في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تونس- أثار الإفراج عن رجل الأعمال في قطاع زيت الزيتون عبد العزيز المخلوفي -الأسبوع الماضي، بكفالة مالية ضخمة- جدلا في تونس ، لتزامنه مع بدء موسم جني الزيتون، مما دفع البعض لربطه بمحاولة السلطة إنقاذ الموسم عقب الأزمة الخانقة التي عرفها القطاع العام الماضي.
ويرى بعض المراقبين أن إطلاق المخلوفي جاء لدواعٍ اقتصادية بحتة أكثر منها قضائية، فهو يعد أبرز مُصدّر لزيت الزيتون بالبلاد، وشركاته لعبت في السنوات الماضية دورا حاسما في استقرار الأسعار وإنقاذ السوق من الانهيار خلال أزمات التخزين والتصدير.
ويؤكد أنصار الرئيس قيس سعيد أن قرار الإفراج تم وفقا للإجراءات القانونية، مقابل ضمان مالي غير مسبوق بلغ 50 مليون دينار (17 مليون دولار). ويعتبر هؤلاء أن القضاء لم يبرّئ المخلوفي بعد، بل سمح له بمواصلة نشاطه في انتظار استكمال التحقيقات.
ويتهم معارضون الرئيس باستخدام القضاء وسيلة للضغط على رجال الأعمال عبر سجنهم دون محاكمات عادلة، في حين يؤكد أنصاره أن الهدف من هذه الإجراءات هو استرجاع أموال الشعب "المنهوبة" لا الزجّ برجال الأعمال في السجون.
ويرى معارضون أن تكرار الإفراج عن رجال أعمال موقوفين في قضايا مالية مقابل كفالات ضخمة -في وقت يظلّ آخرون خلف القضبان لعدم قدرتهم على دفع المال- يعكس تحوّل العدالة في تونس إلى معادلة مالية لا قانونية.
والمخلوفي رجل أعمال بارز ينحدر من محافظة صفاقس ، إحدى أكبر المدن الاقتصادية بالبلاد، وعُرف أساسا بنشاطه في مجال تخزين وتصدير زيت الزيتون منذ عام 1996.
وهو صاحب أكبر مجمع اقتصادي متخصص في إنتاج وتسويق زيت الزيتون في تونس والعالم. وتقلّد سابقا رئاسة النادي الرياضي الصفاقسي لكرة القدم مما جعله شخصية عامة.
وقد اعتقل المخلوفي في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بعد صدور بطاقة إيداع من قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي. وجاء توقيفه مباشرة عقب زيارة قام بها الرئيس سعيد إلى "هنشير الشعال" بمحافظة صفاقس أواخر أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
و"هنشير الشعال" هو مجمع زراعي تابع للدولة يوجد في محافظة صفاقس يُعرَض منتوجه للمناقصة أمام الفلاحين والمستثمرين وفق شروط محددة.
واتُهم المخلوفي في شبهات تجاوزات مالية وإدارية تتعلق باستغلاله المجمع. وشملت التحقيقات مسؤولين محليين ومسؤولين بإدارة المجمع الفلاحي.
وبعد توقيفه طيلة عام، قرر القضاء في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري الإفراج عنه بكفالة، على أن يبقى على ذمة القضاء للفصل في هذه القضية إما بتبرئته أو إدانته لاحقا.
وأعاد خروج المخلوفي من السجن الأمل للفلاحين الذين يعتبرون شركاته ركيزة أساسية في توازن سوق الزيت التونسي، ويرون في الإفراج عنه فرصة لإنقاذ موسم الزيتون.
وفي السياق، يقول الحاج المنصف بن عمار، وهو فلاح من منطقة "مزل شاكر" بمحافظة صفاقس -للجزيرة نت- إن الإفراج عن المخلوفي بعث أجواء من الارتياح في أوساط الفلاحين مع بداية موسم الجني.
ويوضح أن شركات المخلوفي تعد من أبرز المشترين للزيتون من المعاصر والفلاحين، وأن عودته للنشاط ستعيد التوازن نسبيا إلى السوق وترفع الأسعار تدريجيا بعد فترة من الركود والضبابية.
ومن جانبه يقول ليث بن بشر، وهو مستثمر فلاحي ومؤسس "النقابة التونسية للفلاحين" إن الإفراج عن المخلوفي من شأنه أن يُطمئن شركاءه في الداخل والخارج ويعيد بعض الثقة للسوق التونسية.
وأوضح للجزيرة نت أن عودة أحد الوجوه البارزة في القطاع قد تُحدث تأثيرا إيجابيا على التداولات المحلية وتبعث إشارات إيجابية للمستثمرين والمصدرين، مما ينعكس جزئيا على السوق التونسية ويحد من تذبذب الأسعار.
وأكد أن توقيف المخلوفي السنة الماضية أربك السوق وأحدث اضطرابا في الثقة لدى الفلاحين والمستثمرين.
من جانبه يقول عماد الدائمي الناشط السياسي ومؤسس "جمعية مرصد رقابة" إن توقيف المخلوفي أضر بقطاع زيت الزيتون العام الماضي، موضّحا أن توقيفه مع انطلاق موسم الجني العام الماضي أربك السوق وتسبب في توقف شركته عن شراء الزيتون من الفلاحين.
واعتبر أن توقيف المخلوفي وتعطيل نشاطه العام الماضي كان هدفه إزاحته من طريق شركات إيطالية منافسة له في قطاع زيت الزيتون، مؤكدا للجزيرة نت أن اعتقاله أدى إلى خسارة إيرادات مالية هامة لا سيما من العملة الأجنبية.
ويرى أن السلطة ما كانت لتقدم على الإفراج عن المخلوفي لولا قناعتها بأنها فشلت في تحقيق الشعار الذي ترفعه بالتعويل على الذات، بالنظر إلى الدور الحيوي الذي يلعبه المخلوفي وشركته في توازن سوق الزيت التونسي، بحسب تعبيره.
وعاشت تونس الموسم الماضي أزمة حادة في قطاع زيت الزيتون الذي يُعد أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني. وعرفت الأسعار تراجعا إلى مستويات قياسية، حيث تراجع سعر اللتر إلى 15 دينارا (5 دولارات) بعد أن وصل عام 2023 إلى 25 دينارا (8 دولارات).
ومع بداية الموسم الحالي لجني الزيتون، توقعت وزارة الفلاحة التونسية أن تصل الصابة الوطنية لزيت الزيتون (المحصول الكلي) هذا الموسم إلى مستويات قياسية، مما يعكس تحسّن الإنتاج بعد سنوات من الجفاف.
ولتفادي أزمة العام الماضي، أعلنت الحكومة عن جملة من الإجراءات لتخزين زيت الزيتون، وكلفت الديوان الوطني للزيت بتخزين كميات تتراوح بين 100 و150 ألف طن لدى الفلاحين وأصحاب المعاصر لمدة 3 أشهر، مع منح مالية لدعم الفلاحين.
كما أعلنت عن دعم صغار الفلاحين من خلال تبسيط إجراءات الحصول على قروض ميسرة من البنوك، وضمان تمويل جميع حلقات الإنتاج لضمان حسن سير الموسم وتحقيق استقرار الأسعار.
وتوقع مؤسس النقابة التونسية للفلاحين أن يصل المحصول الكلي من الزيت إلى أكثر من 450 ألف طن.
لكنه استبعد أن تشهد أسعار زيت الزيتون ارتفاعا ملحوظا بالنظر إلى أن الإنتاج العالمي للزيت -مع استعادة المنتجين الكبار مثل إسبانيا وإيطاليا لمستوياتها الطبيعية من الإنتاج- "يبقى أعلى من الطلب العالمي".
ورغم إقراره بالدور البارز الذي يلعبه المخلوفي في سوق الزيت، فإن بن بشر يرى أن المخلوفي لا يمتلك عصا سحرية لإنقاذ القطاع، لافتا إلى أن التحضير للموسم يتم منذ أشهر وأن الأسعار تُحدّد وفق تقلبات السوق العالمية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة