده بوقف الحرب على غزة، وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي تم التوقيع على وقف إطلاق النار ، لكن إسرائيل خرقت الاتفاق بعد شهرين فقط، والولايات المتحدة رضيت بهذا، والسبب الأساسي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أقنعها بأنه بحاجة إلى بعض الوقت لإنهاء حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ).

ورغم هذا التوتر، يحرص بحبح على تأكيد أن علاقاته بالإدارة الأميركية "ما تزال جيدة". يقول "في الولايات المتحدة لدينا انتخابات كل سنتين، والسنة القادمة لدينا الانتخابات النصفية التي ستقرر ميزان القوى في الكونغرس الأميركي ، وهم بحاجة إلى الأصوات العربية والمسلمة، لكنني حاليا لم أعرض نفسي أو قدراتي أو ما يمكنني فعله لمساعدتهم".

ومع ذلك، يعبّر بحبح عن قناعة راسخة بقدرة ترامب على تحقيق السلام، "لدي قناعة أن ترامب هو الوحيد الذي يمكن أن يؤثر على إسرائيل أو يضغط عليها، وخاصة على نتنياهو، لأن الأخير ثعلب يصعب معرفة اتجاهاته ونواياه، لكن ترامب يعرفه ويعرف كيف يتعامل معه".

مصدر الصورة بشارة بحبح: أسهمت في الإفراج عن الأسير الأميركي لدى حماس عيدان ألكسندر (الفرنسية)

الإفراج عن الأسير الأميركي

في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في مسيرته، لعب بشارة بحبح دورا محوريا في الإفراج عن الأسير الأميركي عيدان ألكسندر المحتجز لدى حماس في غزة. وعندما سألته عن ذلك أجاب: "نعم، أنا كنت الوحيد الذي يحاور حماس بشأن هذا الموضوع. لم يكن هناك أي اتصال مباشر من ستيف ويتكوف (المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط ) أو أي شخص آخر من الإدارة الأميركية".

لكن بحبح يحرص على توضيح دوافعه الحقيقية، "دعني أكون واضحا: يهمني بالطبع أن يُطلق سراح شخص أميركي أسير، هذا واجبي كأميركي. لكن في الوقت نفسه، كان يهمني أكثر إنهاء الحرب. فالجانب الأميركي أقنعني بأن إطلاق سراح عيدان ألكسندر سيؤدي إلى خطوات إيجابية جدا لوقف الحرب. من هذا المنطلق كنت على قناعة بأن إطلاق سراحه سوف يمهّد لوقف إطلاق النار".

ويضيف بخيبة أمل واضحة: "عندما أعرف أن عيدان ألكسندر قبل شهرين أو ثلاثة أعلن أنه سوف يلتحق مرة أخرى بالجيش الإسرائيلي ، فماذا يعني ذلك؟ إنه إذا التحق مرة أخرى وأُسر من جديد فهذا شأنه. أنا قمت بذلك لوقف الحرب على غزة، أما مصيره فبيده".

رؤية للسلام.. واقعية أم تنازل؟

بين هذه المعطيات السياسية المعقدة، يطرح بحبح رؤيته للحل، وهي رؤية قد تثير جدلا. فهو يؤمن بأن الحوار هو الخيار الوحيد المتاح. متسائلا: ما هو المضاد للحوار؟ ويجيب هو نفسه: العمل العسكري؟ وما نوع العمل العسكري المتاح؟ ويخلص إلى النتيجة: "ليس لدى الشعب الفلسطيني أي عمل عسكري مؤثر".

ويضيف "القضية الفلسطينية استحوذت -خاصة في السنتين الأخيرتين- على اهتمامات العالم بأكمله، وهذا الاهتمام لم تحظَ به القضية الفلسطينية من قبل، لا منذ عام 1948 ولا قبل ذلك. وحاليا لا توجد لدينا خيارات سوى الحوار، على أساس أن الورقة الفلسطينية أصبحت أقوى، وإسرائيل أصبحت منعزلة ويتجنبها كثيرون".

ويدعو إلى استغلال اللحظة الراهنة: "الواقع الحالي أن لدينا دولا عالمية، حتى الولايات المتحدة، يمكن أن تساندنا في قيام دولة فلسطينية، ويجب أن نستغل تعاطف العالم معنا في هذه المرحلة".

وعن مقومات الدولة المنشودة، يقول بحبح "نحن نتحدث عن دولة فلسطينية مقوماتها كاملة لكنها منزوعة السلاح". مستطردا "لن يكون لديها جيش، لكن ستكون لديها قوات لحفظ الأمن الداخلي وعلى الحدود فقط". ثم يصل إلى النتيجة التي مؤداها "قوتنا تكمن في القوى البشرية، وما دامت لديك المقومات البشرية يمكن بناء أي شيء".

أما عن إسرائيل، فيرى بحبح أنها "لا مفر لديها إلا قبول الواقع. وهذا الواقع هو أن الشعب الفلسطيني لن يترك فلسطين. وكل ما تريده إسرائيل هو هجرة الشعب الفلسطيني إلى دول أخرى، وهذا لن يحصل. إسرائيل أمامها خياران: إما دولة ديمقراطية واحدة تشمل الجميع، أو انفصال. والانفصال هو الأفضل للإسرائيليين لأنهم يريدون دولة يهودية".

إعلان

ويضيف: "المساعدات الأوروبية والأميركية لإسرائيل وصلت لعشرات المليارات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول". وهنا يوجه سؤالا استنكاريا: "هل تعتقد أن أوروبا وأميركا ستستمران في ذلك؟" ويكمل بعدها: "إسرائيل مجبورة على التعامل مع الواقع، إنها منهارة، والجيش منهار، وقوات الاحتياط منهارة، إنها متعبة جدا وبحاجة إلى سلام".

ورغم كل ما سبق، عاد بحبح ليبين أن هذا الطرح ليس بسيطا إلى هذا الحد، وحسب رأيه "للأسف مصلحة إسرائيل ومصلحة نتنياهو تختلفان، فإسرائيل بحاجة إلى السلام لكن نتنياهو بحاجة إلى الحرب ليبقى في منصبه".

مصدر الصورة بحبح أنهى أطروحة الدكتوراه في جامعة هارفارد الأميركية وعمره 25 عاما (مواقع التواصل)

في هارفارد.. رحلة استثنائية إلى التميز

وخلف الناشط السياسي تختبئ قصة أكاديمية استثنائية، إذ يقول بحبح عن جامعة هارفارد : "كانت حلمي، وجاءني قبول بعثة كاملة ما عدا ألف دولار. سألوني: كم معك من المال؟ قلت: معي ألف دولار. فخصموها من البعثة، لكن في السنة التالية حصلت على الألف دولار عدة مرات، لأنه بمجرد أن دخلت الجامعة انتهت المشكلة".

والأكثر إثارة أن وجوده في هارفارد للماجستير والدكتوراه استمر 4 سنوات فقط. "قالوا لي: لماذا أنت مستعجل؟ قلت: سئمت فكتبت الأطروحة دفعة واحدة". ويقول عن أطروحة الدكتوراه: "أنهيت الدكتوراه سنة 1983 وعمري 25 سنة فقط".

وبعد التخرج عاد إلى فلسطين وأصبح رئيس تحرير جريدة الفجر، وفي أواخر الثمانينيات عاد إلى هارفارد نائبا لمدير مؤسسة الشرق الأوسط ومحاضرا في الجامعة. "كان هناك برنامج خاص لتأهيل السلطة الفلسطينية بعد أوسلو، وأنا كنت المسؤول عنه وخلال 24 شهرا أخذت 18 بعثة أكاديمية من هارفارد إلى فلسطين لإعطاء آراء في تنظيم الوزارات الجديدة".

مصدر الصورة بشارة بحبح ولد في حارة السعدية بالبلدة القديمة بالقدس (الجزيرة)

الحنين إلى القدس.. ذاكرة لا تُمحى

لكن كل هذه الإنجازات لا تمحو ذكريات الطفولة في القدس القديمة، بحبح "أنا ولدت في حارة السعدية ، وكانت لدينا غرفة واحدة، وكنا 9 أفراد نعيش فيها". مستذكرا أنه عندما كانت السماء تمطر كان سقف الغرفة من الزينكو يصدر صوتا، وأحيانا كان المطر ينزل علينا فنضع الأطباق في أماكن مختلفة لتجميع الماء فيه".

ويشرح "كنا لاجئين، أهلي كانوا لاجئين منذ 1948، وعادوا إلى القدس في الخمسينيات، وكانت لدينا بطاقات اللاجئين".

"أتذكر كيف كنت أذهب مع أبي لإحضار المؤونة الشهرية من وكالة الغوث ( أونروا ). هذه ذكريات حلوة ومؤلمة: حلوة لأنني كنت مع أهلي، ومؤلمة لأن وضعنا كان صعبا".

وبمنتهى التأثر، يستعيد بحبح ذكرياته القديمة: "سماع الأذان في القدس القديمة شيء رائع، وعندما تدخل سوق العطارين وتشم رائحة البهارات، وعندما ترى الكعك المقدسي.. كل هذه الذكريات" لا تنسيها غربة بحجم 50 عاما في الولايات المتحدة.

لكن الحديث ينتقل إلى الحاضر المؤلم: "آسف أن إسرائيل أخذت مني إقامتي في القدس ولا أستطيع السكن فيها، لكن بجواز السفر الأميركي أستطيع الزيارة".

ويروي موقفا ساخرا: "أحيانا عند دخول المطار تسألني موظفة بلهجة غريبة: أين ولدت؟ وجواز السفر أمامها. فأقول لها: السؤال ليس لي. السؤال لك. أنتِ أين ولد والداك؟ ولماذا تسألينني؟ فتقول: حسنا حسنا، وتختم وأمضي".

ويختتم بحبح حواره للجزيرة نت، بعبارة وهو في قمة التأثر: "الحنين إلى القدس، بعد 50 عاما في الولايات المتحدة، لا يزال كما هو".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا